منظفات مصنعة بيتيا تباع عشوائيا في أسواق عمّان

عمان- سوسن زايدة - مضمون جديد

في بيته يصنع أبو رعد منظفات منزلية يعبئها فيما يجمع من عبوات المياه "النقية" المستعملة ويبيع كل لتر بدينار واحد لأقربائه وأهل حيه ومعارفهم. يصنعها من مادة الفونيك وصبغات وغيرها من المواد التي يشتريها من سوق السكر في وسط البلد.

يخلط أبو رعد المواد المكونة للمنظفات التي يصنعها ويطبخها في بيته، حيث يعيش مع عائلته. وفي إحدى المرات لم تنجح الخلطة وتبخر منها غازات، كاد أبو رعد أن يختنق منها قبل أن يسرع وأفراد أسرته خارج المنزل. واضطر إلى أن يلقي بالخلطة في الشارع بعيدا عن منزله.

ويجني أبو رعد من بيع المنظفات المنزلية أكثر مما يجنيه من مهنته كسائق شاحنة. التجارة الرابحة دفعته إلى التفكير بتوسيع سوقه إلى مصر، حيث وجد من يشاركه في تصنيعها وبيعها.

وبنفس الطريقة وفي بيته أيضا، يقوم محمد بتصنيع منظفات لاستخدامات منزلية وبشرية، مثل "الشامبو"، ولكنه يعبئها في عبوات منظفات فارغة تحمل اسم وملصق منظفات محلية مرخصة يشتريها من مصانعها، ويبيعها لدكاكين شعبية ولباعة بسطات الشوارع.

في حي آخر من أحياء عمان تتجول سيارات "بيك آب" محملة بعبوات كبيرة (جركن) من منظفات مصنعة بيتيا، متعددة الاستعمالات مثل "الشامبو" وسائل الجلي وتنظيف الأرضيات. وإلى جانبها عبوات مياه "نقية" فارغة مستعملة وميزان. تصطف السيارة لتسكب المنظف في العبوة الفارغة وتزنها بالكيلو حسب طلب المشتري.

وفي ازدحام الأسواق الشعبية واكتظاظ بسطات الشوارع، التي زادت مؤخرا، تظهر بسطات المنظفات، وتحديدا "الشامبو". عبوات تحمل ملصقات لأسماء ماركات عالمية معروفة من "الشامبو" كتب عليها اسم الشركة المصنعة، غالبا مستوردة من السعودية. وعند تفحص العبوة عن قرب يظهر أنها مستعملة ومعاد تعبئتها. وهنا تباع غالبا بدينار ونصف، أي بأسعار تقل قليلا عن السعر التي تباع فيه في المتاجر الكبيرة.

وعند الانتقال إلى مناطق "متوسطي الدخل" في عمان الشرقية، حيث المتاجر الصغيرة والكبيرة من المولات التي تبيع النخب الثاني والثالث ممن البضائع بأسعار أقل من مثيلتها في عمان الغربية، تتنوع المنظفات والمنتجات المصنعة في مصانع محلية مرخصة، تحمل عبواتها ألوان وتصاميم وأسماء شبيهة بالماركات العالمية المعروفة، مع تغيير حرف أو حرفين، فلا تشكل فرقا لمن يبحث عن منتج متوسط الجودة مقابل سعر أقل.

منظفات مصنعة بيتيا بلا ترخيص وأخرى مصنعة في شركات مرخصة تباع بطرق غير شرعية أو عشوائية من دون ذكر مصدرها ومكوناتها أو يعاد تعبئتها بعبوات فارغة مستعملة من ماركات معروفة، لكنها تجد لها زبائنها ومستهلكيها في الأحياء الشعبية وبين محدودي الدخل ممن يشترونها ولا يعرفون حقيقتها أو يفضلونها لتدني سعرها رغم بمعرفتهم بمصدرها وطريقة تصنيعها.

يقول محمد إبراهيم أن والدته تشتري عادة سائل جلي ومعقمات من سيارة "بيك أب" تتجول في حيهم في منطقة الأشرفية. وتحمل السيارة عبوات كبيرة (جركن) مليئة بمنظفات متعددة الاستعمال والألوان، ولا تحمل أي ملصق لاسم تجاري أو اسم المصنع. وتبيع لزبائنها منظفات في عبوات فارغة يحضرها الزبون أو في أكياس لمن لا يحمل عبوة، تزنها بالميزان وتبيع الكيلو بدينار.

ويرى محمد أن هذه المنظفات مجهولة المصدر قد تسبب ضررا صحيا على المدى القريب أو البعيد، مثل الجلد والتنفس. لكن والدته غير مقتنعة بذلك بعد أن جربت استعمالها، وترى فيها فرصة للتوفير بالحصول على كمية أكبر بسعر أقل.

لكن أم محمد لا تشتري "الشامبو" من هذه السيارات لأنه "قد يحتوي على مواد ضارة وقد يسبب تساقط الشعر وقد لا يلائم نوعية شعور أفراد الأسرة"، يقول محمد مضيفا أنه يفضل شراء "شامبو ماركة عالمية معروفة" لأنها آمنة صحيا، بحسبه.

نائل صوالحة الذي كان يعمل في منطقة ماركا بجوار بناية سكنية حيث كان شاهد رجال يخرجون منها محملين بعبوات "جراكن" منظفات لا تحمل أي ملصق. وعلم أنها معبأة بمنظفات كانت تصنع في أحد منازل البناية وأنهم يحملونها في سيارة تبيعها "بالكيلو" في أحياء شعبية مختلفة.

