النزاهة مطلوبة من المواطن ايضا
يطالب الرأي العام وفعالياته الحزبية والسياسية الحكومة بالالتزام بتعهداتها باجراء انتخابات نزيهة, بدورهم يؤكد الناطقون باسم الحكومة بشكل مستمر على هذا الالتزام. فيما نطالب كصحافة وسياسيين باحكام الرقابة الشعبية على عملية التصويت, مثل اعطاء دور للمركز الوطني لحقوق الانسان ولعدد من منظمات المجتمع في رقابة العملية وهو ما استجابت له الحكومة ايضا, بل انها ذهبت الى ابعد من ذلك عندما قررت السماح لاي جهة اجنبية تطلب رسميا مراقبة الانتخابات بالحضور الى البلاد والقيام بمهمتها مع التسهيلات اللازمة.
الى هنا, (كفّت) الحكومة, وبانتظار (ان توفي) في موعد الاستحقاق الانتخابي, وبالتأكيد سيكون هناك حُكم على التزامها بما وعدت, وستقف وجها لوجه امام اي نقد يصدر عن الصحافة والمركز الوطني وجميع الجهات الاخرى المعنية بين صفوف المجتمع المدني اضافة الى اي جهة اجنبية وهذا جزء مهم وحيوي في مسألة تقرير نزاهة الانتخابات.
غير ان هذا لا يكفي لضمان اجراء العملية الانتخابية وفق معايير النزاهة, فالمواطن او الناخب له دور كبير في المساهمة باجراء انتخابات نزيهة, ان لم يكن هذا الدور يمثل 75 بالمئة من العملية.
1- للمواطن دور في اجراء انتخابات نزيهة, اذا قرر ان يتعامل بجدية في مسألة اختيار النائب الذي يريد. ان قراره بالاختيار لا تجبره عليه الحكومة ولا اي جهة اخرى, ما دام القانون قد الغى (الصوت الامي) الا اذا كان الشخص اميا بالفعل ووفق اجراءات بالغة السرية.
ما الذي يمنع المواطن من ان يختار حسب قناعاته بالمرشح بالنظر لكفاءته وصدقه واخلاصه للوطن, اي اختيار القادر على تمثيله مهما كان اصل وفصل هذا المرشح وانتماؤه, غناه او فقره, ما الذي يمنع المواطن من حرية الاختيار ما دام في النهاية يقف خلف الستارة وحيدا يكتب الاسم الذي يشاء ثم يلقيه في الصندوق ولا يعلم بهذا الاختيار الا الله.
2- وللمواطن دور في اجراء انتخابات نزيهة, اذا توقف عن القاء اللوم على الحكومات وعلى الدولة وتوقف عن الزعم بان "كل شيء مرتب ومقرر" ولهذا ما عليه "الا ان يضع رأسه بين الروس", فيختار المرشح الذي وعد احد اولاده او اقاربه بوظيفة (من الواضح ان المرشح غير قادر على الوفاء بمثل هذه الوعود في ظل الاوضاع الاقتصادية الراهنة), او ذلك الذي (دس هو او احد اعوانه في جيبه بعض النقود) لشراء صوته وحريته وذمته. او ان يختار على طريقة "وما انا الا من غزية ان غزت غزوت".
مثل هذه التصرفات والقرارات تشطب معنى الوطن والمواطنة والمشاركة ورغبة الانسان في العمل لتحقيق حريته في الاختيار, ثم هي تختلق المبررات لتبيع كل هذه المعاني في سوق العبودية. صحيح ان عدم الثقة بنزاهة الانتخابات له جذور لكن ماذا عن بداية جديدة, وانتخابات مختلفة, لماذا لا يساهم الجميع في تخليص البلاد والعباد من عمليات التزوير, وشراء الذمم, ومن ثقافة الرد على الاخطاء بالمواقف السلبية, والانسحاب من العمل العام بانتظار ان تكون "النزاهة" قرارا من فوق, بدل ان يكون ارادة جماهيرية يقظة تستغل القانون والوعود ليتمسك المواطن بما هو حق دستوري له.
في كل الاحوال, المواطن الذي يقاطع الانتخابات افضل بالف مرة من الذي يدلي بصوت مدفوع الثمن, او بتعصب عشائري وجهوي, فالاول يعبر عن قرار وموقف يشارك فيه مجموعة, صغيرة كانت ام كبيرة, اما الثاني فانه يمارس بشكل خاطئ حريته في الاختيار عندما يختار لاسباب لا تتعلق بمصالح الوطن والدولة والشعب, وانما بمصالح صغيرة بعضها مثل خرم الابرة, وبعضها الاخر مؤقت (مثل الاكتفاء بملء البطن بغدوة او عشوة).
العرب اليوم