منتجات مصنعة من ألبان منتهية الصلاحية على موائد الفلسطينيين
الضفة الغربية - هيثم الشريف - مضمون جديد
بعد تردد، أقر العامل البسيط الذي اشترط عدم كشف هويته بأنه شارك في عمليات إعادة تصنيع منتجات منتهية الصلاحية خلال عمله في أحد مصانع الألبان في الضفة الغربية.
هذا العامل ترك المصنع منذ نحو عام كما يخبرنا، وهو لا يعلم ما إذا كانت هذه العملية مستمرة هناك أم لا.
لكن عاملا آخر قال لنا أن مصنعا عمل فيه قبل بضع سنوات، كان يقوم بهذا الامر، لكنه توقف عن ذلك الآن.
وأضاف "ما أعرفه حاليا أن المصنع أصبح يقوم بإتلاف كل الألبان منتهية الصلاحية، تحت إشراف وزارتي الإقتصاد الوطني والصحة".
ولكنه يؤكد بحكم خبرته، أن هناك مصانع ألبان أخرى مستمرة في إعادة تصنيع المنتجات التي انتهت صلاحيتها.
ويوجد في الضفة الغربية نحو 85 منشأة مرخصة لتصنيع الألبان. غير أن هناك عشرات المعامل الصغيرة المتناثرة في الأحياء والقرى، والتي تقوم بتصنيع الألبان وتسويقها دون ترخيص.
وتلزم التعليمات مصانع الألبان بإتلاف المنتجات المرتجعة من الأسواق، وفق محاضر موثقة وبحضور ممثلين عن الجهات الرسمية.
لكن رئيس جمعية حماية المستهلك في الخليل عزمي الشيوخي أكد ان هناك مصانع في أنحاء مختلفة من الضفة تتحايل على التعليمات، ولا تصرح سوى بجزء بسيط من الكميات التي يجري جمعها فعليا من الأسواق.
وقال الشيوخي أن "عمليات الإتلاف التي تقوم بها بعض المصانع بحضور الجهات الرسمية، لا تعبر عن كامل الكميات التي يتم إسترجاعها من السوق".
وأضاف "إذا ما جمعنا الكميات منتهية الصلاحية التي يتم إسترجاعها من مختلف مصانع الألبان في كافة مناطق الوطن، فهذا يعني أننا نتحدث عن كميات كبيرة جدا تقوم بعض المصانع وللأسف بإعادة تصنيعها، وبيعها للمستهلك".
وشدد الشيوخي على أن "هذا يتنافى مع شروط السلامة العامة، لأن الإجراء السليم الواجب إتباعه هو أن يتم إتلاف كامل البضائع منتهية الصلاحية، لا أن يتم إعادة تصنيعها، وتوزيعها في السوق على أنها أصناف جديدة كليا".
واعتبر أن "ما يقال حول أن المصانع معنية بإتلاف كل الكميات المرتجعة وتوثيقها في محاضر رسمية، لكونها ستخصم من قيمة الضريبة، هو كلام غير مقنع".
وطالب الجهات الرسمية بأن تكثف رقابتها على مصانع الألبان، وأن تعمل على تشديدها "من خلال أخذ عينات قبل وخلال وبعد الإنتاج، وذلك لضمان أن تعمل هذه المصانع بشكل سليم ومطابق للأسس الصحية".
وقال الشيوخي "نحن لا نريد نشاطا رقابيا موسميا. يجب أن تتوقع إدارة المصنع رقابة ومتابعة لعملها في كل وقت، فمن حقنا كمستهلكين أن نشك في كل شيء حتى يثبت العكس".
صعب وغير مُجد
من جانبه، إستبعد مسؤول في أحد كبريات مصانع الألبان في الضفة الغربية وجود مصانع تقوم بإعادة إنتاج الألبان منتهية الصلاحية، معتبرا ان ذلك غير مجد ماليا، فضلا عن انه ينطوي على صعوبات فنية.
وقال "مثلا نحن كشركة تهمنا عملية إحصاء وإتلاف هذه المنتجات بمحاضر رسمية موثقة، لأن تكلفة إنتاجها تخصم من قيمة الضريبة، ولا يعترف لنا بالخصم دون محاضر".
وأضاف انه "من منظور علمي وعملي، فإنه من الصعب جدا إعادة تصنيع منتجات الألبان بالذات لإختلاف خواصها، وتحول البروتين فيها من شكل إلى شكل آخر يصعب معه إعادتها من الحالة الصلبة إلى السائلة مثلا. وبالتالي، فإن ما يشاع هنا وهناك، ما هو إلا مجرد فقاقيع في الهواء بقصد أو بآخر".
