الدائرة الفرعية ولعبة الغُمّيِضَة
انتهى الفصل الاول من العملية الانتخابية وهي مرحلة الترشح. هنا لا بد من التوقف امام ما حدث, لانه جديد, ويتعلق بأحد التعديلات المهمة التي أُدخلت على قانون الانتخابات وهي الدوائر الوهمية (الفرعية).
المرشحون دخلوا في (لعبة غُمّيضة), وباستثناءات محددة في عدد من الدوائر, فان المرشح يختار دائرته الفرعية (الاولى, او الثانية, او الثالثة .. الخ) بناء على حسابات وتكهنات. وقد وجد عدد كبير من المرشحين انه من سوء الطالع وجودهم في دوائر مع مرشحين اقوى منهم, كما هو من حسن الطالع لمرشحين آخرين ان وجدوا انفسهم مع مرشحين (متواضعين في الحصول على الاصوات).
من نتائج هذه الحالة التي يفرضها موضوع السّرية عند التسجيل انه في حالة اجتمع متنافسان قويان في دائرة فرعية واحدة, فان احدهما سيفوز ولو بفارق صوت واحد, فيما الخاسر سيجد ان منافسا آخر في دائرة فرعية اخرى في نفس دائرته الانتخابية قد فاز بمقعد نيابي رغم انه حصد عددا اقل بكثير او قليل, مما حصد هو.
في جميع الدول الديمقراطية يطلقون على انتخابات المجالس النيابية وصف (المعركة الانتخابية). وهي بالفعل لن تكون ديمقراطية ان لم تكن معركة حامية يدخل فيها المرشحون, سواء كانوا احزابا أم اشخاصا, في مواجهات (سلمية بالطبع) من اجل الفوز بعقول الناخبين وقلوبهم. ان الحماس هو طابع الانتخابات عند المرشح وعند الناخب, واذا افْتُقد الحماس سيطر الهدوء وفترت الهمم وقل اقبال المواطنين على صناديق الاقتراع.
في ظل غياب معارك تنافسية حقيقية بسبب ضعف الاحزاب وغياب البرامج مع غياب المظلة القانونية التي تسمح ببناء كتل حزبية متنافسة فان طابع الانتخابات في بلدنا يقوم على المنافسات الشخصية التي يُفترض ان يتنافس فيها المتنافسون في الدائرة الواحدة على قاعدة المساواة والعدالة. غير ان السرية التي فرضت على اختيارات المرشحين للدائرة الفرعية تناقض مفاهيم العدالة والمساواة في الفرص. والجديد ايضاً انها غذّت سوق الشائعات خلال الايام الثلاثة الاخيرة حول قدرة مرشحين دون سواهم في معرفة ما اختاره خصومهم من دوائر فرعية للابتعاد عن هذه الدائرة او تلك.
منذ ان صدر قانون الصوت الواحد عام 1993 تراكمت ثقافة تجربة طويلة خلال العقدين الماضيين, بعضها اصبح محل اجماع في اوساط الرأي العام الاردني, مثل عدم الثقة باجراء انتخابات بدون تدخلات رسمية وباشكال مختلفة, حكايات يرويها البعض كتجربة شخصية موثقة, وآخرون يحيكونها من وحي الخيال القائم على عدم الايمان بنزاهة الانتخابات, وبالطبع سيؤدي الخطأ في اختيار الدائرة الفرعية, الى ظهور صف طويل من المرشحين الخاسرين الذين سيقولون للناس. (نحن حصلنا على اصوات, وفي الدائرة نفسها اكثر بكثير مما حصل عليه بعض النواب الفائزين). ومن زاوية المنطق يحق لهؤلاء ان يتساءلوا: أليس هم الأحق بتمثيل مواطني الدائرة لان نسبة مَنْ فوضوهم واختاروهم هي الاعلى! هنا العدالة والمساواة ستكون موضع شك.
باختصار سريّة التسجيل في الدوائر الفرعية الى جانب وجود الدائرة الفرعية او الوهمية كشف عن خلل كبير وغير ديمقراطي في القانون المؤقت الجديد لانها اوقعت عددا كبيرا من المرشحين في مصيدة سوء الاختيار وساعدت اكثر على التفتيت وعدم المساواة.
العرب اليوم