الأحد 30 تموز

الأحد 30 تموز

 

من غير المتوقع أن ثمة عاقل لا يدرك مساوئ المادة (308) عقوبات ومخاطر تعديلاتها المقترحة التي تجعلها تنطبق على الأطفال دون سن الثامنة عشرة، ولا يحتاج الأمر لكبير عناء لفهم دوافع من يذودون عن هذه المادة في مجلس النواب، إذ أن دوافعهم -كما جرت العادة- شعبوية من الطراز الأول خصوصاً أن جانباً لا يستهان به منهم –ومع كامل الاحترام- ليس لديه ملكة ولا مهارة التحليل القانوني ولا حتى قراءة الواقع التشريعي على نحو دقيق.

المدهش هي جرأة المدافعين عن (308) بمختلف صيغها، حيث أنهم لا يعبؤون بعواقب الإبقاء عليها من الناحية الأخلاقية والقانونية بل والسياسية، فبعض سادتنا النواب الذين يشاركون في فعاليات تُنظّمها جهات أجنبية في دول عربية وأجنبية وفي البحر الميت والعقبة وغير ذلك من الأماكن ذات الطابع السياحي والترفيهي؛ لا يجدون حرجاً في رفع عقائرهم والصراخ في وجه كل مطالب بإلغاء المادة (308): “أجندات أجنبية”، أليس من العار أن تكون المطالبة بالإنصاف وإعمال مبادئ العدالة الجنائية وحماية الأطفال من الاغتصاب والتزويج القسري منسوبةً لجهات أجنبية؟ أليس دفعكم في اتجاه إقرار هذه المادة التي تدعون أنها لا تطبق هو الذي يفسح المجال لمطالبات الأجانب –على فرض صحة ادعاءاتكم- بوجوب إلغائها؟

ترى من ضرب الوفد الرسمي على يده حينما تعهد أمام مجلس حقوق الإنسان بإلغاء المادة؟ وأين هذا التعهد في غمار الهجمة التي يقودها مجموعة من الشعبويين الذين يريدون النكوث بهذا العهد؟

ماذا يضيركم في أن يعاقب كل من واقع قاصراً لم تبلغ الثامنة عشرة؟ كيف تجرؤون على حضور فعاليات مع اليونيسيف وغيرها للحديث عن قانون حقوق الطفل وحماية الطفولة، وفي الوقت نفسه تسعون بما أتاحه الشعب لكم من مكنات إلى تعريض الأطفال للاغتصاب والتزويج القسري المقنن؟

 (308) على خطورتها تعكس مشهد آليات صنع القرار في بلدنا بكل ما يعتوره من "فزعات" وانطباعات شخصية تحتل كل مساحة لتقصي منهجية التحليل والتأصيل التي ينبغي أن تشكل ركيزة كل قرار يُتخذ وتشريع يُسَن، هل يعقل أن تحدد مصير جيل بأكمله شهادة موظف أو موظفة في دور إيواء الفتيات اللاتي تعرضنّ للاغتصاب أو قصة ترويها إعلامية أو شبه باحثة مسكونة بهاجس معارضة التيار الحقوقي على مبدأ “خالف تُعرف”؟

يعيش الكثير من مؤيدي المادة (308) حالةً من الانفصام الممزوجة بشيفونية ونرجسية مقيتة، إذ أنك لو واجهتهم بتعرض إحدى فتياتهم القاصرات للاغتصاب فلن يقبلُ تزويجها قولاً واحداً، وفي الوقت نفسه يرون في عامة الشعب مجموعة من الأفراد غير المتحضرين المسكونين بنير العادات والتقاليد، هل يجرؤ أياً ممن يذودون عن هذه المادة المقيتة أن يجاهر بأنه سوف يطبّق نص المادة (308) على ابنته فلذة كبده لو تعرضت لا سمح الله لمواقعة حتى لو كانت كما يسمونها “رضائية”؟

هناك من النواب من هو متصالح تماماً مع نفسه وموقفه قطعي وواضح برفض المادة جملةً وتفصيلاً، وهؤلاء يستحقون من الشعب الذي انتخبهم كل تقدير وتُرفع لهم القبعات، لكن وللأسف صوتهم يضيع في غمرة الصراخ والتباكي على إرث ثقيل وقميء تجسده هذه المادة المشؤومة.

 الأحد 30 تموز/ يوليو 2017 يوم سوف لن ينساه الأردنيون، فإما أن يكون ذكرى جميلة توأد فيها مادة وإما أن يكون يوماً مشؤوماً ووصمة يذكرها بمرارة ضحايا مادة شرعنة الاغتصاب والتزويج القسري.

 

مهند العزة: خبير دولي في التحليل القانوني وحقوق الإنسان، وكاتب في حقل الإصلاح الديني.

أضف تعليقك