المعلم على حق .. ونستأذنه الحل
لم يترك العقل العربي مفردة كريمة وراقية الا ووضعها على طبق للمعلم , من كاد ان يصير رسولا الى اخر طقوس العبودية الكريمة , في حين لم يناقش احد ظروف هذا المعلم واوضاعه الاقتصادية وفقا للاوصاف السابقة والمفردات الكريمة , واختلاف السائد عن المنطوق التاريخي , فالمعلم بات خاليا من الدسم وتراجعت مكانته في المثلث التربوي حد فقدان المهابة والهيبة .
فالطالب محمي والمقعد يدخل ضمن حماية العهدة وكذلك الكتاب مرتجع , وحده المعلم بقي دون حماية او ضمانة , فنقابته تأجل إقرارها عشرين عاما بالتمام والكمال , والمكارم الملكية لتحسين اوضاعه وتعليم ابنائه جرى الالتفاف عليها وإدخالها انفاق التسويف والتأجيل حتى وصلت الحالة التربوية والتعليمية الى وضع خطير وبائس , فتراجع المستوى الاكاديمي للطلبة وللمعلم وغاب الاشراف التربوي او يكاد يصل الى حد الرقابة الادارية المقيتة على زجاج المدارس ومقاعد الدراسة .
وتأهيل المعلم وتدريبه كان على حساب جهده وراحته وفي احسن الاحوال على حساب الحصة التربوية , فالدورات كانت تعقد للمعلمين بعد انتهاء الدوام المدرسي مباشرة ودون اي تقدير لظروفه وقدرته البدنية والذهنية , وبات المعلم غير قادر على رفع الاذى عنه وليس معاقبة المسيء له , حتى بات يريد سلته من دون عتب ورضي من الغنيمة بالاياب .
طوال عقود ومكانة المعلم تتراجع , والاعتداءات عليه تتزايد , وصارت قاعات الامتحان ساحات وغى يتمنى المعلم ان يخرج منها سالما , وبات يوم المعلم هو الفرصة الوحيدة لاستذكار قيمته لحصة واحدة فقط طوال العام , وبعدها يعود الى معاناته وهمومه المعيشية , ولا ننسى يوما انه بات الحلقة الاضعف في المشهد كله نتيجة نقص راتبه وصلاحياته الى الحد الذي عايره فيه البعض من الرسميين وممن يحملون مسؤولية حالته بأنه لا يحلق ذقنه ولا يرتدي ملابس لائقة وكأن راتبه فيه هامش لغير الخبز والخبز فقط .
انحاز اصحاب القرا ر الى المدارس الخاصة , لأن ابناءهم واحفادهم يرتادونها , وسمحوا لتلك الاستثمارات ان تنهش المعلم والاهالي , بالرسوم والزي والكتب غير المقررة وباقي تفاصيل المقصف والرحلات الاجبارية , في حين ان معظم تلك الاستثمارت بقيت تمنح المعلم او المعلمة عقدا لمدة تسعة أشهر فقط .
نعم , لجأ قلة من المعلمين الى الدروس الخصوصية وهذا مخالف , وتكاسل بعضهم عن اداء الرسالة التربوية والاكاديمية , وقال بعض منهم انه يقدّم بقدر مايأخذ من راتب , وباقي مفردات اليأس والاحباط التي أسهمنا جميعا , مواطنيين وحكومات متعاقبة في وصوله اليها , واخرها الاضراب المفتوح , وهذا الاضراب عقوبة للطلاب وللاهالي وبقدر اقل للحكومات والوزارة التي يعاني المعلم فيها اكبر المعاناة رغم انها بيته الدافئ كما يفترض , وأتمنى ان يزور الناس وزارة التربية , ليشاهدوا معاناة المعلم في الارشيف والمالية وباقي الدوائر المعنية باستثناء جناح الوزير الفاخر .
إضراب المعلمين وجع حقيقي , وعلى الحكومة ان تسعى جاهدة لإصلاح الضرر الذي لحق بالمعلم ونتمنى على المعلمين ان يقبلوا بحل مؤقت يقضي بمنحهم العلاوة المتأخرة عنهم عقودا على عامين , احتراما للوضع القائم ولمصلحة الطلبة , ونحن نعرف ونوقن انهم يستحقون اكثر وأكثر , ونطالبهم بمزيد من الصبر الذي جرعوا مرارته طويلا ولكنه هذه المرّة صبر محدد زمنيا , بدافع الحرص على المعلم اقترح هذا الاقتراح , حتى يبقى التضامن معهم قائما والضرر القادم منهم قليل , فهم سيبقون في أذهاننا ووجداننا ورثة الرسل واكرم بني البشر
الدستور