ذات الأمر، أكده رئيس قسم حماية المستهلك في وزارة الإقتصاد الوطني أمجد قباجة الذي قال انه "لا يمكن من ناحية عملية تصنيع الألبان الراجعة، فحين تنتهي صلاحيتها تصبح نسبة الحموضة فيها عالية، وأشك في مقدرة المصانع على السيطرة وإعادتها لمستويات أقل، ناهيك عن تكلفة إعادة الإنتاج العالية، لذا لا شك أن إتلافها أوفر وأرخص من إعادة التصنيع".
وكما يوضح مسؤول المصنع، فإن عمليات الإتلاف التي يقومون بها، لا تجري جميعها تحت إشراف ممثلي الجهات الرسمية.
ويقول "نحن كشركة نقوم بأنفسنا بعمل إتلافات يومية لبضائع منتهية الصلاحية، لأنه لا يمكننا تكديس كل الكميات لعدة أيام، و لحين حضور الجهات الرسمية المشرفة على الإتلاف".
وشرح آلية الإتلاف قائلا انه "يتم فرز المنتجات منتهية الصلاحية، وتوضع في حاويات النفاية التابعة للبلدية، التي يتم التنسيق معها مسبقا بالخصوص، من أجل إرسال المواد المتلفة لمكب النفايات حيث يجري طمرها".
ويجدر بالذكر في هذا السياق أن السلطات كانت اعتقلت قبل بضعة أعوام مواطنا في الخليل كان يقوم بتصنيع وتسويق الجميد من الألبان منتهية الصلاحية، والتي كان يجمعها من مكب نفايات قريب من بلدة يطا.
في دائرة الشك
وعلى صعيدها، فقد نفت وزارة الإقتصاد الوطني تلقيها أية شكاوى أو معلومات حول قيام مصانع الألبان بإعادة تدوير المنتجات منتهية الصلاحية، وهو الأمر الذي أكدت انه ممنوع قانونا.
وقال مسؤول طواقم الرقابة والتفتيش في الوزارة المهندس إبراهيم عبسه "رغم أنه لم ترد إلينا أي شكوى تفيد بقيام أي من المصانع الوطنية بإعادة تدوير هذه المنتجات، إلا إننا نؤكد على أنه لا يجوز إعادة تصنيعها بعد إنقضاء أكثر من يوم واحد على فترة الصلاحية، إذ يجب إتلافها ".
وقال انه "يجوز للمصانع إعادة تصنيع الألبان في يوم إنتهاء صلاحيتها فقط، بحيث يمكن تحويلها إلى لبنة، نظرا لأن نسبة الحموضة التي تصبح مرتفعة بها، مهمة جدا من أجل عملية التحويل".
بدوره شدد الدكتور ياسر عيسى مدير صحة البيئة في مديرية صحة محافظة الخليل على أن إعادة تصنيع الألبان ممنوعة وفق القانون.
وقال ان "المواد منتهية الصلاحية تصبح بيئة خصبة لنمو الجراثيم، وحين يتم إعادة تصنيعها وتسويقها، فانت بذلك تسوق معها أمراضا. هذا ممنوع وفق القانون".
وأضاف ان عمليات إعادة تصنيع المنتجات منتهية الصلاحية "إن كانت تجري فعلا، فعلى الأرجح أنها تجري أولا خارج أوقات دوام مراقبينا، وثانيا من قبل معامل ألبان صغيرة قد تكون بعض المصانع الكبيرة تتعاون معها، بحيث ترسل لها الكميات المرتجعة لإعادة تصنيعها".
ولم يوضح طبيعة هذا التعاون، إلا انه يعتقد أن المعامل الصغيرة الغير معروفة للجهات الرسمية والغير مرخصة، ربما تقوم بشراء هذه المنتجات بأسعار زهيدة وتستخدمها في تصنيع مادتي اللبنة والجميد خصوصا.
وأشار عيسى إلى صعوبة اكتشاف عمليات التلاعب عبر فحص بعض المنتجات الموجودة في الأسواق ،كـ لبن الجميد خصوصا، إن تم تصنيعه من مواد منتهية الصلاحية ، نظرا لأن كمية ونسبةالأملاح فيه عالية، وان من شأن ذلك ان يقضي على الميكروبات والجراثيم، وبالتالي يصعب التأكيد أنها مصنوعة من مواد غير صالحة".
وأضاف عيسى انه "حتى الآن فإن كل ما نعرفه ونشرف عليه، يدل على أن مصانع الألبان تقوم وبحضورنا وحضور وزارة الإقتصاد الوطني بإتلاف كافة الألبان المرتجعة، كل شهر أو شهرين وفق كشوف رسمية ومتطابقة ".
وتابع قائلا انه "من باب أن رقابتنا الدورية جلها على مصانع الألبان المعروفة، فان المعامل الصغيرة غير المرخصة هي التي تبقى في دائرة الشك لدينا".
إستمع الآن