التطنيش
أصبح التواصل الإنساني والرسمي عبر الهواتف الخليوية مفتوحاً للجميع. ومع توّسع مشاركة البعض بأرقام الهواتف فإن عمليات الاتصال في الوقت المناسب وغير المناسب أصبحت كثيرة، ويتواصل البعض لأمور غير مهمة في ساعات متأخرة أو مبكرة من دون الاهتمام بطبيعة الناس وحاجاتهم اليومية.
مع ازدياد العمل والأشغال، وفي نفس الوقت زيادة المكالمات غير المهمة وغير الضرورية أصبحت فكرة عدم الرد أو "التطنيش" طبيعياً لا يقف المرء عندها مدة طويلة. وكما يقول بعضهم إن كان الأمر مهماً فإن المتصل سيعاود الاتصال.
وبوجود تطبيقات مثل truecaller أصبح بإمكان مستخدم التلفون معرفة هوية المتصل، وبذلك أصبحت إمكانية فلترة المكالمات وترتيب أولويات الرد عليها أمراً ممكناً.
لكن رغم سوء استخدام البعض لآداب التواصل إلا أن النتيجة المحزنة تتمثل، اليوم، بازدياد مفرط وغير منطقي لحجم "التطنيش" الذي يمارسه البعض من دون إبداء أي اهتمام، حيث يتم جمع العاطل بالجيد ورفض الإجابة على مكالمات مهمة وغير مهمة مما يعيق الأعمال والمسائل الضرورية بسبب سياسات التطنيش واسعة الانتشار.
ما يزعج في موضوع غياب تفاهم متفق عليه في مجال الاتصال هو عدم وجود سياسة ترك رسائل صوتية والرد عليها. فمن المفهوم لمن هم في مواقع حساسة وهامة أنهم لا يستطيعون الإجابة فوراً على كل مكالمة. ولكن السؤال المحيّر لماذا لا تتم إعادة الاتصال بالشخص المتصل بعد الانتهاء من الظرف القاهر الذي منع الإجابة؟ أما فكرة ترك رسالة صوتية أو نصية توّضح سبب الاتصال فنادراً ما نسمع أن أحداً استفاد من هذه التقنية ربما لمعرفته المسبقة أنها لن تفيد شيئأ.
خلال السنوات الخمس عشرة الماضية تركتُ رسائل صوتية للعديد من الأشخاص والمسؤولين الذين اتصلتُ بهم، والغريب أن من ردّوا عليها لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة. أذكر أنني تركتُ رسالة لسفير دولة أجنبية وأخرى لمسؤول في الديوان الملكي وقاموا بالرد عليّ بعد فترة في حين عشرات بل مئات الرسائل لأشخاص في مستويات مختلفة تم تطنيشها وكأن أصحابها لم يسمعوها.
هناك أسباب كثيرة لـ "التطنيش" لكن ذلك لا يبررها. فالرد على مكالمة أو إعادة الرد عليها فيما بعد أمر مهم. مهما كان الوضع صعباً فإن مبادرة الاتصال ينتج عنها هدوء من الطرف الآخر ويجنّب الطرفين الانزعاج من العواقب السلبية للتطنيش.
مع التطور السريع لوسائل الاتصال ودخول الفيسبوك والرسائل النصية وغيرها إلى كل لاب توب وتلفون خليوي، وضرورة التواصل اليومي هناك حاجة ماسّة إلى بروتوكول وثقافة جديدة مبنية على احترام خصوصية الإنسان وفي نفس الوقت إلى التزامٍ من الجميع بالرد ولو لثوانٍ وحتى بعد ساعات وعدم الاكتفاء بالعادة السيئة المتمثلة بـ "التطنيش".
داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.