أسئلة الجمهور وأجوبة النخبة
يحتدم الجدل يوميا في صالونات النخبة عن شكل الحكومة المقبلة ورئيسها , وسط تباين في الفهم لشكل المرحلة المقبلة وتركيبتها , فبينما يذهب فكر كتل نيابية الى ضرورة ان يكون الرئيس وفريقه من اعضاء مجلس النواب , يرى فريق آخر ان الضرورة تقتضي ان يكون الرئيس وفريقه من خارج الجسم ويرى اخرون ان التركيبة المختلطة هي المخرج .
لا شك ان فكرة الحكومة البرلمانية داعبت حلم اعضاء مجلس النواب وهذا في اطار المسموح السياسي , بل ان الحالة النهائية للحكومة يجب ان تكون على هذا النحو , شريطة ان يكون الشارع الانتخابي قد انتخب برنامجا سياسيا للحكومة البرلمانية التي ستقود السنوات الاربع , وعكس ذلك ينتقل صاحب القرار الى الاغلبية التالية او الى الانتخابات المبكرة .
هذا الشرط التأسيسي غير متوفر في التركيبة الحالية لمجلس النواب وغير متوفر في قانون الانتخاب اساسا , لذا تبقى المسألة محاطة بالكثير من الشك ومدعومة برغبات نيابية في التوزير اكثر منها رغبة في تخليق مفهوم الولاية العامة والانحياز الى مفهوم الشعب مصدر السلطات , فالشعب صاحب السلطة ومصدرها وفق اصحاب هذه النظرية انتخب افرادا ولم ينتخب برامج سياسية , اي ان التوكيل الشعبي كان لفرد بعينه كي يكون عينه وخادمه في البرلمان وليس حارسا ومنفذا لمصلحة الناخب , فالصوت الفردي في الانتخابات كان الحاضر الاكبر , والانتقال من مرحلة الى مرحلة بشكل تعسفي وغير منهجي انتقال ظالم للتجربة ذاتها وظالم لشرط التعاقد الضميري بين الناخب والنائب .
مهمة هذا المجلس ليس القفز عن واقعه او القفز فوق ظله , لأن هذا احد الاستحالات كما يقول المثل الالماني , بل واجبه التأسيس لمرحلة الحكومة البرلمانية او الحكومة البرامجية للدقة , فالشارع ينتخب برامج حزبية للبرلمان وللحكومة في نفس الورقة , ويكون منحازا لبرنامج سياسي او حزبي كي يقود السنوات المقبلة وحال الاختلال في شرط التعاقد الضميري يكون الحل والدعوة لانتخابات مبكرة .
هذا يتطلب مرحلة تشريعية صعبة وتغيير قناعات سياسية وشعبية وليس مجرد قرار نيابي او افكار افراد في مجلس الشعب يستعجلون القطاف الذاتي , فثمة عقبات دستورية يجب ازالتها من الطريق وهناك تشريعات تطال بنية قانون الانتخاب وشكل الدوائر المحلية ووضع القائمة الوطنية لتصبح حزبية وبرامجية , وتحضير شعبي وتطمين المكونات السياسية والشعبية وتوافق وطني كبير .
ما يدور في اروقة النخبة مخالف لتوقعات الشارع وطموحاته , فهو مارس حقه الانتخابي على اساس تخليق مجلس نيابي يحاسب ويراقب ويشرّع وليس نائبا يقود التنفيذ , والجميع لاحظ ان محاربة الفساد والاصلاح السياسي هما العنوان الابرز لمرحلة الانتخابات الاخيرة وكل ذلك يعني ان المطلوب الرقابة والتشريع اي التأسيس للخطوة المقبلة وليس حرق المراحل السياسية للوصول الى محطات غير مجهزة بأدوات الجلوس المريح وغير مغطاة كي تحمي من حرارة الشمس ومطر الشتاء .
الاكثر ملائمة في الظرف الحالي هو ترسيم نيابي لشكل الحكومة القادمة , وترشيح اسماء مقبولة وموثوقة تقوم بتنفيذ الترسيم الوطني , فالمواصفات والمقاييس لوحدها غير كافية اذا لم تجد من يؤمن بتنفيذها ويمتلك القدرة على تنفيذها ايضا .
وهذا مرهون بعودة النواب الى قواعدهم للتشاور على الاسم والشكل , وليس الاختيار الفردي , فقد سأم الشارع تهميشه والقفز عن امانيه ورغباته , فالشارع الشعبي والسياسي ينتظر خطوة نيابية جريئة بالعودة الى المنابع الصافية والرئيسة لمفهوم الشعب مصدر السلطات وليس الشكل الاكسسواري منها كما يسعى بعض النواب وكما تسعى بعض الكتل النيابية عن حسن نية ربما .
حرق المراحل اكثر خطورة من البقاء في المرحلة الحرجة او المرحلة التي تعاني من ضيق شعبي لانها ببساطة قفزة في المجهول كما حدث مع اقطار شقيقة ما زالت تعاني من تبعات حرق المراحل والقفز في الهواء تحت مسميات نبيلة وشعارات جميلة
الدستور