التلفزيون الرسمي إعلام دولة أم إعلام حكومة؟

التلفزيون الرسمي إعلام دولة أم إعلام حكومة؟
الرابط المختصر

قرار مفاجئ صادر عن حكومة عبد الله النسور بالسماح لمحرري ومعدي الأخبار في التلفزيون الأردني بتجاوز الأخبار البروتكولية، وإعطاء الأولوية للخبر المهم سواء كان عربياً أو حتى دولياً.

 

القرار في غاية الأهمية ولكنه يتضمن مشكلة بنيوية، وهي أن من يقرر ترتيب الأخبار ويسمح بتجاوز أخبار البروتكول هو الحكومة وليس المحررون أو رئيس التحرير أو مدير التلفزيون أو حتى المدير العام للإذاعة والتلفزيون.

 

خلال لقاء في مقر اليونيسكو، أوضح مدير التلفزيون محمد الطراونة أن ما حدث جاء كمبادرة من التلفزيون، مؤكداً أن القرار صدر عن رئيس الوزراء، بحضور مندوب عن الديوان ومندوب عن دائرة المخابرات ووزير الدولة لشؤون الإعلام محمد المومني.

 

يصعب على العديد من المسؤولين وحتى المواطنين فهم الاختلاف الجوهري بين تلفزيون حكومي وتلفزيون دولة؛ فالحكومة، أي السلطة التنفيذية، هي جزء من الدولة والتي تشمل أيضا السلطة التشريعية (لا يوجد لها مكان متقدم في ترتيب الأخبار) والسلطة القضائية والمجتمع المدني والأحزاب السياسية والمواطنين.

 

وقد يكون من السهل توضيح الأمر من خلال الميزانية التي تُسير التلفزيون والإذاعة العامة؛ فميزانية التلفزيون تأتي من قبل دافعي الضريبة، حيث يتم جباية دينار للتلفزيون مع كل فاتورة كهرباء كل شهر من كل منزل ومنشأة. لا يوجد وضوح حول مجموع قيمة رسوم التلفزيون، ولكن البعض يقول أنها تتراوح من 12-15 مليون دينار سنوياً.

 

ميزانية التلفزيون والإذاعة الأردنية، كما جاء في قانون الموازنة العامة، تكلف الدولة 30 مليون دينار، يضاف إليها ما يقارب 5 ملايين دينار من دخل الإعلانات والرعايات. المعايير الدولية والعالمية تمنع الإعلام الرسمي من الحصول على أي دخل إعلاني حتى لا يكون مجبراً على التماهي مع رغبات المعلنين، وبذلك يخفض من مستوى المضمون على الشاشة أو الإذاعة.

 

المشكلة طبعاً تنعكس بصورة سلبية جداً على التلفزيون في شهر رمضان المبارك؛ حيث يحاول القائمون على التلفزيون الأردني جلب أكبر دخل إعلاني، من خلال برامج ترفيهية بحتة تركز على الإثارة بدلاً من تركيزها على نوع المضمون.

 

قد يقول البعض أن التلفزيون الرسمي هو ملك الحكومة ويمثلها ويعرض مواقفها لأن الأطراف الأخرى لها وسائلها الإعلامية، ولكن الحكومة "الرشيدة" في أي بلد لا تحتاج إلى بوق إعلامي دعائي، بل إلى العمل لخدمة المواطنين وتنفيذ برامج وأنظمة، في حين إن دور الإعلام بما في ذلك الإعلام الرسمي هو أن يكون السلطة الرابعة التي تنقل أخبار الحكومة إن كان لها قيمة إخبارية، دون أن يكون ذلك على حساب دورها كرقيب على الحكومة والسلطة التنفيذية، وإلا فسنكون أمام مطب السلطة الواحدة الشمولية.

 

إن وجود تلفزيون وإذاعة عامة في أي بلد أمر ضروري وحيوي ومهم لتوفير المعلومة الصادقة والتعبير عن رغبات وطموحات الشعب (وليس فقط الحكومة) من خلال فريق عمل مهني مدرب، يوفر للجمهور مصداقية وتعددية تلبي مختلف توجهاته السياسية والفكرية والدينية والاجتماعية.

 

في أول أيام تطبيق قرار الحكومة بوقف الأخبار البروتكولية، نقل محررو الأخبار على شاشة التلفزيون الأردني في نشرة الثامنة وبعد خطاب الملك تصريحاً مهماً لرئيس الوزراء حول المشكلة داخل جماعة الإخوان المسلمين. والتصريح المنقول عن الدكتور عبد الله النسور في البرلمان برأ الحكومة من أي مسؤولية للخلاف داخل الجماعة، ولكن النشرة لم تقم بعد ذلك بنقل رأي ممثلي طرفي الخلاف في الجماعة، أو حتى ما قيل تحت قبة البرلمان في نفس الجلسة.

 

لا شك أن قرار التلفزيون الأردني إعطاء الجمهور حقه في متابعة الأخبار حسب أهميتها وقيمتها الإخبارية، قرار جريء ومهم، ولكن صدوره من قبل الحكومة والتي وضعت نفسها كمرجعية أولى لتلفزيون الدولة أمرٌ يعطل إمكانية تطور الإعلام الرسمي من إعلام حكومة إلى إعلام دولة.

 داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي

أضف تعليقك