التنوير بحاجة إلى حرية
سعدت بقراءة خبر حول توقيع اتفاق بين الجامعة الأردنية و"رابطة علماء الأردن" لإقامة مشروع بعنوان "تنوير". بموجب الاتفاق الذي وقّعه عن الجامعة رئيسها عزمي محافظة وعن الرابطة رئيسها عبد الرحمن الكيلاني، يتولّى الطرفان إقامة وتنظيم المؤتمرات العلمية والندوات، فيما توفّر الجامعة الخبرات العلمية والفكرية لرفد الرابطة وأنشطتها، إلى جانب تأمين المدرّجات والقاعات التدريسية لإقامة الفعاليات.
إدخال مبدأ التنوير في جامعاتنا أمرٌ مهم ويجب دعمه وتطويره، لكن يبدو أن هناك ضرورة لخلق بيئة حاضنة للتنوير قبل الشروع في عقد ندوات ومؤتمرات علمية وفكرية.
أول سؤال يخطر على البال هو: ماذا سيكون المضمون التنويري للمحاضرات والمؤتمرات، وهل الأطراف التي تبنّت هذا المشروع هي نفسها متنوّرة حتى تستطيع أن توفّر مشاركين ومضموناً تنويرياً حقاً؟ فجامعاتنا ألغت تخصّص الفلسفة خوفاً من الإرهاب الفكري الصادر من جهات تتخذ تفسيرها المشوّه للدين كأساس لمنع تدريس الفلسفة.
هل تسمح الجامعة الاردنية بمحاضرات تشكّك بروايات فكرية ودينية عفا عليها الزمن؟ وهل ستُناقش فكرة فصل الدين عن الدولة، والدولة المدنية بمفهومها الصحيح وليس المشوّه من قبل بعض الحركات الإسلامية، وهل ستبحث الجامعة الأردنية ورابطة العلماء مبدأ المواطنة الحقيقية الخالية من أي تمييز إقليمي أو ديني؟ هل من الممكن أن نسمع وجهة نظر رجل دين شيعي؟ أو شخصاً من أتباع الديانة البهائية أو أحد المنتمين إلى الطوائف المسيحية غير المعترف بها؟ هل من الممكن أن نسمع شرحاً مفصّلاً عن العلمانية؟ وهل سيُسمح لمفكر انتقاد الاتجاهات الإسلامية المختلفة؟ هل سنستمع إلى محاضرة تشمل انتقادات للفكر الوهابي أم أن هناك تابوهات وممنوعات ستستمر رغم إقرار مشروع يحمل اسم التنوير؟
هل سيتم الحديث بانفتاح وحرية عن وضع المراة، وعن حقوقها المسلوبة في الميراث وفي حقوق المواطنة والتمييز الممنهج ضدّها؟ هل سيتمّ دعوة كتّاب وباحثين وصحافيين من أمثال: حسني عايش وزليخة أبو ريشة وباسل رفايعة وذوقان عبيدات ومهند العزة وسائد كراجة وإلياس فركوح وسمر دودين ويوسف ربابعة ومحمود منير وغيرهم؟
وفي المجال السياسي، هل سيتيح القائمون على مشروع التنوير لرؤساء الأحزاب المرخّصة في الأردن فرصة الحديث عن برامجهم؟ وسنشهد محاضرة لزكي بن رشيد من الحركة الإسلامية مثلاً، أو خالد رمضان النائب عن "قائمة معاً"؟
وبعد الاستماع لمحاضرات فكرية تنويرية وتحليلات سياسية منطقية، يبدو ضرورياً الإجابة عن سؤال بديهي: ما هو مصير طلاّبنا وطالباتنا بعد ذلك؟ هل ستتاح لهم فرصة لممارسة الأفكار الجديدة وتحويلها إلى نشاط اجتماعي أو فكري وبلا شك سياسي؟
هل تسمح جامعاتنا ومنها صاحبة المشروع التنويري هذا -الجامعة الاردنية- بالعمل السياسي داخل الحرم الجامعي، فالجامعات في كافة الدول المتقدّمة تعتبر الشباب الجامعي الهدف الأساس لإدماجهم في الأحزاب والتيارات السياسية المعاصرة، حيث حق التصويت يبدأ في سن الثامنة عشرة فإن المقترعين لأوّل مرّة هم طلاب الجامعات، فهل يشمل مشروع التنوير فتح باب النشاط السياسي داخل الجامعات؟
سعي الجامعة الأردنية إلى تنوير طلاّبها مشروع طموح، لكنه بحاجة إلى فلسفة تنويرية وقرار سياسي وجرأة في طرح المواضيع الحساسة من قبل محاضرين متنوّرين فعلاً، ومن ثم فتح المجال والحرية للطلاب لممارسة وتطبيق تلك الأفكار التنويرية كما يريدون من دون قيود أو منع.
داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.