العيب فينا وليس في التخاصية
مستغرب أن لا يفرّق نواب عارضوا قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بين الخصخصة و"الشراكة"؛ بما ينمّ عن فهم خاطئ، مقصود أو غير مقصود، لماهية وغايات التشريع الجديد الذي وضعته الحكومة لتنظيم المسألة.
مساعي النواب الذين حاولوا رد القانون، ارتكزت على إحاطته بالشبهات؛ باعتباره بابا للفساد والتنفيعات، وتكرارا لتجارب الخصخصة التي أثيرت حولها العديد من الشبهات، رغم أن الفارق كبير بينهما.
الفريق المناوئ حاول خلق زوبعة ضد التشريع، بتذكير الناس والرأي العام بمساوئ نهج الخصخصة؛ لما تحمله من سلبيات في عقولهم، لاسيما الاعتقاد بأن الخصخصة لم تكن إلا غطاء للفساد، وذلك على الرغم من أن العمليات التي خلت من التشوهات والتجاوزات، جاءت مفيدة للاقتصاد، ومنها الاتصالات على سبيل المثال لا الحصر. ثم إن تقرير تقييم الخصخصة الذي أعده فريق موثوق، وضع يده على التشوهات ووصف أسبابها من دون مجاملة لأحد؛ ما يعني أن العيب فينا وليس في الخصخصة.
الاختلاف الأول الجوهري الذي لا لبس فيه، بين الخصخصة والشراكة، يتمثل في أن الأولى قامت على بيع مشاريع قائمة تملكها الحكومة للقطاع الخاص؛ فيما تقوم فكرة "الشراكة" على إنشاء مشاريع مستقبلية، تحديدا في مجال البنية التحتية وفي قطاعات المياه والطاقة والنقل، من قبيل إنشاء شبكة سكك حديدية وطنية وإقليمية، بأموال القطاع الخاص، في ظل ضعف الموارد المالية الحكومية اللازم توفيرها لإقامة هذا النوع من المشاريع.
هنا يبرز الفرق الثاني، والأساسي أيضا، والمتعلق بالموارد المالية. فالمشاريع التي تمت خصخصتها أنشئت بأموال الخزينة، ثم تم بيعها. فيما مشاريع الشراكة ستكون بأموال القطاع الخاص الراغب في الاستثمار في هذا المجال، وفي وقت يعلم حتى غير المختص أن الخزينة بمواردها المحدودة، وتضخم حجم إنفاقها الجاري، وعبء دينها وعجزها الثقيلين، غير قادرة على توفير التمويل.
من هنا يبدو الخلط بين الخصخصة والشراكة وكأنه يصب في باب المناكفة الحكومية النيابية، عبر اللعب على وتر الفساد الذي يستفز الأردنيين، ويجعلهم يناصبون العداء لفكرة الشراكة، من دون تقديم مبررات فعلية حقيقية لتوجيه مثل هذه التهم.
قانون "الشراكة" أقره مجلس النواب خلال عشر دقائق في جلسة الأربعاء الماضي، رغم محاولة رده الفاشلة قبل يوم واحد من ذلك. لكن ذلك لا يلغي ضرورة توضيح أنه لا علاقة بين القانون الجديد وبين فتح قنوات جديدة للفساد. فالتشريع الجديد يضم بين بنوده مواد وشروطا تحجم الخطر، عبر وضع شروط لأسس الدخول في شراكات مع القطاع الخاص. ومن ثم، فإن وجود قانون ينظم العلاقة مهم، فيما تبقى العبرة في التطبيق.
أبرز هذه الشروط وضع معايير لمشاريع الشراكة لناحية أن يكون المستهلك قادرا ماليا على الاستفادة من الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص. وضمن ذلك اشتراط تقديم الجهات الراغبة من القطاع الخاص في الاستثمار، دراسات جدوى للمشاريع، توضح الكلف مقابل المنفعة.
على العكس مما يروجه بعض النواب، فإن القانون الجديد يكرس فكرة الشفافية ويقلّص فرص الفساد، بتحديده إطارا ملزما للقطاع الخاص، كما تحديده الجهات الحكومية والمراحل التي ستعتمدها اللجان المختصة لتنظيم مشاريع الشراكة؛ ما يعد تطبيقا لمبادئ الشفافية والإفصاح.
فكرة الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ليست طارئة، بل ثمة تجارب ناجحة تثبت جدوى الفكرة التي ساهمت في إنشاء مشاريع ما كانت لتقوم لولا دخول القطاع الخاص فيها؛ منها جر مياه الديسي، ومشاريع توليد الطاقة. وثمة فرصة لاستكمال الفكرة والبناء على ما تم، لكن هذه المرة في ظل قانون يضبط العملية، ويراعي المصلحة العامة ومصالح المستهلكين.
الغد