"أغْلِق فمك"

الرابط المختصر

ما أشجعنا، ونحنُ متفرغون لشتم أمريكا، وعنصريتها، ونظامها، ودستورها، وثقافتها، وحتى سندويشة مكدونالدز، التي خطفت آلافَ الشيوعيين من عند ضريح لينين في الساحة الحمراء، وكدّستهم في طوابير أمام افتتاح أول مطعم لها في موسكو، مطالع التسعينات.

 

شجعان ونزيهون ومتحمسون في التدوين والتغريد، ومشاركة الفيديوهات، والصور، القادمة من بلادٍ، يسهلُ فيها شتمُ الرئيس والنظام، دون شجاعة، ودون ثمن، ويحقُّ للناس فيها حرق العلم الأمريكي، بقرار قضائي، ولا حدود للحرية المكفولة بالدستور والقوانين.

 

إنسانيون جداً. نحنُ العرب، ومتضامنون مع جورج فلويد، ونحنُ أنفسنا "لم نستطع التنفس في بلادنا"، ومليون فلويد عربي، دعست على رقبته الأنظمة المستبدة، بلا حساب وعقاب، وبلا جرأة شعبيةٍ على إبداء أقل تعاطف.

 

كُنْ/ كوني ضدَّ أمريكا، أولاً، فأنت، مثل آلاف الشباب البيض والسود والهيسبان المتظاهرين في شوارع واشنطن ومنيابولس وشيكاغو، فهؤلاء يشتمون ترامب وعنصرية الشرطي وفساد الطبقات، ويعرفون جيداً أن النظام الديمقراطي يحميهم. لا يخرجُ الأميركيون إلى الشوارع، ولديهم شكٌّ بالاعتقال أو الطرد من العمل أو أي تضييق أمني ومعيشي.

 

تستحقون جميعاً أنْ تكونوا مثلهم. تتظاهرون، بلا سقوف في الغضب والتعبير، وتعودون إلى بيوتكم، وأعمالكم، كما لو أنّ الهتاف ضدَّ الزعيم والنظام والخطأ والخطيئة ليس إلا حقّاً، كالخبز والماء والبيت، وليس خاضعاً لأي جدل، أو تخوين، أو إنكار للمواطنة.

 

مليونُ ركبةٍ مستبدة وظالمة ضغطت على رقابنا، ولم ننتفض. ولم نعترض. كان كثيرون منا يغسلون وجوههم بصابونةِ ركبةِ الزعيم والشرطي وموظف الدولة. وكلُّ ذلك، ونحنُ نتوهم شجاعةً، تمنعنا من الهمس ضدّ الاستبداد واللصوصية في بلادنا، وقد تخيلنا أنّ لكل جدارٍ أُذُناً تسمع، وعيناً ترى!.

 

الديمقراطيةُ في أمريكا نظامٌ راسخٌ. ويُصححُ أخطاءه نحو صواب لا نعرفه، ولا نفهمه. نحن شعوبٌ، لخّصنا عبد الرحمن الكواكبي بأننا "مرضى لا نستسيغُ العافية، ودائماً نظنُّ الانحناءَ صلاة". لم يصرخ متظاهرٌ أمريكي واحد بأنّ "الشعب يريد إسقاط النظام". الأمريكيون يريدون إصلاح نظامهم، وهم ينتخبون مجلس الحي الذي يسكنون فيه، وحاكم ولايتهم، ورئيسهم، ويُصغي لهم دونالد ترامب في غرفة نومه في البيت الأبيض، وهو يصرخُ على زوجته ميلانيا، لأنَّ شرطياً، قالَ له: "أغْلِق فمك".