الاعلام والقيم : سؤال الوقت
هل القيم نسبية أم مطلقة؟ ثابتة أم متطورة؟ نتاج عمليات عقلية أم تعاطف وجداني؟ والإجابة من وجهة نظر إسلامية أن القيم -كمعايير- ثابتة في الأصل، ولا سيما إذا كان لها ضابط من حلال أو حرام، فالإيمان بالله تعالى وبر الوالدين والصدق والأمانة، قيم عُليا ثابتة لا تختلف باختلاف العصور والأفراد والبلدان، إنما يقدم بعضها على بعض عند التزاحم، لكن هل يعني ذلك أنه لا أثر للنسبية في القيم؟ كلا -بالطبع- فأثرها موجود، وهو واضح في التجليات المتبادلة للقيم، والذي يرتبط بعادات الناس في الطعام واللباس والخطبة والزواج.
أما على صعيد التطور والثبات فهنالك تبادل في التأثير بين القيم والسلوك، حيث تحكم على القيمة أحياناً بناءً على السلوك، وتحتاج أحياناً إلى تغيير الأدوات لتصحيح الحكم (باستخدام الحكمة مثلاً)، خذ مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كقيمة، هل يمكن لمن يصيبه أذىً من وراء النهوض بهذه القيمة أن يقول بأنها غير نافعة أو صحيحة، وبأنها بحاجة إلى تغيير أو تطوير؟ المشكلة هنا -طبعاً- ليست في ذات القيمة وصحتها وإنما في ضعف الفرد أو عدم قدرته على القيام بها.
يمكن أيضاً أن نقول بأن القيم الكبرى جاءت بها الأديان، وهي ثابتة ولا خلاف عليها، وأن القيم الصغرى جاءت بها التجربة الإنسانية وهي قابلة للتغيير، كما يمكن أن نقول أيضاً معيارية القيم السماوية قطعية، ومعيارية القيم البشرية نسبية تبعاً لطبيعة الإنسان وقابليته للخطأ والصواب، ويمكن أن نضيف -هنا- بأن القيم من منظور إسلامي أوسع وأشمل من الأخلاق، لأن هنالك قيماً فطرية يشترك فيها كل البشر (القيم التراحمية من أبوة وأمومة..)، وقيماً مرجعية لا يختلفون حولها (الحق والعدل والشعور بالحرية والكرامة)، وقيماً غريزية جاء الإسلام لتوجيهها.
وتصنف القيم إلى نوعين: قيم الغايات، وقيم الوسائل، وترتبط قيم الغايات بأربعة أبعاد تؤطر الإنسان، وهي -هنا- قيم مطلقة وضرورية وجوهرية وليست نسبية أو فردية، فالبعد البدني يتضمن -مثلاً- حفظ النفس بتحريم الاعتداء، والعقلي حفظ العقل بتحريم المخدرات، والأخلاقي حفظ العرض بتحريم الزنا، والديني حفظ الدين بتحريم الردة، أما قيم الوسائل فتتضمن كل ما يمكن أن ينمي القيم الضرورية، كالغنى والقوة والشورى، والغايات واحدة ، فيما الوسائل متعددة في الزمان والمكان، وتبعيتها للغايات حسب الحاجيات.
ويذهب بعض الفقهاء المسلمين إلى تصنيف القيم تبعاً لخمسة منابت: ما استمدت من صفات الله وأفعاله، كالعدل والعفو والكرم والجمال، ومن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم كالرحمة والصدق والتسامح، ومن أوامر القرآن ونواهيه والحديث النبوي ومقاصد الشريعة، ومن العقل الذي هو مناط الأمانة والتكليف وأساس الاعتقاد، ومن الأعراف والتقاليد والعوائد.
وهناك تصنيف آخر للقيم يدرجها في ثلاث قنوات، من حيث المضمون؛ قيم دينية ووطنية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية، ومن حيث المقصد؛ قيم نمائية كتحقيق العدالة وضمان الحرية وقيم وسائلية كقيمة المال، ومن حيث الشدة قيم ملزمة (الكليات الضرورية)، وتفضيلية (الحاجيات) ومثالية (التحسينات).
ويستخدم القرآن الكريم أربع وسائل لإثارة القيم وتثبيتها في النفس الإنسانية: المخاطبة المباشرة للمؤمنين والناس وأهل الكتاب وغيرهم، الإعلان والبيان لحقائق الإعجاز وإثارة رغبة الإنسان في البحث والنظر، الخطاب البلاغي واللغوي المعجز كتحدٍ مباشر للسامع، الوسيلة التشريعية المتعلقة بالعبادات والمعاملات والحلال والحرام، والأسلوب الوعظي للاقتداء والتأسي.
ويمكن -إضافة لما سبق الإشارة إليه- اعتماد وظيفتين أساسيتين للقيم: إحداهما حفظ وحماية الهوية والعمران الحضاري الذي تنتمي إليه الأمة، من خلال قيم الانتماء والمعرفة والولاء والوفاء)، وإنتاج هذا العمران وتطور الهوية الحضارية وبناء نهضة الأمة (من خلال قيم العلم والعمل والوقت..).
بقي أن أشير -فقط- إلى أن للقيم الإسلامية -إن صحت التسمية- خصائص تتميز بها عن غيرها من القيم ومنها أنها: فطرية، إنسانية، ثابتة الأصول متغيرة الوسائل، ومرنة تستجيب لحاجات الإنسان ومتطلباته.
أما فيما يتعلق بالاتصال أو الإعلام فهو عملية نقل الآراء والأفكار والمعلومات بين طرفين أو أكثر باستخدام الرموز، سواء أكانت مكتوبة أو مقروءة أو مسموعة، أو باستخدام الإشارات والحركات، وهو هنا موقف سلوكي بين مصدر مرسل ومستقبل مستجيب، عبر رسالة هدفها التأثير أو الإقناع.
والإعلام ليس ناقلاً فقط وإنما قد يكون صانعاً أيضاً إذ أن العالم اليوم يتجه نحو مجتمع الإعلام، والمعرفة وهي مرحلة جديدة في تطور الجنس البشري يصطلح على تسميتها “بالموجة الثالثة”، (بعد الزراعة والتصنيع جاء الإعلام).
الدستور