مياه الزيتون.. سم من ذهب يتسرب في البشر والشجر

عمان – رائد رمان - مضمون جديد

بإمكان كل متر مكعب واحد من مياه "الزيبار" تحويل 360 ألف متر مكعب من المياه الزلال إلى مياه غير صالحة للشرب، كما يستطيع المتر الواحد من الزيبار إفساد ألف متر مكعب من المياه المخصصة لري المزروعات.

يصف الخبير الزراعي في المركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي المهندس سلام ايوب "الزيبار" أو مياه غسل الزيتون في المعاصر، بانه ذو خطورة كبيرة على البيئة والمياه السطحية والجوفية لاحتوائها على السكريات والأحماض الدهنية والفينولات والكحولات المعقدة والمركبات العضوية المتطايرة.
لكن ذلك يحدث بينما يمكن للزيبار أن يتحول الى بين اصابع الانسان الى ذهب إن هو احسن الاستفادة منه.

تعرف مياه "الزيبار" علميا بأنها مادة سائلة "مياه عادمة" سوداء اللون تنتج من عملية عصر الزيتون. ووفق المختصين فهي ذات اثر بالغ على البيئية والاقتصاد معا، إن لم تعالج أو يستفاد منها، كونها تحتوي هذه على نسبة عالية من المواد الخطرة على حياة الانسان أهمها الفينول والأكسجين الكيميائي.

ويقدر إنتاج المملكة من ثمار الزيتون سنويا بحوالي "253" ألف طن، في حين بلغت كمية الزيت "36" ألف طن بينما تعتمد "60" ألف أسرة على هذا القطاع.
محمود السعيد مواطن يقطن في محافظة جرش، وتحديدا بالقرب من أحدى معاصر الزيتون، وهو كما يقول يعاني كثيرا من مخلفات غسل الزيتون.
"موعد الزيتون يعني اعلان طوارئ بالنسبة للعائلة". يقول محمود.
ما يدعو الى التدبر هو ان وزارة الزراعة لم تتلق أية شكاوى بخصوص هذه التلوث. وفق ما يقوله مسؤولوها.

كارثة بيئية

"لا تعتبر مياه الزيتون خطرة على صحة الانسان وحسب، فهي قبل ذلك تكون قد خربت كثيرا في التربة". يقول الأخصائيون.
انها كارثة بيئية استنادا الى المواصفات الاردنية التي "تفرض على التربة ومياه الشرب خلوهما من الفينول والأوكسجين.
يقول الخبير الزراعي المهندس أيوب لـ "مضمون جديد" إن الاحماض الدهنية في هذه المياه تؤثر على النباتات بصورة بالغة.

كيف يتم ذلك؟

تتدفق هذه المياه من المعاصر لتتحول إلى مياه عادمة تفوح منها روائح كريهة ومؤذية للبيئة المحيطة، فتجمع حولها الحشرات.
المعاصر لا تعرف طريقة للتخلص من مخلفاتها الناتجة عن عملية عصر الزيتون بطريقة علمية، فتبقى هذه المخلفات متراكمة بالقرب منها أو في أماكن عشوائية، بين البيوت لتنشر سمومها.
يقول المهندس أيوب: "لو أنها جمعت في حفر كبيرة وتركت حتى تترسب موادها فانه يمكن الاستفادة منها".

مياه ثمينة

المفارقة المؤلمة ان المواد التي تحتويها هذه المياه ثمينة، تستند عليها صناعات عدة مثل: الأدوية ومبيدات الاعشاب والاسمدة والمواد التجميلية.
وتكاد تكون عملية الاستفادة من "الزيبار" بدائية لكنها فعالة، وتتمثل في عملية تجفيف المياه لاستخراج المواد الصلبة والبدء بتصنيعها وفقا للصناعة المستهدفة.

الخبراء يقدمون الحل

الدراسات المحلية لم تترك مياه الزيبار وشأنها، فهذه هي دراسة للمركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي أوصت بسقي الأراضي "البور" بهذه المياه بهدف التخلص منها بطريقة علمية, وذلك قبل عملية زراعة هذه الأراضي بشهرين مع الأخذ بعين الاعتبار إعادة حراثتها وخلطها بالتربة.

