التصنيفات السياسية والإقليمية في السفارة الأميركية
تثير المجموعة الأخيرة من البرقيات الصادرة عن السفارة الأميركية في عمان والمنشورة على موقع ويكيليكس ، الكثير من القلق ، فهي تعكس هاجسا حقيقيا لدى السفارة بالأصول والمنابت في الأردن ، وبربط معظم المستجدات السياسية والتشريعية بخلفية تتعلق بجدل الهوية في الأردن.
لقد تم نشر 8 برقيات حتى الآن على الموقع من أصل 4300 برقية صادرة من السفارة الأميركية في عمان من المتوقع أن يتم الكشف عنها خلال الأسابيع والأشهر القادمة ، ويمكن القول بأن 5 من هذه البرقيات تتعلق بموضوع الهوية.
الملاحظة الأكثر اثارة للانزعاج مفادها أن البرقية التي جاءت وصفا للوزراء في حكومة معروف البخيت عام 2007 تبدأ بوصف الوزير بأنه من أصول "شرق أردنية" أو "فلسطينية" قبل أن تتحدث عن خبراته الأكاديمية والعملية وأحيانا بعض التقييم المستمد من رؤية السفارة لهذا الوزير سواء ايجابا أو سلبا. واذا كان من المنطقي أن تقوم البعثات الدبلوماسية بتقديم "بروفايل" للوزراء فما ليس منطقيا هو تحديد أصولهم بهذه الطريقة واعتبارها مقياس التقييم الأول وحتى قبل الخبرات العملية.
في دولة تحاول جاهدة تعزيز أطر المواطنة وسيادة القانون والمساواة نجد أنه من غير المقبول قيام بعثات دبلوماسية بالتركيز على التصنيف الاقليمي للمسؤولين أو التركيز على الأبعاد الاقليمية للمستجدات السياسية وكأنها هي العنصر الوحيد لفهم كيفية ادارة وتطور السياسة في الأردن. من المفروض أن تقوم مثل هذه الدول والتي بنيت على اسس المساواة في القانون وأسس الديمقراطية والتعددية الاثنية والعرقية بدعم هذا النموذج في الأردن بدلا من تعزيز الصورة النمطية للهوية الاقليمية.
الكثير من اللوم يقع على عاتق "المستشارين" سواء الرسميون أو "المتطوعون" الذين يقدمون المعلومات للسفارة الأميركية. أحد هؤلاء ، وهو كاتب معروف بتوجه انقسامي وسبق وكتب مقالات في صحف اسرائيلية تصف الأردن بأنه يمارس "الفصل العنصري" اعترف وفي سياق من المفاخرة على احدى القنوات الفضائية بأنه صديق للسفير الأميركي السابق وهو الذي "نبه" السفارة الى الشعارات والهتافات الاقليمية في مباريات الفيصلي والوحدات والتي نشرها الويكيليكس قبل ايام من المباراة الأخيرة التي شهدت أحداثا مؤسفة تم تضخيمها بفعل تصريحات غير مسؤولة. ومثل هؤلاء هم الذين يعززون من توجه السفارة الأميركية لتصنيف الناس حسب الهوية الاقليمية ولا بد من أن تكون هنالك مسؤولية عالية لدى النخب السياسية في الأردن لتعزيز مفاهيم المواطنة وليس تقويضها بهذه الطريقة.
لا يمكن أن نتجاهل حقيقة وجود غموض سياسي في القضايا المتعلقة بالهوية المدنية ومفهوم المواطنة والتي ترتبط بشكل رئيسي بالتقدم نحو حل مستدام للقضية الفلسطينية يضمن انشاء دولة فلسطينية مستقلة والتي تمثل مصلحة استراتيجية أردنية ، والمنتظر أردنيا من دولة كبرى مثل الولايات المتحدة تسعى للعب دور "الوسيط النزيه" في مفاوضات السلام أن تعزز من دعم السياسة الأردنية الرامية لتحقيق حل الدولتين وليس العمل على اثارة التصنيفات الاقليمية داخل المجتمع الأردني. مثل هذا التوجه لا يمكن النظر اليه بأنه مجرد "سوء تقدير وتقييم" من الدبلوماسيين الأميركيين والمقربين منهم من بعض الشخصيات الأردنية التي تقدم النصح للسفارة ، بل أنه قد يرقى الى مستوى العمل المنهجي لتضخيم حالات محدودة من غموض الهوية ونقلها الى مستوى سياسي أعلى قد يخدم الأهداف الاستراتيجية الاسرائيلية في تصفية القضية الفلسطينية.
الدستور