افرد رئيس الوزراء, في كلمته امام النواب, يوم الخميس الماضي, فقرتين طويلتين عن الاعلام معلنا ان حكومته "ستدرس بالتعاون مع مجلس النواب جميع التشريعات الناظمة للعمل الاعلامي. من اجل تقوية العمل الاعلامي الحر والمحترف والمستقل".
مثل هذه التشريعات لم تأت حكومة الا وتحدثت عنها, وبالخبرة الميدانية, فان الغرض كان دائما وابدا كيفية خنق الاعلام الحر والمحترف. مع ذلك نأمل ان يتم ذلك بالشكل الصحيح. وان يتضمن تعديل التشريعات مطالب قديمة للصحافيين في مقدمتها ان ترفع الحكومات يدها عن الصحف اليومية الكبرى حيث تقوم بتغيير مجالس الادارة والتحرير كما تشاء وفي اي وقت من خلال اسهم الضمان الاجتماعي.
نؤيد ما جاء في المدونة من وقف توظيف الصحافيين في مؤسسات الدولة, "وبان ذلك اعتداء ترفضه كل المعايير المهنية والدولية على استقلالية وسائل الاعلام" كما قال الرئيس. لكن بشرط ان لا يكون هذا الموقف انتقائيا, فماذا تسمي الحكومة تعيين بعض الصحافيين في الوظائف العليا وهم على رأس اعمالهم, وبعضهم يعود فيما بعد لقيادة صحف ومؤسسات اعلامية, اليس هذا "ترويج" لما يمكن ان يحصل عليه الصحافي كمكافأة من الحكومات اذا كانت راضية عنه? وفيه رسالة تحذير لمن تغضب الحكومات عليه?
نؤيد ما ورد في خطاب الرئيس من وقف اهدار المال العام في الاشتراك والاعلان في صحف لا تُطْبع ووسائل اعلام لا انتشار لها, لكن وبما ان مسألة الاشتراك والاعلان, قد طبقت على الصحف اليومية الكبرى التي اريد لها ان تتحمل وزر "اعطيات وهدر في المال العام, مارسه مسؤولون وكانت نعمته ظاهرة على صحف وصحافيين مجهولين. فان هذا يتطلب التزامات على الحكومة هي:-
- ان تدفع ثمن إعلاناتها في الصحف اليومية بسعر الاعلان في السوق وان يتوقف هذا (الغبن) المفروض على هذه الصحف منذ 40 عاما عندما كان يُنظر للصحافة بأنها مؤسسات تابعة للقطاع العام.
- ان تتوقف (الضغوطات) المباشرة وغير المباشرة على الصحف كي تلتزم بالخبر الرسمي للنشاط الحكومي. واذا ما خرجت صحيفة ما عن التقليد, إمّا ان يطير رئيس التحرير او ان تُلْصَق به تُهَم عدم الانتماء والولاء.
لقد واجه الاعلام في عهد هذه الحكومة حالة من التراجع غير مسبوقة (شاهِدوا التلفزيون الرسمي وما حل به). وواجهت الصحف علاقة غامضة مع الحكومة جعلت معظم الكتاب والصحافيين (الجريئين والمبدعين) يهاجرون الى المواقع الالكترونية بحثا عن متنفس بعد ان ضاقت بهم صحفهم. وكل هذا يأتي وسط (حالة انكار) حكومية من انها تمارس ضغوطا لكبح الحرية الصحافية. حتى وقعنا في حيرة من هذا العدو (المجهول) لحرية الصحف والصحافيين.
اذهب الى ابعد مدى في تأييد "مدونة السلوك" للحفاظ على ما يقال "حرية واستقلالية الاعلام" لكن للعلاقة بين الحكومة والصحافة وجه آخر لم تأت على ذكره المدونة, وجه جعل الصحافة ووسائل الاعلام في نظر اي مراقب محايد وكأنها جزء من القطاع العام. بل وكأنها صحف تحاكي في العلاقة مع الدولة, ما كان عليه وضع الاعلام في الانظمة الشمولية الغابرة في اوروبا الشرقية.
احد مظاهر هذه العلاقة المناقضة (للمعايير الدولية) التي تؤمن بها الحكومة, هي ما عليه حال الصفحة الاولى في الصحف اليومية. وهذا الكم الكبير من الصفحات التي تغطي تصريحات ونشاطات المسؤولين, فالصحافة والصحافيون محشورون في مناخ لا يسمح بوضع (مانشيت) مهني, واذا ما ابرزت صحيفة قضية تهم الرأي العام وصفت بانها (صفراء) او صحافة الـ (007). اضافة الى التلميح والتصريح, بان من يفعل ذلك ضعيف الولاء والانتماء!!.
حرية العناوين, والمنافسة في نشر الاخبار هي ابسط (المعايير العالمية) للصحافة الحرة المستقلة التي ادعو اسرة الصحافة والصحف الى التمسك بها بمواجهة ما تقوله الحكومة عن (المعايير العالمية) للمدونة الحكومية, فاذا كان هناك من تشريعات (مطلوبة) ستطرح على مجلس النواب فهي التي يفترض ان تتوافق مع هذه المعايير, بحيث يكون الاعلام اعلام دولة ووطن وليس اعلام حكومات, التي ما ان ترحل احداها حتى تذم سابقتها.
العرب اليوم