الخبير الزراعي في المركز نفسه يقول: "الدراسة التي قام بها المركز أكدت إمكانية الإستفادة من مئات الاطنان من ثمار الزيتون في استخراج مياه "الزيبار" التي بلغت معدلات كمياتها السنوية خلال الأعوام القليلة الماضية أكثر من 200 ألف متر مكعب في ظل وجود 118 معصرة زيتون متطورة وحديثة.

المركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي اطلع على عدد من التجارب القريبة. يقول المهندس أيوب: اطلعنا على نتائج ابحاث ودراسات لتجارب دول عربية مثل تونس وسوريا ولبنان فتبلورت الفكرة.
هنا تأكد المركز من إمكانية الاستفادة من تلك المياه في ري المحاصيل الزراعية، لكن وفق ضوابط وتعليمات محددة.

بحسب دراسة دعم فيها المركز رأيه، فإن الحل في نشر مياه "الزيبار" بين الأشجار المثمرة، خاصة أشجار الزيتون مع ضرورة التنبه لعدم إضافتها إلى الأحواض مباشرة فضلا عن تجنب توزيعها في الأراضي التي يزيد انحدارها عن 7 في المئة.

يقول المهندس أيوب إن الدراسة أوصت بالإبتعاد عن مصادر المياه الجوفية والسطحية والتجمعات السكنية والمتنزهات بشكل عام، إلى جانب امكانية استخدامها على الأراضي البور بمعدل 8 أمتار مكعبة للدونم الواحد.
بينما تتميز مياه "الزيبار" بحمضية (ph=5)

مما يعني امكانية التفاعل مع التربة الكلسية والنفاذ عبر تشققات الطبقات الصخرية ثم الوصول إلى الأحواض المائية.
كل هذا وأكثر منه: إنها تحتوي على أحمال عضوية زائدة مما يمنع ربطها مع شبكات الصرف الصحي.

بالقرب من محمية دبين ازمة
بيئية

ولا ينفك البيئيون من التحذير من مخاطر السماح لأصحاب المعاصر باستخدام مياه الزيبار في ري الاشجار المثمرة ورشه في الاراضي البور غير المنحدرة.
"
مثل هذا الفعل سيؤثر على المياه الجوفية والسطحية وعلى السياحة البيئية والتنوع الحيوي وانتشار الروائح وإحداث مكاره صحية كبيرة"

يقول البيئيون، ومنهم الخبير البيئي سفيان التل الذي يقول لـ "مضمون جديد": إن مثل هذا التصرف يؤدي إلى تلوث بيئي يضر بمصادر المياه والمزروعات، فالاضرار كبيرة: تلوث المياه الجوفية والسطحية والاضرار بالاشجار الحرجية ومكاره صحية، وانتشار الروائح والحشرات والذباب.

أما اذا اختلطت المياه العادمة بمياه الشرب، بالاضرار اكبر مما تحتمل.
التل اوضح أن افساد الاراضي الزراعية، و"تيبس" الاشجار وقتلها يعني خفض درجات الحرارة وتلوث الهواء بالغازات السامة.

وأشار إلى نتائج تحليل لعينات تربة أخذت من منطقة قرب محمية دبين التي تستخدم مكبا للزيبار التي كشفت عن وجود نسبة عالية من الفينول الملوث للتربة بلغ 200 ــ 400 جزء بالمليون من العينة المأخوذة على بعد 30 سنتمتر من التربة المشبعة بالزيبار.
لقد بلغت نسب تلوث العينة التي اخذت على بعد 1 متر 40 ــ 60 جزءاً بالمليون استنادا الى تحليل اجري في مختبر التقنيات الحديثة بالجامعة الاردنية.
طبيا هذا يعني التالي: إن تأثير سمية هذه المركبات يظهر بشكل مباشر على الاعضاء الحساسة والانسجة داخل جسم الانسان والحيوان والنبات، مشيرا الى ان اكثر الاعضاء تضرراً هي الرئة والكبد والجهاز البولي والتناسلي.

محطة تنقية الزيبار

رئيس قسم الزيتون في وزارة الزراعة جمال البطش يرى ان الحل في انشاء محطة تنقية حديثة لمعالجة مياه "الزيبار" للتخلص من آثارها السلبية على الاراضي الزراعية، والاستفادة منها في نواحي متعددة بالزراعة والمياه.

