المسألة هي استقلالية الإعلام أو إعلام وطن وليس إعلام حكومات
تزاحم مشاريع تعديل قانون المطبوعات على أجندة مجلس النواب في السنوات العشر الاخيرة يدل على وجود ارتباك عام في ظل وجود رؤية شاملة على مستوى الدولة ، حددت مرجعيات استقلالية الاعلام وحرية التعبير عن الرأي والرأي الاخر وهي ١- المادة (١٥) من الدستور . ٢- الميثاق الوطني . ٣- الرؤية الملكية للإعلام الصادرة في عام ٢٠٠٣ . ٤- الاستراتيجية الإعلامية للأعوام ٢٠١١- ٢٠١٥ .
ما يجمع هذه المرجعيات القواسم التالية : كفالة الدولة لحرية الرأي والتعبير و تداول المعلومات ، دعم مؤسسات الاعلام وحماية استقلالية إداراتها ، بناء اعلام الدولة القائم على التعددية واحترام الرأي والتعبير لكافة فئات المواطنين ، ان تكون حرية الاعلام في حدود القانون ، وان تقترن الحرية الإعلامية بالمسؤولية ، التركيز على المهنية في الممارسة الإعلامية .
لا اعتقد بان الوسط الإعلامي يعارض هذه القواسم المشتركة لرؤية الدولة التي عبر عنها الملك في رسائل موجهة الى الحكومات والى الصحفيين منذ بداية عهده . الرسالة الاولى كانت الى المجلس الاعلى للإعلام ( الاول) التى ركزت على ضرورة بناء اعلام مستقل ، اعلام دولة لا اعلام حكومات . الرسالة الثانية كانت في وثيقة « الاعلام الاردني رؤية ملكية « التي استهدفت بناء نظام إعلامي حديث ، وأخيرا الرسالة الخاصة بإعداد استراتيجية إعلامية للسنوات الخمس المقبلة والتي أشار فيها جلالته لاول مرة إلى تراجع الاعلام الرسمي الذي اسهم في عدم إيصال رسالة الدولة الاردنية وصوت المواطن وبان الاعلام بشقيه الرسمي والخاص جزء من الاصلاح الشامل .
الرؤية الشاملة موجودة وواضحة وضوح الشمس لكن المشكلة انها ليست كذلك عند الحكومات المتعاقبة ، فأين هي الحكومة المستعدة لدعم استقلالية الاعلام واين هي الحكومة التي لا ترى انها الدولة وبان الاعلام الرسمي هو ملك يديها ولن تفرط به ؟ هذه هي المسالة التي تجعل من مشاريع تعديل قانون المطبوعات اكثر من الهم على القلب . ولو ان الحكومات تبنت بالفعل عملية بناء اعلام دولة ووطن ( الرسمي اولا) تجعله مرجعية ومصداقية عند الاردنيين عندما يشاهدون على شاشتهم الوطنية و في صحفهم كل ما يتعلق بشؤونهم العامة في اطار من حرية الرأي والتعددية وتداول المعلومات بمهنية عالية وبحدود القانون فان السلبيات والأخطاء والتجاوزات في الساحة الإعلامية الالكترونية ستكون صغيرة ولا مكان لها في جو إعلامي حر .
ورأيي في التعديلات الاخيرة ان لا ضرورة لها لانها تتعارض مع الهدف الكلي لرؤية الدولة ومرجعيتها الإعلامية ، ولا يجوز ان نلحق الضرر بسمعة الدولة في مجال الحريات الإعلامية بقوانين عادة ما تكون ضحيتها الرئيسية هي الحريات . وفي عالم اليوم لا احد يشرع لحجب المواقع الا اذا كانت إباحية .
نعم . هناك مسلكيات وتجاوزات على حريات الافراد وكرامتهم في وسائل اعلام مختلفة لكن هذا تتم مواجهته بتفعيل إحالة هذه التعديات على القضاء وفق آلية وضعتها الاستراتيجية الإعلامية ، القوانين الاردنية تعاقب القدح والذم واغتيال الشخصية لكن المشكلة ان كثيرين ممن يتعرضون لهذه التعديات لا يتوجهون الى القضاء ، اما مسالة الاستعجال في قضايا المطبوعات فهي مطروحة منذ ١٠سنوات واتخذت الحكومات توجهات بشأنها في اتفاقات مع القضاء وتنفيذها لا يحتاج الى قانون انما الى توجيهات جديدة من المجلس القضائي .
اما مسالة التعليقات ونشر المسيء منها فلقد حان الوقت لوقفة جدية من اصحاب المواقع ومن نقابة الصحفيين لوضع حد لنشر تعليقات تسئ لكرامات الناس من مسؤولين ومواطنين والتحقيق في ماهو متداول من قصص يرددها رجال الاعمال عن ابتزاز وحملات تشويه مدفوعة الأجر ، فمستقبل انتشار ونجاح الاعلام الالكتروني وحتى مواقع الصحف المكتوبة يعتمد على التواصل الاجتماعي مع القراء ونشر تعليقاتهم . ومن مصلحة الإعلاميين اولا، الحفاظ على هذا التواصل الذي هو مصدر انتشار لوسائلهم الإعلامية ، والحل ليس بالدفاع عن ممارسات خاطئة انما بالارتقاء بأسلوب التعليقات وتشجيع القراء على ان يكونوا اصحاب رأي مهما كان جريئا لا إلقاء الكلام على عواهنه وما يتضمن من إساءة واستفزاز للاخرين وباسماء وهمية ( لا تنم عن شجاعة الراي ) بما يعطي الذريعة لأعداء الاعلام للاستمرار في اقتناص الفرص للحد من الحريات الإعلامية .
الراي