أيها الصحفيون انتبهوا...!
الرقابة الذاتية في الصحافة تعني الخوف من تبعات نشر الحقيقة وهذه جريمة كبرى في العمل الإعلامي، وبالعادة يخاف الصحفيون من القوى المسيطرة في المجتمع، كالحكومة أو الأجهزة الأمنية أو أصحاب القوى الاقتصادية أو الاجتماعية الكبيرة. لذلك يخاف صحفيون من أن ينشروا الحقائق خوفا من موجة غضب قد تطيح بهم وتؤذيهم. والرقابة الذاتية يفرضها الصحفي على نفسه بفعل تلك القوى، في حين يأبى صحفيون آخرون أن يخضعوا لها.
لكن الملفت انه وبالبحث عن كيفية استخدام بعض الصحفيين لمصطلح الرقابة الذاتية، وجد أن كثيرا من الصحفيين أو المهتمين بشؤون الإعلام يصورون الرقابة الذاتية بالقاعدة المهمة التي يجب أن يتحلى بها الصحفي كي يؤدي عمله بمهنية عالية، وهذه أمثلة حية نسوقها، حيث أورد موقع "منصات" الالكتروني الذي يعنى برصد الإعلام العربي من بيروت مقابلة مع الكاتب والمحلل السياسي الكويتي أمين عام منظمة العمل الكويتي "معك" أنور الرشيد حول قانون المطبوعات والنشر الكويتي قال " إن هامش الحرية الذي أوجده قانون قانون المطبوعات والنشر الكويتي الجديد عزز مفهوم الرقابة الذاتية، والصحافة الكويتية تتميز حقيقة بحرص القيمين عليها والعاملين فيها على القيام برقابة ذاتية...".
مثال آخر فالكاتب المعروف الأستاذ مصطفى الفقي وفي مقال له نشر في صحيفة القدس الفلسطينية ووسائل إعلام أخرى بعنوان "حرية الصحافة المفترى عليها" مسلطا الضوء على سلوكيات سلبية لدى الصحفيين تحت مسمى حرية الصحافة من التجريح والخوض في الحياة الشخصية واجتزاء بعض العبارات، وقال إن هذه السلوكيات السلبية " تحتاج إلى وفقة أمينة تعتمد على الرقابة الذاتية"، وفي كثير من المحاضرات الإعلامية رصدت مطالبات لصحفيين أن يتم تعزيز الرقابة الذاتية من اجل المهنية والموضوعية في العمل الصحفي، وهذين مثلين من أمثلة كثيرة لا مجال لذكرها هنا.
هذا الأمر يظهر مشكلة خطيرة لا يتنبه إليها بعض الصحفيين، فهل لا يزال الصحفيون غير متفقين على معاني مصطلحات حساسة مثل "رقابة ذاتية" التي يعني باللغة الانجليزية "Self censorship"، والفرق بين هذا المصطلح وبين مصطلح "التنظيم الذاتي" الذي يعني باللغة الانجليزية "Self Regulation"، فثمة فرق كبير بين هذين المصطلحين على الرغم من اشتراكهما في كلمة "الذاتية".
قد يكون المراد من استخدام صحفيين لمصطلح الرقابة الذاتية هو المعنى الايجابي بمعنى المهنية الصحفية، لكنه يخلق مشكلة عند حديث آخرين عن خطورة الرقابة الذاتية على الصحافة، لذا لابد للصحفيين أن يتفقوا جميعا على مقاطعة عبارة "الرقابة الذاتية" وان يتخلى البعض منهم عن الاعتقاد أن هناك نوعان من الرقابة الذاتية احدهما له معنى ايجابي ويعني أن يكون الصحفي صادقا ومهنيا وأخلاقيا وان لا يمارس سلوكيات سلبية في الصحافة، ومعنى آخر سلبي للرقابة الذاتية وهو الخوف من نشر حقائق قد تسبب له عضب قوى معينة يخشاها.
وعلينا أن نبحث أكثر في تعزيز مصطلح التنظيم الذاتي الذي يعني بكلمة الذاتية الجسم الصحفي في أن يبادر ذاتيا إلى وضع أسس وقواعد مهنية وأخلاقية طوعية لا تأتي من السلطة أو أي جهة خارج الجسم الصحفي تحكم عمله من ناحية الموضوعية والمهنية، وان يحارب بالتنظيم الذاتي الرقابة الذاتية وتبعاتها المؤلمة على الصحافة.
لقد واجهت الكثير من الدراسات المسحية التي أجريت على مجتمعات من الصحفيين مشكلات في قياس مدى انتشار الرقابة الذاتية بين الصحفيين لعدم قدرة كثيرين منهم على معرفة المعنى المحدد لهذا المصطلح، فكثيرون عبروا عن آرائهم وأدلوا بمعلومات حول الرقابة الذاتية استنادا إلى فهم خاطئ وخطير للرقابة الذاتية في الصحافة مما خلق نتائج لا تعكس الواقع الحقيقي لمدى انتشار الرقابة الذاتية بين الصحفيين العرب والآثار السلبية التي تنعكس على الرسالة الإعلامية خاصة فيما يتعلق بحق الجمهور في معرفة الحقيقة.
نحن بحاجة إلى توحيد الخطاب الإعلامي بكل ما يتعلق بحقوق الصحفيين وواجباتهم كي لا تدخل سلوكيات سلبية مفروضة على الصحفيين بضغط من أصحاب المصالح على أنها سلوكيات للصحافة المهنية كما يروج لها البعض، فالصحفي الذي يلتزم طوعا بمعايير مهنية وأخلاقية صحيحة مستمدة من جهة موثوقة، يحمي نفسه من الوقوع فريسة في أيدي أعداء الصحافة كما يقطع الطريق على تغول السلطة الثالثة بقوانينها على السلطة الرابعة.