وقال لـ "مضمون جديد" إن انشاء محطة لتنقية مياه الزيبار اصبح ملحا مع الانتشار الواسع لمعاصر الزيتون وازدياد أعدادها، مؤكدا أنه يمكن الاستفادة منها لسقاية الاشجار الحرجية واستخراج السماد، مشيرا إلى ظهور المشكلة مع بدء موسم قطاف الزيتون.

كما يمكن – والقول للبطوش – انشاء برك مبطنة لمنع تسرب المياه الى داخل التربة والتأثير على سلامتها، مشيرا الى وجود 80 معصرة زيتون في اقليم الشمال وحدها، وأن هذا الرقم يعني بيئيا الكثير.
وفي الأردن "16" مكباً بينها "13" مكباً لا يسمح فيها التخلص من الزيبار لأنها مخصصة للنفايات الصلبة.
البطش لفت إلى ان الوزارة تنتظر نتائج الدراسة التي يقوم بها المركز الوطني الخاصة باستخدام مياه "الزيبار" حتى يعتمدها ضمن الاسس العلمية والمنطقية.

وأوضح ان السماح لأصحاب المعاصر بنقل "الزيبار" الى الاراضي الزراعية والمزارع سيؤثر حتما على المياه الجوفية والحياة النباتية والسياحة البيئية، مشيرا الى ان "الزيبار" مادة غنية بالمواد العضوية المغذية للتربة في المناطق الجافة وشبه الجافة كونها تخفف من التبخر في المناطق الرملية وفي هذه الحالة يجب فرش هذه المادة على مسافة بعيدة عن الاشجار ضمن اشتراطات محددة وقبل موسم الحراثة بشهرين على الاقل.

وأضاف أن تعليمات وزارة الزراعة تنص على عدم السماح بتلوث البيئة بمخلفات معاصر الزيتون السائلة والصلبة، اذ تشترط البعد الكافي عن مصادر المياه الجوفية والسطحية "الينابيع والسيول والانهار".

رغما عن القانون

واكد أن القانون يجبر أصحاب المعاصر على بناء خزانات "اسمنتية" لجمع "الزيبار" فيها، مشيراً الى أنه يسمح التخلص من "الزيبار" في مكب الاكيدر في محافظة الرمثا.

بينما أشار البطش إلى انه تم إفراغ حوالي "75" ألف متر مكعب من إجمالي ناتج "الزيبار" والبالغ "250" ألف متر مكعب في المكبات الثلاثة المخصصة لمياه "الزيبار" "الأكيدر واللجون والطفيلة".

وحول الجدوى الاقتصادية والفنية لاستخدام مياه الزيبار الناتجة عن معاصر الزيتون، اوصى بالاستفادة من المواد الثمينة الموجودة في "الزيبار" بتصنيع الادوية ومبيدات الاعشاب والاسمدة والمواد التجميلية، مشيرا الى ان عملية الاستفادة من "الزيبار" تأتي بعد التجفيف باستخراج المواد الصلبة والبدء بتصنيعها لاغراض الاستخدامات المختلفة.

ونوه إلى أن العديد من المعاصر تقوم بتجميع جفت الزيتون وهو المادة الصلبة الناتجة عن عصره وتشكل 40 في المئة من ثمر الزيتون ويتم تجفيفه من السوائل ومن يثم بيعه حيث يتجاوز سعر الطن الواحد "100" دينار ويصل الى اكثر من ذلك حسب الطلب عليه.

وعن كيفية معالجة الزيبار والتخلص منه اوضح البطش أنه بالامكان استعمال الكلس المحروق ومادة طينية من الازرق للتخلص من خطورة المياه والمواد الكيماوية بطريقة تجميع برك الزيبار، ثم تجفيفها في برك ضحلة.
7 في المئة

يشار إلى ان زراعة الزيتون تعتبر أسّ الزراعة في المملكة، اذ بلغت المساحة المزروعة نحو "2,1" مليون دونم، أي ما نسبته 7 في المئة من المساحة المزروعة بالأشجار، بحسب إحصائيات وزارة الزراع

فما الذي تفعله السلطات المختصة .. هل ستتعهد بالبحث عن حلول .. في انتظار تنفذ قد لا يأتي.. هل هذا كل شيء؟

أضف تعليقك