ونائل الذي يعيش في الهاشمي يشتري منظفات من هذه السيارات. ويقول: "من تجربتي وجدت أن نوعية سائل الجلي أفضل من غيره لأنه يرغي جيدا. أعلم أنها تصنع في البيوت ولا أعرف إذا كانت خطرة على الصحة لكن أشتريها لأن الجميع في الحي يشترونها ولم يشكوا منها أحدا. لكنني لا أثق بشراء شامبو قد يضر بالشعر أو الجسم".

ولا يفضل حازم، الذي يسكن في الرصيفة، شراء منظفات مجهولة المصدر من سيارات تتجول في حيه. ويعتقد أنها تصنع في مصانع محلية صغيرة. ويضيف: "أفضل الماركات لضمان جودة أعلى".

واعتادت أمل شراء سائل جلي ومعقمات من هذه السيارات، باستثناء الشامبو. لكنها توقفت بعد أن اكتشفت أنها "مغشوشة" حيث "تتغير رائحتها بعد فترة وتصبح لها رائحة مزعجة جدا، كما أن مفعولها ضعيف وكأنها مخلوطة بالماء".

ولا تشتري حنين أي منظفات مجهولة المصدر من سيارات جوالة، وإنما تشتري من أسواق كبيرة عبوات تحمل ملصقات باسماء تجارية معروفة وبكافة المعلومات المتعلقة بشركاتها المصنعة. لكنها وجدت أن بعضها "مغشوش" وتعتقد أنها "مخلوطة بالماء لأنها لا ترغي وكثافة ورائحة السائل خفيفة وليست فعالة فتحتاج كمية أكبر للتنظيف".

مصانع محلية مرخصة تبيع في عبوات بلا ملصق أو اسم، بالجملة لمستشفيات وفنادق حسب الجودة المطلوبة، وبالمفرق لتجار صغار يبيعونها بعد إعادة تعبئتها في عبوات مستعملة أو في عبوات يضعون عليها ملصقات.
التاجر المرخص متضرر ثاني

بائع المنظفات غير المرخصة والتي تباع بطرق عشوائية أو غير مرخصة، هو تاجر وسيط يجني ربحه من بيع منتج لا يخضع لفحوصات دائرة المواصفات والمقاييس، ومن دون علم المستهلك، وبأسعار أقل من أسعار التاجر المرخص.

علي عبدالفتاح صاحب شركة تصنع مواد تنظيف منزلية ومواد تنظيف سيارات. يقول بان مصنعه ينتج صنفان من المواد وفقا لمعايير مؤسسة المواصفات والمقاييس مصنفة حسب الجودة: نخب "أ" بنسبة تركيز 18-20% وسعر الكيلو 70 قرشا ونخب "ب" بنسبة تركيز 13-15% وسعر الكيلو 50 قرشا، وهو ما يصنع فرقا في فعالية المنتج وبالتالي كمية الاستهلاك. ويبيعها للفنادق، المستشفيات، محلات غسيل السيارات.

لكن صاحب الشركة يشكو ممن يشترون منتجاته ومنتجات غيره من المصانع المحلية المرخصة ويقومون بخلطها بالماء ويبيعونها في سيارات متجولة بأسعار أقل تصل إلى 30 قرشا للكيلو. ويقول: "هؤلاء الباعة لا يدفعون ضرائب او رسوم ترخيص وغيرها، ولا أجور محلات ويضاربون علينا ببيع منتج مغشوش للناس".
وعندما بادر علي لتقديم شكوى لمؤسسة المواصفات والمقاييس عن "ظاهرة بيع المنظفات المخففة بالماء وبأسعار أقل وبطرق غير مرخصة"، تتضرر منها شركات تصنيع المنظفات المحلية المرخصة، طلبت منه المؤسسة تزويدهم بأسماء الذين يقومون بذلك. يقول علي: "ليس لدي أسماء وهذه ليست مهمتي بل مهمة الجهات الرسمية. هذه ظاهرة منتشرة والجميع متضرر منها".

وعند محاولة الحديث مع مؤسسة المواصفات والمقاييس خلال إعداد هذا التقرير طلب منا كذلك تزويدهم بأسماء التجار غير المرخصين لضبطهم وإتخاذ الإجراءات اللازمة، ورفض الموظف الوحيد الذي أمكن الوصول إليه وأوضح أنه من "القسم الإعلامي في المؤسسة" أن يصرح باسمه أو أن يوصلنا إلى من يمكن أن يصرح رسميا باسم المؤسسة.

اما جمعية حماية المستهلك فقالت إنها لم تتلق أي شكوى من مستهلكين بخصوص منظفات مصنعة في البيوت أو مغشوشة. وفي حال وردتها شكاوي مشابهة تقوم بتحويلها إلى مؤسسة المواصفات والمقاييس التي تتابع الإجراءات اللازمة لضبط الحالات وإتلاف المواد غير المرخصة.
وتفيد مؤسسة المواصفات والمقاييس أنها لم تضبط حالات مشابهة لغاية الآن، وفي حال تمكن مفتشوها من ذلك سيتخذون الإجراءات اللازمة من مصادرة المواد غير المرخصة وتحويل المتورطين إلى الجهات المختصة.

فيما تقول دائرة الرقابة في أمانة عمان أن هذا الموضوع من اختصاص مؤسسة المواصفات والمقاييس.
وفي انتظار ان تتحقق المؤسسات الرسمية والأهلية، فأن المستهلك الأردني سيبقى عرضة لعمليات غش، او عمليات تزوير، يحصل على منتجات اقل كثيرا من الثمن الذي دفعه، ناهيك عن خطورة تأثير هذه المنتجات على الإنسان والبيئة على حد سواء.

أضف تعليقك