إفطار رمضاني مختلف في سجن النساء

إفطار رمضاني مختلف في سجن النساء
الرابط المختصر

أقبل ان اتهم بالمبالغة، عندما اقول أن السياسة الاصلاحية الانسانية التي قررتها مديرية الامن العام في تعاملها مع السجناء في مراكز الاصلاح والتأهيل، وطبقتها اولا في سجن الموقر، سياسة عصرية وحضارية ازعم انها غير موجودة في اي مكان اخر إلا في بلادنا.

هل تصدقون ان نزلاء سجن بيرين يقومون بتربية العصافير والاسماك، ويتم تأمين الالوان وحاجات الرسم ليقوم نزلاء سجن الموقر بالرسم على الجدران، رسومات تعبر عن مكنوناتهم، وما يجول في خاطرهم.

هذه الصورة الانسانية الحضارية، رافقتني في ليلة الرابع والعشرون من رمضان، وانا ادلف الى سجن النساء في الجويدة، للمشاركة في افطار رمضاني مختلف، حيث جمعت ادارة مراكز الاصلاح والتأهيل النزيلات بذويهم على مائدة افطار رمضانية داخل السجن، واحتضنت الامهات النزيلات اطفالهن، وقمن بتناول طعام الافطار سويا، في لمسات انسانية معبرة.

الامهات اللواتي مارسن دورهن في اطعام ابنائهن والاهتمام بهم بعيدا عن اعين المراقبين من الحضور ولسان حال كل واحدة منهن يقول (اتمنى يا ولدي ان اطعمك بيدي كل يوم ).

لكل نزيلة قصة تروى لساعات، ولكن في تلك الليلة الرمضانية، لم ينشغل اي من المدعوين لمائدة الافطار بسماع قصصهن، بل ترك الجميع الفضول ليشاركهن فرحتهن مع ابنائهن، كما كانت النزيلات يجلسن مع ابنائهن برفقة شرطيات من مرتب السجن يتناولن الطعام ويتبادلن الاحاديث بعيدا عن المسميات والرتب والوظائف .

لم يتوقف الامر عند هذا الحد، فبالرغم من معاناة النزيلات النفسية كونهن بعيدات عن اسرههن، الا انهن حاولن ادخال المتعة والبهجة الى قلوب الحضور من خلال القصائد الشعرية التي تغنين بها، ووصفت حالهن في السجن، والمعاملة الجيدة التي يتلقينها من الادارة، التي قد تكون ارحم عليهن من ذويهن.

طموح النزيلات كان واضحا لدى الحضور، ودعواتهن ان يتوقف الزمن لساعة او اثنتين، طمعا في مزيد من الحنان يعطينه لاطفالهن، ولكن الزمن لا يرحم، حيث توقف لحظة ليعلن ان على النزيلات العودة الى المهاجع، عندها قمن بوداع اطفالهن بالدموع والحزن، وبنظرات فرح وأمل يراودهن بلقاء قريب .

بعين الانسان، لا بعين الصحافي، شاهدت كيف اختلست نزيلات لحظات فرح عابرة أنستهن معاناة السجن وأسواره الباردة، حين تم تقديم فقرات فنية وأغاني ألهبت مشاعر النزيلات وجعلتهن ينخرطن في موجة تصفيق وضحك وطيران روحي.

هكذا، تحول سجن النساء في ليلة رمضانية إلى ساحة للفرح شارك فيها الجميع، نزيلات ومرتبات الامن، في لوحة تعبر عن حسن انساني راق، تؤكد أن السجين يستحق حياة أفضل عندما يغادر السجن ويندمج في المجتمع كي لا يعود إلى الانحراف مجددا.

بدا سجن النساء في تلك الليلة نظيفا كعادته، وممراته زينت بابتسامات الجميع، والافطار اللذيذ والمتنوع، كان من انتاج السجن، ولم يتم شراءه من الخارج.

لربما فكرت ادارة مراكز الاصلاح والتأهيل، بزيادة الجرعات الانسانية للنزلاء والنزيلات، من خلال تنظيم لقاء شهري يجمع النزيلات والنزلاء بأبنائهم في جو اسري حميم في الحدائق التي انشأتها داخل السجون.

عين نيوز