اجماع على المرفوض وغياب المطلوب
من اعلى مسؤول الى ادنى مواطن اردني متفقون على تشخيص الازمة بكل تعابيرها في الاردن , لا احد يختلف على محاربة الفساد وضرورة الاصلاح السياسي ورفع منسوب المشاركة الشعبية في الحكم وتغيير آلية تشكيل الحكومات وتفعيل دور الرقابة المالية والادارية ووقف التعيينات على الهوية الاقتصادية او النسب , والغاء تهميش الاطراف واشراك المحافظات في القرار الاقتصادي والسياسي وتوزيع عوائد التنمية بعدالة .
الاردنيون متفقون بالكامل على الاشياء التي يرفضونها , لكنهم مختلفون على ماذا يريدون وعلى كيفية الوصول الى ما يريدون , وربما تكون هذه المفارقة الكبرى في الربيع العربي الذي يجتاح كل الاقطار العربية دون استثناء , حتى تلك الدول التي لم تتحرك شوارعها علانية او تلك التي استبقت الحراك بسخاء رفع الاجور والاعفاءات .
في المشهد الحالي اتفاق على المرفوض , واختلاف على الوصول الى الاهداف , هناك من يريد انجاز المطلوب بسرعة ودون تدرج لانه يخشى ان تبرد الساحة المحلية ويفتر الحراك الشعبي كما قال القيادي السلفي عبد الله الخوالدة لكاتب المقال , وهناك من يستعجل المطلوب لقلة ثقته بالحكومة وباقي أجهزة الدولة , فالذاكرة لا تحمل الكثير من الود لتطبيق الوعود , وهناك طرف سياسي يريد ان يقطف اللحظة الاقليمية ويتماهى معها بعد ان نجح في تحقيق ذلك في ساحات اخرى .
انصار الحكومة يقولون ان الاصلاح قادم وبتراتبية ممنهجة تنقل معها الشارع الأردني خطوة خطوة الى المستقبل بعد ان كشفت التجارب في دول الربيع العربي ان الاستعجال وحرق المراحل كان على حساب الامن الوطني والسلم الاهلي ويسندهم في ذلك الواقع المعاش في اقطار الربيع العربي حتى بعد الانتخابات التي جرت في تلك الاقطار , فالانتخابات ليست ضمانة للهدوء الوطني وبداية البناء الديمقراطي .
تيار الطريق الثالث الذي يتشكل الآن في الاردن بصعوبة وفرقة بين تياراته , يميل الى التغيير التدريجي بدليل مشاركته في الانتخابات القادمة , مراهنا على ما اسماه الاشقاء في مصر “ بحزب عصير الليمون “ وهي الجماعة التي لم تحقق لها الاصلاحات التشريعية والسياسية طموحها, لكنهم يفاضلون بين السيئ والاقل سوءًا , وينتظرون تنفيذ الوعود بالاصلاح تحت القبة المقبلة وهي كتلة ضخمة تنتظر انحيازها الى طرف من الاطراف السياسية .
اللحظة الراهنة محكومة بالترقب وتميل الكفة نسبيا الى تيار التغيير التدريجي بعد التجارب غير المريحة التي سادت اقطار الربيع العربي خصوصا على قطاع الامن الداخلي وشكل الحكم وادارته بديمقراطية , فتجارب الربيع العربي منحت التيارات المحافظة دعما اضافيا بل واسهمت في تخويف الكتلة الحرجة او حزب عصير الليمون من التغيير السريع .
الترقب سينتقل الى خانة الراحة والفرج اذا ما اقدمت الدولة واجهزتها على انجاز انتخابات بنزاهة ودون تدخل , ومارست الدور القانوني في معاقبة كل من يحاول الاساءة للعملية الانتخابية , ومارست فعلا فتح ملفات الفساد وتم تحويلها الى القضاء بسرعة ودون ابطاء وتعاملت بشفافية مع الظرف الاقتصادي , وتعاملت بجدية مع المتغيرات الاقتصادية من خلال التخفيف على المواطن بعد انسياب الغاز المصري ووصول الدعم الخليجي كما وعدت الحكومة اكثر من مرة .
الترقب ليس حرجا او لا يقع في مرحلة الحرج , بل هو ترقب ايجابي لا يتمترس خلف مواقف مسبقة , وسينتقل من مرحلة الى مرحلة حسب الالتزام الرسمي بالوعود المقدمة خاصة في ملف الانتخابات البرلمانية القادمة , التي تُجمع تيارات المشاركة على ان البرلمان القادم هو بيت التغيير والاصلاح المنشود فشكل البرلمان القادم هو الذي سيمنح الكتلة الحرجة الضمانة بالتغيير , والاجراءات الرسمية الى يوم الاقتراع هي التي ستحدد شكل الاختيار الامن وهي التي ستمنح الثقة بالبرلمان القادم , فالمهم شكل الوصول الآمن الى صناديق الاقتراع بنزاهة ودون تزوير وبمحاربة المال الحرام بجدية ودون لجلجة .
الدستور