المقدسي في مواجهة داعش؟

المقدسي في مواجهة داعش؟
الرابط المختصر

بعد الإفراج عن المنظر الجهادي السلفي ابي محمد المقدسي كان من المثير للانتباه متابعة تصريحه الأول الذي انتقد فيه إعلان ما يسمى الخلافة من قبل تنظيم داعش، كما انتقد العنف والجرائم المرتكبة من قبل هذا التنظيم. المقدسي اصدر بيانا تفصيليا ربما يكون من الصعب استيعابه من قبل غير المختصين أو غير المؤمنين بنظريات الجهاد السلفي والمرجعيات الدينية لها ولكنه يقول بشكل واضح أنه يرفض سفك دماء المسلمين مخاطبا داعش “لا تظنوا أنكم بأصواتكم العالية ستسكتون صوت الحق؛ أو أنكم بتهديدكم وزعيقكم وقلة أدبكم وعدوانكم ستخرسون شهاداتنا بالحق لا وألف لا.”

الخلافات الكبيرة بين تيارات وتنظيمات الجهاد السلفي قد تكون أداة تكتيكية يمكن أن تستخدمها الدولة الأردنية لتقليص الآثار السلبية المتوقعة من ظهور داعش في العراق وبخاصة تأثيراتها على الشبان المقتنعين بالفكر السلفي في الأردن. الإفراج عن المقدسي وأن تم بشكل قانوني سليم ربما ينظر إليه وكأنه جزء من استراتيجية تنتهجها الدولة لمنح منبر سياسي للسلفيين المناوئين لداعش وأولئك الأقل تشددا أو الأكثر حرصا على عدم نقل المغامرات الجهادية السلفية إلى الأردن. في نفس السياق يمكن ايضا النظر إلى الحرية التامة المتاحة للناشط السلفي المعروف أبو سياف والذي يلعب دورا مهما في متابعة مشاركة الشباب الأردنيين في “الجهاد” في سوريا ويمكن له أن يقود دورا مهما لمنع إنضمامهم إلى داعش.

وربما كانت التصريحات التي أطلقها المقدسي برفضه ارتكاب الجرائم ضد الأبرياء تحت شعار الجهاد وخاصة استهداف مجمل المجتمع السني وكذلك الشيعة في العراق واستهداف الأجانب بالقتل، مؤشرا على إعادة التفكير ضمن ظروف جديدة نتمنى أن يكون المقدسي قد فهمها ومنها أن الكراهية والتكفير ليست من شيم الدين الإسلامي وأنها لا تؤدي إلا إلى نشر الفوضى. ولا أحسب أن المقدسي، كإنسان يحمل ضميرا إسلاميا نقيا سيكون سعيدا بما يتم ارتكابه من جرائم ضد العراقيين والسوريين من مختلف التوجهات لأنها لا تخدم ابدا الدين الإسلامي وأتباعه بل تتسبب في المزيد من التشويه لصورة الدين الحنيف.

الرسالة التي نود من الدولة الأردنية التأكيد عليها هي أن الدولة لا تستهدف الإسلاميين وحتى المتطرفين منهم بسبب المعتقد والفكر إلا إذا اقترن الفكر بالإقدام على ارتكاب الجرائم، ولهذا فإن القانون الأردني أفرج عن المقدسي لأنه لم يحمل سلاحا يقتل به الأبرياء وقد يكون له دور ايجابي في الحد من انتشار العنف الذي يستهدف سفك دماء المسلمين.

إنها معادلة صعبة التصديق ولكن احترام القانون يجعلها حقيقة واضحة. الفكر الإسلامي ليس مضطهدا في الأردن حتى لو كان متطرفا، ولكن المرفوض هو حمل السلاح والقنابل والمتفجرات ضد المواطنين وضد الضيوف الأجانب، وكما أن القانون الأردني يحمي المتهم الذي لا تثبت عليه التهمة فإنه يواجه وبمنتهى الشدة والحزم من يخرج على القانون ليعتدي على حياة الناس بإسم الجهاد والتكفير.

من الممكن أن يعود المقدسي إلى المجتمع الأردني مواطنا مقبولا ومتمتعا بكل الحقوق والحريات، ولا توجد صعوبة في تقبل آرائه الفقهية والفكرية الخاصة طالما أنها لا تؤدي إلى قتل الناس وأيذائهم. كلنا نأمل أن يستثمر المقدسي فرصة الإفراج عنه ليساهم بشكل ايجابي في توضيح حقيقة الإسلام الذي يرفض قتل الأبرياء وأن يتبرأ من أنهار الدم التي تسفك في العراق والدول العربية الأخرى.

من المهم الاستمرار في فرصة منح المقدسي المجال لإعادة تقييم نفسه وما يقدمه من ذخيرة فكرية قد تصبح مساندة لمقاومة الإرهاب. كل شخص يستحق أن يمنح فرصة جديدة لتصويب الفكر والسلوك، ولن يتمكن المقدسي من تحقيق ذلك في المعتقلات، بل في أجواء من الحرية والتسامح، ولكن مع مراقبة صارمة لمنع الارتداد نحو تأييد القتل والإرهاب. إنها كما أسلفنا معادلة صعبة ولكنها تستحق التجربة حتى أبعد مدى.

الدستور