العياذ بالله
سلسلة من الندوات والمحاضرات والحلقات النقاشية ستجتاح العناوين الرئيسة لصحفنا ومواقعنا الإخبارية، وسيكون موضوعها المشترك "الإرهاب والتطرف وكيفية التصدي لهما"، مع الأخذ بالاعتبار جملة التنويعات العازفة للّحن ذاته عبر الحديث عن: القاعدة، داعش، السلفية الجهادية، كلّنا ضد التمييز، كلّنا مع التسامح، نحن أخوة نحبّ بعضنا بعضاً، الوطن بنيانٌ مرصوص والعدو إلى زوال ولو بعد حين، إلخ.
لا بأس.
ولسوف نقرأ أسماءً آـتية من خليط سلالات شتّى: مختصون بالتنظيمات الإسلامية الجهادية يفصلون ويخيطون حتى الملل واتساع الثقب على الراتق، باحثون في الشؤون الدينية لا يينون لنا جسراً متيناً يربط بين المفاهيم الفقهية السديدة والمسلكيات الفردية والجماعية المخالفة لها، سياسيون مخضرمون يتلعثم بعضهم في قراءة أوراق لم يقم بكتابتها وينتقل بقدرة قادر إلى صفوف محاربة المحسوبية وأشباهها، رجال دين رسميون يمثلون جهاتهم يقفون عند نقطة "الحياد الإيجابي" حيال مسألة لا تحتمل هذه الميوعة السائلة في الوسط الحائر، حزبيون قدامى وجُدد من إسلاميين وقوميين وماركسيين وليبراليين عتيقيين وجُدد أيضاً، أكاديميون، ورجال صحافة، ووجوه رأي عام (هل يغثني أحد بتفسير هذا اللقب: وجهٌ عام للرأي العام!)، إلخ. كرنفال وطنيّ حافل بجميع الألوان!
لا بأس.
كلّ هذا وأقول: لا بأس وأتبعها بـ"لكن" الاستدراكية، اللئيمة في طبيعتها وغير المستسلمة في منطقها، لتكمل عني تساؤلي على النحو التالي:
ولكن: أين ستكون ميادين كلّ تلك "الأنشطة" التي ستجتاحنا؟ ما طبيعة المنابر، والموائد المستديرة والمربعة والمستطيلة حيث تتموضع الأوراق المفرودة للقراءة، والقراءات الشفوية الطالعة من أصحاب الذاكرة النشطة النابهين؟ وأخيراً: مَن هو جمهور كلّ هذا وذاك، وما جدوى كلّ هذه الجهود المضنية في إطلاق كلام – مجرد كلام -، بصرف النظر عن مستوياته ومدى علميته، وإمساكه بالحقائق كما هي في الواقع اليومي، ونجاحه في تشكيل بانوراما مقنعة لفسيفساء الفوضى، ويبقى الحال على حاله؟
علّمتنا التجارب أنّ التوصيات الناتجة عن المؤتمرات وورشات العمل والفكر، بكافة تخصصاتها، المرفوعة للجهات القادرة على تفعيلها، تظل مجرد توصيات على ورق تنتظر أحداً لا يجيء، ثم سرعان ما يطويها النسيان.
باختصار وصراحة: هل تتوفر الجدية والصرامة، لدى مَن يتحملون مسؤولية إدارة الأزمات وليس إعادة تدويرها، في التصدي الصارم للأسباب الكامنة في توليد الإرهاب والتطرف، بعيداً عن تلك الحسابات اللعينة الخالقة للتحالف غير الخفي بين السلطة المدنية والسلطة الدينية، وشراكتهما في التواطؤ على تلك الأسباب لمّا كانت تأخذ بتلابيب التعليم وبناء مناهج الكتب المدرسية، وتقود مراكبه براكبيها من أبنائنا نحو الجحيم الذي نصطلي بنيران دواعشه الآن؟
وما نفع السلطة الدينية في علاقتها بالسلطة المدنية إذا لم تكن قارعة أجراس التنبيه لخطر الفساد المستشري في الأرض من لدن رجالها؛ اللهم إلّا إذا كانت هي نفسها، برجالها، عِظام الشدّ للحم الجسد المنبطح فوقنا جميعاً.. والعياذ بالله!
* * *
التطرف، والإرهاب، والتعصّب، والعنف هي مجموعة عناوين ناتجة عن مجموعة أخرى هي: الإقصاء، والاستفراد، والفساد، والبطالة، و"التطنيش"، وانتخابات متتالية تستولد، بِعنادٍ مدروس، وجوهاً جديدة لصوتٍ قديم واحد يأبى أن يتجدد إذ ليس مؤهلاً لهذا، وغياب مشروع نهضويّ تنويريّ حقيقي وجاد على مستوى الوطن بجهاته الأربع.
أقول قولي هذا، وأعوذ بالله سبحانه وتعالى إذا ما كنت أخطأتُ، فهو خير الغافرين.
- إلياس فركوح: كاتب وروائي. حاصل على جائزتي الدولة التقديرية والتشجيعية في حقلي القصة القصيرة والرواية.