الملك محذرا وموبّخا

الملك محذرا وموبّخا

لم يكن الاهتمام الإعلامي الواسع بحديث جلالة الملك إلى صحيفة وول سترتيب جورنال ، مفاجئا.. المفاجأة جاءت من بعض الأسئلة والتعليقات التي حملتها أسئلة الصحفيين (والمذيعين) الذين أتبعوا عرض العناوين الرئيسة للمقابلة ، بإجراء المزيد من المقابلات مع كتاب ومحللين (من بينهم كاتب هذه السطور) ، حيث ذهب هؤلاء للتساؤل عن المعنى والمغزى والدوافع الكامنة وراء الحديث ـ التوبيخ ـ التحذير الذي صدر عن الملك ، لكأن ما يجري في إسرائيل ويصدر عن حكومتها ، لا يكفي وحده لإطلاق مائة تحذير وألف توبيخ بأوضح المفردات وأكثرها حزما وحسما.نعم ، الملك سيكون في واشنطن مطلع الأسبوع المقبل ، وسيلتقي أوباما ، وربما لهذا السبب بالذات جاءت المقابلة لجهة توقيتها ، أما من حيث مضامينها ، فقد سبق للملك أن تحدث في مناسبات عدة وعبر وسائل ومن فوق منصات مختلفة ، عن المضامين ذاتها ، وأطلق التحذيرات من مغبة انهيار عملية السلام وإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار والعبث بأمن المنطقة ومصالح شعوبها ، وسبق للملك أن تحدث عن "سلام الأردن البارد" مع إسرائيل ، والتراجع الكبير الذي طرأ على العلاقات الثنائية منذ مجيء حكومة اليمين واليمين المتطرف ، والملك أعرب أكثر من مرة عن عدم ثقته بنتنياهو وحكومته ، وحث في كل مناسبة الولايات المتحدة على التدخل بسرعة وحزم ، لتدارك ما يمكن تداركه ، وقبل فوات الأوان.في إسرائيل اليوم (منذ عام) ، حكومة يمينية متطرفة ، ضربت عرض الحائط بكل منظومة المصالح الأردنية: فالسلام مثلا ، مصلحة وطنية أردنية عليا ، إسرائيل ضربته وتضربه كهدف وغاية وتريد الابقاء كعملية مفتوحة وعبثية ممتدة إلى ما شاء الله.. وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة مصلحة وطنية أردنية عليا بامتياز ، وإسرائيل تعمل صبح مساء على تقطيع الطرق والسبل المفضية إلى هذه الدولة.. والحفاظ على هوية القدس وسلامة المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها ، مصلحة أردنية عليا ، أقله لجهة التفويض الذي حرص الأردن على تضمينه في معاهدة وادي عربة ، حكومة إسرائيل باستهدافها للقدس تستهدف الدور الأردني المنصوص عليه في المعاهدة ، والأردن رد بأن القدس ، لا الأقصى وحده ، هو خط أحمر لا يمكن القبول بخرقه أو اجتيازه.. والأردن له مصالح وطنية عليا في حل مشكلات الحدود واللاجئين والمياه والأمن وغيرها من ملفات الوضع النهائي والانتقالي ، بيد أن الحكومة الإسرائيلية تعمل كل ما في وسعها ، للنيل من هذه المصالح ، وجعل أمر تحقيقها وصونها والحفاظ عليها ، متعذرا إن لم نقل مستحيلا.لا شك أن صعود اليمين الإسرائيلي إلى سدة الحكم في الدولة العبرية ، وانزياح المجتمع الإسرائيلي المستمر نحو اليمين ، يهددان أمن المنطقة واستقرارها ، ويبعثان على القلق من مغبة تفشي وانتشار القوى الراديكالية والعنفية والأصولية المتشددة فيها ، لقد قال الملك مثل هذا الكلام مرات ومرات ، لا من باب التحذير من مخاطر انعكاسات ذلك على الأردن وحده فحسب ، ولكن من باب التحذير لخطورة انعكاسات ذلك على الاستقرار الهش في المنطقة بمجملها.والجديد في تحذيرات الملك المتكررة قوله أن إسرائيل تلعب بالنار ، وأن عدم الاستقرار الذي تشيعه بفعل سياساتها الخرقاء المتغطرسة ، سيصيب أول من يصيب إسرائيل ذاتها ، فهي لا تعيش في "برج عاجي" وبيتها ليس من فولاذ لترجم الناس بالحجارة مطمئنة إلى أن شظايا بيوتهم الزجاجية لن تصيبها ، بيتها أيضا من زجاج ، واستقرارها هي الأخرى شديد الهشاشة ، ولن تكون أبدا في منأى عن دفع أثمان وتسديد فواتير سياساتها الاستعمارية ، بل وربما يمكن القول بأنها بدأت بالفعل في دفع هذه الأثمان ، وربما هنا يكمن مغزى المقارنة التي أجراها جلالته بين مكانة إسرائيل على الساحة الدولية من جهة ومكانة كوريا الشمالية من جهة ثانية ، وربما لن يكون بعيدا ذلك اليوم الذي تقارن فيه الدولة العبرية بنظام بول بوت البائد في كمبوديا.

أضف تعليقك