للمرة الرابعة خلال شهر يخرج الاف الاردنيين, بعد صلاة الجمعة, للمطالبة برحيل حكومة سمير الرفاعي. وللمرة الرابعة ايضا تتصرف قوى الامن باسلوب حضاري مع المواطنين خلال المسيرات مما يضفي عليها طابعا سلميا. وهذا يسجل للدولة واجهزتها التي من الواضح ان هناك قرارا من اعلى المستويات بالسماح للناس بحرية التظاهر والتعبير. كما ان الاردنيين يثبتون مجددا ان العنف ليس خيارا لأحد, فالوطن للجميع والنظام الهاشمي لا جدل حوله.
غير ان النجاح في احتواء غضب المتظاهرين الذين يزداد حجمهم في كل جمعة, وتتسع شوارع الاحتجاج امامهم في مدن وبلدات جديدة, ليس حلاً, صحيح ان هذه المسيرات سلمية لكن كرة الثلج تزداد, ومن الافضل للوطن والنظام ان تصل القضية الى حلول نهائية وحاسمة تنهي هذا الوضع بحيث لا تعود حاجة للمواطن ان يخرج في مسيرة ويهتف بشعارات تُفهم على الساحة الدولية بما فُهمت به الاوضاع في تونس ومصر, ولا حاجة للامن لكي يكون في حالة تعبئة دائمة في نهاية كل اسبوع وسط مخاوف تتجمع عشية كل جمعة من خشية اندلاع اعمال عنف اثناء المسيرات قد لا تُعرف مصادرها وهنا تكون الطامّة الكبرى.
لقد قام جلالة الملك خلال الاسبوعين الاخيرين بسلسلة لقاءات في القصر الملكي العامر مع فعاليات وشخصيات من داخل البرلمان وخارجه للاستماع الى وجهات نظرهم في الاوضاع الداخلية, قليل جدا من التغطيات الاخبارية عن ما تم تداوله وطرحه في هذه اللقاءات في وسائل الاعلام الرسمية والصحف... الرسميون يصرون على ان هذه اللقاءات (اعتيادية) في اطار قيام الملك بين حين وآخر بلقاء عدد من ممثلي التيارات الشعبية, لكن بعد ما تسرب عنها ممن يحضرون هذه اللقاءات يمكن القول, بانها ليست اعتيادية, ولا روتينية, انما تنصب على الاوضاع التي تدفع بخروج المسيرات كل جمعة مطالبة برحيل الحكومة واجراء اصلاحات سياسية عميقة, واذا كانت الاراء التي تنقلها الشخصيات التي تلتقي جلالته, ومعظمها من صلب الحكومات واجهزة الدولة, اضافة الى اعيان ونواب, هي مطابقة تقريبا للشعارات التي ترفع في المسيرات فان حالة من الاجماع تتشكل امام صاحب القرار تجعل من رحيل الحكومة واستقالتها امرا ملحا.
مرة اخرى, الاوضاع في الاردن لا تشابه ما كانت عليه في تونس او ما هي عليه في مصر وحتى اليمن, هناك في تلك البلدان سقف مطالب يبدأ برحيل رئيس الدولة, في الاردن لن يحدث هذا, فما يريده المواطنون الذين يخرجون للشوارع هو رحيل الحكومة, وحان لها ان ترحل في اسرع وقت لانها اصبحت عبئا على البلد والنظام وعبئا ثقيلا على الشعب.
الحل بسيط في الاردن لامتصاص الغضب وحالة الاحتقان والطريق اليه مفتوح وسهل, وهو اسهل بكثير من تكلفة اشغال الدولة واجهزتها ورأيها العام كل يوم خميس لمعرفة ما سيجري في الجمعة التالية, وهو اكثر فاعلية وحيوية لاشاعة الاطمئنان والراحة في نفوس الاردنيين وهم يراقبون باهتمام شديد ما يجري في مصر, قلقون من ان يصبح العنف في الشوارع مدخلا وحيدا للتغيير والاصلاح خاصة وان من يفجر المظاهرات شباب لا عناوين سياسية او حزبية او برلمانية لهم للتحاور معهم. ان الحكم الديمقراطي المستنير هو الذي يستجيب لارادة الشعب ومطالبه وهذا ليس انتقاصا من هيبة الحكم والنظام, انما رمز لشرعيته التي هي في الاساس »الشعب مصدر السلطات«.
لقد انقضت المرحلة التي كان فيها السياسيون يعتقدون بان الاستجابة لمطالب الناس وشعاراتهم في الشوارع تؤدي الى فوضى وانهيارات, الزمن والظروف اختلفتا, وعلى العكس مثل هذه الاستجابة المبكرة اصبحت دليلا على حيوية وديمقراطية اي نظام, بحيث لا ننسى ان حكومات العالم الحر تتغير خلال يوم واحد, بعد ظهور نتائج الانتخابات العامة.
الناس يريدون رحيل الحكومة, ويريدون اصلاحات سياسية حقيقية وجذرية, يتطابق فيها القول بالفعل وان تتعامل الحكومات مع توجيهات الملك لها وللدولة كخطط يومية للتنفيذ وليس كمجرد شعارات تختبئ الحكومات خلفها لتسير في اتجاه معاكس. ذلك ان المطلوب بالنهاية ليس حكومة جديدة فقط انما حكومة بشخصيات ونهج مختلفين.
العرب اليوم