أسطول الحرية وأدعياء الحرية
من الناحية المهنية الصّرف يعتبر »اسطول الحرية« قصة اعلامية مئة بالمئة. فالمشهد اشبه بالدراما التي تجذب ملايين بل مئات الملايين من المشاهدين من مختلف الشعوب, ان فصولها مستوفاة لان تكون عملا روائيا على المستوى الانساني.
800 رجل وامرأة, من اكثر من 40 دولة, بينهم نواب ووزراء وسفراء سابقون يستقلون 9 سفن انطلقت من موانئ مختلفة وهي تحمل الدواء والغذاء والاسمنت لتصطف في موكب بحري واحد يسعى الى كسر الحصار الاسرائيلي المفروض على مليون ونصف مليون فلسطيني في قطاع غزة منذ اكثر من عامين, انه اسطول الحرية الذي يحمل دلالات انسانية وسياسية عميقة.
وفي الجهة المقابلة من المشهد, هناك قوة الاحتلال الاسرائيلي التي قررت اعتراض »اسطول الحرية« بسفن حربية تريد ان تتحدى ارادة الرأي العام الحر في دول العالم التي تناهض الحصار على غزة, سفن دولة تتبع اسلوبا واحدا ضد الشعب الفلسطيني منذ احتلال القطاع والضفة قبل 43 عاما, انه اسلوب القوة العسكرية والبطش والقتل والحصار والسجون والمعتقلات.
وفيما تُعِدّ اسرائيل نفسها لافشال المهمة الانسانية باسطولها البحري, فانها اعدت في الوقت نفسه معسكر اعتقال في اسدود على الشاطئ الفلسطيني المغتصب لاعتقال نشطاء الحرية الذين جاءوا على ظهر الاسطول.
كل هذه الصور تؤكد اننا امام قصة اعلامية على المستوى العالمي, لكن ما يجري بالفعل هو غياب اي تغطية اعلامية بمستوى الحدث. سواء من قبل الاعلام الاوروبي او الامريكي والآخرين بمن فيهم الفضائيات العربية, مع استثناء وحيد وهو دور »الجزيرة« التي تتواجد في موقع الحدث وتواكبه من على ظهر »اسطول الحرية« وهذا ما تستحق الاشادة عليه. لانها كانت دائما تُتَّهَم (باللامنهجية) والاثارة من قبل الجهات الاعلامية نفسها التي تطفئ اليوم اضواءها عن تغطية رحلة »اسطول الحرية«, وكذلك الفضائية التركية الناطقة بالعربية التي تغطي تحرك الاسطول في بث مستمر ومباشر.
الصحافيون والاعلاميون في هذا الجزء من العالم طالما اتخذوا من »حرية الاعلام« في دول الغرب مثالا وحجة للضغط على حكوماتهم من اجل تحقيق مكاسب اكبر لحريتهم الاعلامية. لكن حدث ما يكفي من الاحداث والوقائع في القدس وقطاع غزة لاثبات هذا الغياب الملحوظ للاعلام الغربي عن تغطية جرائم الاحتلال الاسرائيلي وانتهاكاته ضد الفلسطينيين. وحتى بعض وكالات الانباء الغربية سجلت تغطيات محدودة بالصورة والخبر, لمسلسل الاعتداءات الاسرائيلية على الحرم القدسي, وكذلك عمليات الاستيطان في المدينة المحتلة.
هل يمكن وصف هذا التجاهل الاعلامي الغربي للاحداث التي تتعلق بجرائم اسرائيل واحتلالاتها بانه انحياز لتل ابيب واللوبي الصهيوني المساند لها, والمسيطر برأسماله على معظم وسائل الاعلام في الولايات المتحدة واوروبا, ام انه تعبير عن عداء متأصل, قائم على بقايا ثقافة عنصرية استعمارية ضد كل ما هو عربي ومسلم!?
لو ان باخرة واحدة تابعة لانصار البيئة »الخضر« تحركت للاحتجاج في استراليا او امام جزر الكناري لرأينا تغطية اعلامية افضل بكثير مما يستحق اسطول الحرية. ومن المؤسف القول, اننا لم نر »المهنية« وحشود الاعلاميين في منطقتنا, الا اذا كان هناك حفلة دماء وتدمير وقتل. فهم كانوا امام الدبابات التي غزت العراق وخلف مرابض المدفعية الاسرائيلية اثناء العدوان على غزة, لكن لا اثر لهم يذكر في اكبر مشهد دولي سلمي مدني يرفع شعار الحرية لكسر الحصار. انه اعلام تتجسد هويته يوما بعد آخر (كأدعياء للحرية) عندما يتعلق الامر بتعرية اسرائيل.