المعلمون .. مرارة الواقع ومرُّ الإضـراب
قراءة إضراب المعلمين بوحي اللحظة , ظالمة للمعلم والعملية التربوية بمجملها , والاستكانة الى تفسير واحد للإضراب تخلو من حصافة التحليل وتُجافي واقع مسيرة التعليم المترهل منذ سنوات طوال , جرى فيها الانتقاص من مكانة وهيبة المعلم والاعتداء على قوته وجهده وانعكست سلبا على ادائه التربوي والتعليمي ووصلنا الى ما كشفته نتائج الثانوية العامة الأخيرة من تراجع اكاديمي وقبلها ما كشفه وزير التربية والتعليم عن الأمية المستشرية في مدارسنا.
منظومة التعليم بأبعادها الثلاثة تعرضت لانتكاسة خطيرة , عندما جرى استيراد نماذج تربوية من بيئات تختلف عن بيئتنا شكلا ومضمونا , فسعينا الى اتمتة التعليم في وقت تخلو فيه المدارس من أبسط الأدوات التربوية والتعليمية “ مختبرات وملاعب وغرف نشاط لا منهجي بل ومن الكهرباء في بعض المدارس “ ناهيك عن دوام الفترتين في كثير من المدارس الحكومية وفي كل مدارس وكالة الغوث وبدل تطوير المدارس ورفدها بالموارد البشرية واللوجستية انتجنا مدارس الأقل حظّا , بوصفها قدر محتوم لتلك المدارس ولطلبتها وذويهم , حتى باتت تلك المدارس عامل جذب لما تحققه من امتيازات لخريجيها بدل تجويد التعليم فيها ورفع سوية الطلاب والمجتمع المحيط وهذا ما افرز لاحقا هذا المستوى المتدني من نتائج التقييم التربوي للمتقدمين لشغل وظائف تربوية مؤخرا.
العملية معقدة ومتداخلة واضعف حلقاتها المعلم الذي ظل غائبا عن المشاركة في المناهج او في السياسة التربوية التي اوصلتنا الى الواقع المرير الذي نعيشه , وحتى الجسم التمثيلي للمعلمين “ نقابة المعلمين “ جاءت بعد مخاض مشوه وملتبس تمت تسميته بالربيع العربي , بمعنى ان الحكومات استجابت للنقابة قهرا لا وعيا وثقافة ولا بوصفها وسيلة لتطوير واقع التعليم عبر مشاركة الجسم النقابي في رسم السياسات واجتراح الحلول , فقبل وقت قصير من خروج النقابة الى الضوء كان المجلس العالي لتفسير الدستور قد اعلن فتواه بعدم جواز ولادة النقابة كدليل على تخليق النقابة في مختبرات العجلة والتسرع , علما بأننا دعمنا ولادة النقابة قبل الربيع العربي في هذا المكان , وقبلها حملت اغلبية البرامج الانتخابية للمرشحين مطلب نقابة للمعلمين دون طرحها تحت القبة حتى انتج الربيع العربي حراك المعلمين ومن ثم ولادة النقابة في ظروف مُلتبَسة وغامضة وانعكست العجلة على نظامها الانتخابي فجاء ظالما لحق الاقلية في التعبير عن رأيهم بإغلاق القائمة بدل فتحها لضمان التمثيل النسبي للجميع وبما أن الحديث عن الإصلاح مستمر ويطال التحديث الدستور فالمطلوب تعديل قوانين النقابات المهنية على نظام التمثيل النسبي للوصول إلى الإصلاح المنشود والحقيقي وان ينسحب ذلك على كل القوانين والنُظم الانتخابية .
في ضوء هذا الظرف الغامض والمُلتبس والمتداخل يجب قراءة واقع المعلم وقراءة إضرابه الأخير , الذي جاء متسرعا وعجولا كما ظروف ولادة جسمه التمثيلي , وعلينا عدم استغراب النتائج في ظل الأسباب التي انتجت هذا الواقع , فمطالب المعلمين مشروعة بل واقل من استحقاقهم وتعويضهم عن التهميش والحرمان طوال سنوات من التخبط في السياسة التعليمية التي انتجت واقعا مريرا تضاعف بالإضراب المر لنقابة المعلمين .
المعلم ليس مقدم خدمة ولا عامل انتاج في مصنع حتى يستسهل الإضراب رغم مرارة الظرف وصعوبته , مثله مثل الطبيب , وتوقيت الإضراب مزعج لكل بيت اردني ومواقيته الإقليمية اكثر ازعاجا , فهو يقودنا الى النار المشتعلة أصلا في الإقليم برغبتنا وبإذعان عجائبي , فمعنى انسياب الطلاب في المدارس وتعدادهم يقارب المليون وربع المليون هو خلق الفوضى وارباك الحياة بمجملها في البلاد ولا أحد يقبل ذلك حتى المعلمين أنفسهم .
العام الدراسي بكليته سيبدأ مطلع الاسبوع القادم , وهذا يعني ضرورة فك الإضراب والعودة الى طاولة الحوار بضمانات رسمية ونيابية بالاستجابة للمطالب المُستعجلة , ووضع برنامج زمني لتنفيذ باقي المطالب , فليس معقولا أن يتم تحسين تقاعد الوزراء ورواتبهم وكذلك النواب فيما يبقى المعلم يعاني من التضييق والتهميش والاقصاء
الدستور