العنب والناطور والحملات الانتخابية
أرسل لي احد القراء الرسالة التالية ( قادتني الظروف لحضور جلسة ترويجية لأحد المرشحين للانتخابات القادمة، وأكثر ما لفت انتباهي في الجلسة أن معظم الحضور ابدوا استيائهم من نائب اسبق لهم، لأنه حجب الثقة في حينه عن الحكومة، فكان هذا التصرف – وفق ما قال الحضور- مؤثرا سلبيا على حصتهم من الكعكة التي اسمها وطن، وقد قام الحضور بتحذير المرشح الجديد من مغبة حجب الثقة عن الحكومة أو مناكفتها، بدوره قام المرشح بالتأكيد والتعهد بمنح الثقة للحكومة " أي حكومة" فهو يريد - كما قال- عنبا لأهله وليس مقاتلة الناطور).
القصة التي سردناها، حقيقية وتشكل نسقا وظاهرة إلى حد ما، كما وتؤكد على أن لغز العجز الديمقراطي بات مهمة مشتركة للجميع، ويتطلب تحليلا للهياكل السياسية الداخلية التي أوصلتنا إلى مشهد مشوه من العلاقة بين السلطة التنفيذية والتشريعية.
الافتراض الأكثر شيوعا عن العجز الشعبي الأردني في فهم وإقرار دور مجلس النواب الدستوري، يعود في الأساس إلى خبراتهم المتراكمة عن استحالة منع التغول الحكومي على مجلس النواب.
هذه الخبرة السلبية، جعلت الناس اقرب ما يميلوا إلى نائب مهادن يسير في ركب سياسات الحكومة ويتخلى عن دوره الرقابي والتشريعي، مقابل حصوله على مكاسب آنية وشكلية قصيرة النظر، يقدمها لناخبيه، رشوة مضمرة تضمن صمته وصمتهم عن سياسات إستراتيجية تنفرد بها الحكومة دون إزعاج فتصيب وتخطأ بلا محاسبة وبلا رقيب.
استمرار "هذا الوعي واجترار هذه الخبرة" مرشح للبقاء في الانتخابات القادمة، لا سيما مع وجود قانون انتخابات يدعم تلك المعادلة المشوهة، ويضمن ذهاب الناخبين فقط نحو عصبية القرابة أكثر من غيرها.
رغم عمق هكذا ثقافة، أفادت منها جهات وأجهزة وأشخاص، إلا أن ثمة ثقب قد يضرب تلك الكرة الصماء للتشوهات الماثلة أمامنا، فالحكومة مكشوفة ماليا واقتصاديا، وقدرتها على الرشوة السياسية تترنح، ونائب الخدمات لم يعد مفضلا لديها، وباتت تبحث عن صيغة أخرى.
رسالة القارئ التي أوردتها في بداية المقال، تلزمنا جميعا، أن نعيد النظر في خطابنا التوعوي ونضالنا السياسي، فالثمار التي عبرت عنها الرسالة، توحي بتلاشي جهود كانت قد بذلت من اجل التغيير، ومن هنا لابد من إعادة النظر وبذل الجهد والتضحية.