العلم والإيمان: خديعة الالتقاء

العلم والإيمان: خديعة الالتقاء

يصر الباحثون والدارسون والمتدينون وبخاصة من المسلمين على إيجاد علاقة مشتركة بين العلم والإيمان، بوصف كل واحد منهما يقود إلى الآخر، وقد ظهرت مؤلفات عديدة تتحدث عن هذا الموضوع، وظهرت المقولات التي تؤكد أن العلم يؤدي إلى الإيمان، وأن الدين يحث على العلم، والقرآن الكريم يدعو إلى استخدام العقل والتفكر، وأن الإيمان لا يتعارض مع العلم. وهذا يجعلنا نتساءل عن هذه الحقيقة التي يرددها الناس من دون التفكر بمفهومها ونتائجها.

 

لو عدنا إلى تعريف الإيمان لوجدنا أنه التصديق الجازم بكل ما جاء عن الله عبر الوحي وببلاغ من النبي، وأن أي شك أو تشكيك في ذلك يخرج الإنسان من دائرة الإيمان، فهو يقوم على الحقيقة المطلقة التي لا يمكن دحضها أو إبطالها، أما العلم فيقوم على الفرضية والتجريب والإثبات، وأي نظرية علمية هي محل للنقض والدحض والإبطال، فهو يقوم على الشك الدائم والسؤال المستمر. والإيمان مصدره الدين المحكوم بنص إلهي – لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- مقدس، والنقاش أو الحوار في صحته يعد من المحرمات والممنوعات، أما العلم فهو محكوم لتأملات الإنسان في الطبيعة والكون، وهو نظر اجتهادي قد يكون خاطئاً ومتغيراً أيضاً.

 

والإيمان حقائق ثابتة لا يسري عليها قانون الزمن، ولا تحتكم لقوانين النقص والتغير باختلاف الزمان والإنسان، أما العلم فهو منتج إنساني، محكوم كما الإنسان لقوانين الزمان ومعطيات الواقع وقوانين النقص والتغير، وهناك فرق بين الإلهي والإنساني (المقدس – المدنس)، والإيمان الذي مرجعه الدين هو مقولات ثابتة لا يعتريها النقص ولا يحوزها المكان ولا يجوزها الزمان، فهي محكومة لنص محكم لا يحق لنا إلا تصديقه حتى لو تعارض مع المنطق والعقل، إذ يحكم حينئذ على العقل بأنه قاصر عن إدراك حكمة الخالق في فروضه وواجباته، فالنتيجة محسومة لصالح الحكم الإلهي مهما كانت قناعات العقل الإنساني بها قوية، أما العلم فهو خاضع للمساءلة والترجيح والمراجعة والتصحيح. كما أن الدين مكانه القلب الذي هو محل التصديق، أما العلم فمكانه العقل الذي هو محل الشك والبحث الدائمين.

 

ولو تتبعنا الفروق بين الإيمان والعلم لوجدناها كثيرة وكبيرة تجعل من غير الممكن التقاؤهما، وهذا يقودنا إلى السؤال عن أهمية الوصل أو الفصل بينهما، إذ يبدو أن المسلمين يصرون على الربط بينهما ظناً منهم أن تثبيت الإيمان في نفوس الناس قد يكون أفضل حين يكون العلم دليلاً عليه، وهذا باعتقادي هو المشكلة التي يعاني منها الإيمان وكذلك العلم، إذ إن الربط بينهما يؤدي إلى إنتاج عمليات كثيرة من الخداع العقلي نمارسها للتوفيق بين متناقضين، مما يؤدي إلى فقدان كثير من التفكير العلمي المجرد الذي يقود إلى اكتشافات علمية، أو إلى تعلم التفكير العلمي  بعيدا عن التأثيرات الغيبية التي تقف حاجزاً أمام العقل نحو التفكير العقلاني المحض.

 

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن أي دعوة للفصل بين العلم والدين تقابل على أنها دعوة مشبوهة، وهي جزء من المؤامرة على الإسلام وأصحابه، مما يجعل الخوض فيها من الخطوط الحمراء حتى عند المقتنعين بالاختلاف بينهما، ولذا فإن توضيح هذه المسألة هو من ضرورات التقدم في العلم والدين أيضاً، ولا تتعارض مثل هذه المقولات مع الدين، لأن الدين حالة إنسانية متجذرة في وجدان الإنسان ولا يمكن نزعها منه، وهو يبحث دوما عن تفسيرات لما لا يستطيع عقله استيعابه، وقد قرأت قصة عن أحد علماء الهند، حيث كان يغتسل في نهر (الغانج)، وهو نهر مقدس عند الهنود، لكنه يعاني من التلوث الشديد أيضاً، وعندما سأله أحدهم: كيف تغتسل بهذا النهر وأنت تعرف أنه ملوث؟ أجاب بكل بساطة: إنه مقدس دينياً لكنه ملوث علمياً. وهذه الإجابة البسيطة تدل بوضوح على أنه يفرق تماماً بين العلم والدين في المنهج والعقل وطريقة التفكير، أما نحن فإننا نريد أن نجعل كل مقدس في الدين مقدسا في العلم، ولذا فإننا سنشرب ماء ملوثاً؛ لأن عقولنا لا تفرق بين الدين والعلم.

 

إننا اليوم بحاجة لأن نبني تفكيرنا بناء جديداً يقوم على الفصل بين العلم والإيمان، ليبقى كل منهما قادرا على الاستمرار في طريقه من دون أن نخلق تشابكاً فكرياً يجعلنا غير قادرين على النجاح لا في طريق الدين ولا في طريق العلم.

 

يوسف ربابعة: كاتب وباحث ورئيس قسمي اللغة العربية والصحافة في جامعة فيلادلفيا. له مجموعة أبحاث في مجال التعليم والفكر والسياسة، ومنها: تجديد الفكر الديني، الشعر والقرآن.

أضف تعليقك