المعاهدة التي أصبحت عبئا سياسيا

المعاهدة التي أصبحت عبئا سياسيا
الرابط المختصر

منذ العام 1994 وحتى العام 2014 وبشكل مؤكد في الأعوام اللاحقة تبقى إسرائيل قادرة دائما على استفزاز الأردن إما بممارسات عنصرية ضد الشعب الفلسطيني أو بالعدوان على دول عربية أخرى أو بانتهاك المصالح الأردنية في المنطقة أو بتهديد المقدسات الدينية تحت الرعاية الأردنية وأخيرا وليس آخرا القتل بدم بارد لمواطن أردني على الجسر.

في المقابل فإن كل الخطابات والتصريحات والمسيرات المضادة لإسرائيل التي تقيمها النقابات والأحزاب تكرر نفس الطلب منذ العام 1994 و حتى الآن وهو المطالبة بإلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل وطرد السفير الإسرائيلي. وهذا الخيار بالرغم من جاذبيته الشعبية هو أفضل ما يمكن لإسرائيل أن تحصل عليه من الأردن حيث يعطيها ذلك الضوء الأخضر للمضي قدما في إجراءات اتخاذ القرارات الذاتية في مفاوضات الوضع النهائي التي تهدد مصلحة الأردن بدون أن يكون الأردن شريكا أو مطلعا على هذا التوجه.

كيف وصلنا إلى هذه المرحلة، وكيف أصبح التفكير بإلغاء المعاهدة ردا على عدوان إسرائيل تهديدا للمصلحة الأردنية؟ الجواب أن المطبخ السياسي الاستراتيجي في الأردن لم يأخذ بعين الاعتبار طوال السنوات العشرين الماضية كيفية تنفيذ «الخطة ب» في حال قررت إسرائيل إلقاء المعاهدة مع الأردن في سلة المهملات والمضي قدما في تنفيذ سياسات تتناقض تماما مع مصلحة الدولة الأردنية بل وتساهم في تشكيل خطورة كبيرة عليها. لقد تحولت معاهدة السلام من وسيلة لترسيخ شرعية وأمن الأردن إلى وسيلة تحييد للأردن بل وعبئا كبيرا على السياسة الداخلية والخارجية.

الدبلوماسية الأردنية بحاجة ماسة إلى تغيير جذري في طريقة التعامل مع إسرائيل. لا ندعو إلى إلغاء المعاهدة ولكن علينا في الأردن أن «نتحرر من عبء المعاهدة» التي تقيد جهود عزل وحصار إسرائيل ومواجهتها سياسيا إلى الحدود القصوى المسموح بها في العلاقات الدولية. يجب على الأردن أن يعلن وبكل وضوح وفي كل المحافل الدولية أن السياسة الإسرائيلية الحالية تهدد المصالح الأردنية، وتعمل على تدمير مقومات «أهم» اتفاقية سلمية وقعتها إسرائيل مع الدول العربية.

إن مصداقية الأردن في المجتمع الدولي كدولة تعمل على تحقيق السلام بكل صدق ورغبة حقيقية أكبر من مصداقية إسرائيل حتى لو تميزت الأخيرة بالانحياز الأميركي. لا يوجد في معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية ما يمنع الأردن من الدفاع عن مصالحه الوطنية والقومية في مواجهة إسرائيل والدفاع عن كرامته من خلال اشتباك سياسي مباشر مع إسرائيل يوضح تماما من هو الطرف المعتدي والغاصب في هذا الصراع.

يمكن للأردن بجهود دبلوماسية وسياسية رسمية وشعبية أن يعيد المجتمع الدولي إلى التعريف الرئيسي للصراع وهو احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وتهجير شعبها وممارسة سياسات القمع والتدمير والاغتيالات بحق المدنيين الفلسطينيين، فهذه الحقائق وبالرغم من بساطتها الجوهرية لنا في العالم العربي أصبحت غائبة في المجتمع الدولي نتيجة الدعايات الإعلامية والسياسية الإسرائيلية وهي التي يجب مواجهتها بمنتهى القوة والعزم.

في محصلة الأمر، نحن في الأردن بحاجة إلى «معايير» ومبادئ خاصة ومحددة للدفاع عن المصلحة الأردنية الوطنية والحقوق الفلسطينية معا في مواجهة السياسات الإسرائيلية بما يتناسب مع اتفاقية السلام وإلا أصبحت هذه الاتفاقية عبئا سياسيا كبيرا على الأردن ندفع ثمنه من استمرار الانتقاد الداخلي للسياسة الأردنية ولمصداقية توجه الدولة نفسها، وكذلك استمرار حالة التشتت في تحديد أهداف الأردن الاستراتيجية من هذه الاتفاقية. ولكن ما نعرفه أن اية معاهدة سلام لا يمكن أن تكبل حق اية دولة في الدفاع عن مصالحها بالطرق السياسية والدبلوماسية المقبولة دوليا، والتي لا زلنا حتى الآن مقصرين كثيرا في استثمارها.

الدستور