الإعلام واختبار الإصلاح

الإعلام واختبار الإصلاح
الرابط المختصر

قبل أكثر من عقدين، نتذكر كيف تفاجأ الإعلام المحلي بموجة التحول نحو الديمقراطية. وبدل أن يكون أداة تساعد على تهيئة المجتمع والمؤسسات على ممارسات ديمقراطية هادئة، أربك الإعلام في الكثير من الأحيان في المشهد العام، وأصبح في أحيان أخرى مجرد أداة لإدارة صراع عدمي. اليوم، المجتمع الإعلامي أكثر نضوجا، وإن ما تزال ذيول توظيف الإعلام مستمرة، بينما سيبقى الإعلام المختبر الأكثر مصداقية في قياس جدية الإصلاح ومساره الحقيقي.
خطورة ملف إصلاح الإعلام تكمن في كونه المجس الذي يقيس جدية الإصلاحات في المجالات الأخرى، ومن دون إصلاح جاد في الإعلام لا يمكن قياس جدية الإصلاح السياسي، وتحديدا في الممارسات، فالقوانين والتشريعات مهما كانت متقدمة لا تصنع وحدها التغيير والإصلاح. إن مراجعة تجارب الإصلاح الإعلامي والانتقال إلى الإعلام الحر، تمنح درسا يجب أن لا يُفوت من قبل أي تجربة للإصلاح الإعلامي، والذي يلخص بضرورة توفر قوة التنظيم، وهي القوة الوحيدة المفترض أن تحمي الحرية الوليدة وتحرسها، أي تحمي الحرية الوليدة من تناقضات المجتمع الإعلامي نفسه، ومن قابليته العالية في كل مجتمعات العالم على النفاذ إليه واختراقه من القوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من الداخل والخارج، ومن عودة السلطة مرة أخرى. فقوة التنظيم تحتاج إلى مؤسسة قوية وذات كفاءة عالية ومهنية حقيقية تقف على رأس هرم تنظيم الإعلام، وقوانين صارمة في حماية الحرية وحماية المجتمع. على مدى أكثر من عقد، استهلكنا كلاما كثيرا تحت عناوين عديدة في البحث عن طريق آمنة تقود إلى إصلاح الإعلام، في الوقت الذي واصل فيه الأداء الإعلامي الرسمي تمرين "الخطوة تنظيم" المتعب منذ سنوات طويلة من دون أن يحدث التنظيم المطلوب رغم تفكيك مؤسسات إعلامية وإلغاء أخرى، بينما تزداد إشارات الفوضى والرداءة ليس في الإعلام الالكتروني وحسب بل على الأثير والفضاء الأردني الجديد، كما يزداد الشعور بتراجع الحريات الإعلامية كما عكستها التقارير الدولية.
في الحقيقة هناك أصوات عالية ومعلومات قليلة كلما أثيرت مسألة ذات صلة بوسائل الإعلام المحلية، فعلى الرغم من أهمية هذا الموضوع  لم يخرج علينا أحد بدراسات علمية أو تقارير محلية مستقلة ونزيهة تصف الأوضاع الراهنة، فيما تزدهر دراسات وتقارير متناقضة ومربكة ممولة من الخارج لصالح أجندات داخلية لأفراد وفئات لا أكثر، وهي اللعبة المملة التي لم تعد تُحتمل.
حان الوقت لإدراك ان أفضل طريقة وفق معطيات العصر لدعم الإصلاح الجاد والتنمية تبدأ من الاستثمار الحقيقي في التنمية الإعلامية، وحان الوقت أيضا أن نجيب بجرأة وبمنطق علمي عن سؤال: لماذا فشلت مؤسسات إعلامية عديدة في هذه المهمة؟ كما حان الوقت للكشف عن حجم الفساد السياسي والاجتماعي الذي يمارس تحت ستائر الإعلام، وأحيانا كثيرة باسم إصلاح الإعلام.

الغد