مزارعو غزة يشتكون "كسارات" حصمة البناء والسلطات تتذرع بالحصار
فلسطين - عبد الله يونس - مضمون جديد
يشتكي العديد من المواطنين والمزارعين شرق مدينة غزة، من وجود مصانع الحصمة والكسارات العشوائية التي برزت نتيجة الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، وخاصة عقب الحرب الإسرائيلية على القطاع نهاية عام 2008، لما تنتجه هذه الكسارات من غبار كثيف وأتربة متطايرة تسبب في تدمير واسع في المحاصيل الزراعية، وتؤثر على كمية الإنتاج وجودتها، فضلاً عن إلحاقها الأذى بالإنسان والحيوان.
وتحيط عشرات المصانع المحلية والكسارات العشوائية من كل حدب وصوب مئات الدونمات من الأراضي الزراعية، وتعمل معظم هذه المصانع في صناعة أنواع معينة من الأحجار التي تستخدم في تعبيد الطرق ورصف الشوارع، والحصمة التي تستخرج من المنازل المهدمة خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وبات قطاع غزة غني جداً بمخلفات المباني والمساكن التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي في الحرب الأخيرة على القطاع أواخر عام 2008 والتي استمرت 23 يوماً متتالية، حيث بات السكان يستخدمون هذه المخلفات في إعادة التدوير واستخراج الحصمة التي تمنع دخولها سلطات الاحتلال إلى القطاع منذ عام 2007، بذريعة استخدامها في صناعة أغراض قتالية.
وأدت هذه الحرب إلى تدمير أكثر من 5000 منزل بشكل كلي، و20 ألفاً بشكل جزئي.
دمار واسع
وأوضح المزارع "جبريل أبو جهل" الذي يملك أرضاً زراعية تبلغ مساحتها 20 دونماً في منطقة الخط الشرقي شرق مدينة غزة، أن المصانع والكسارات التي تجاور أرضه تسببت بخسائر فادحة بسبب الغبار المتطاير الناتج عن عملية تنخيل الحصمة وفرزها.
وتكتسي طبقة من الغبار، أوراق أشجار الحمضيات والزيتون المزروعة في أرض "أبو جهل"، تمنع وصول الهواء إلى غصونها وأوراقها، ما يؤثر على كمية وجودة إنتاجها، أو اسوداد ثمارها وتدمير المحصول بالكامل.
وتقدم أبو جهل بشكاوى عديدة وجهت إلى بلدية غزة، مشيراً إلى أن البلدية جاءت إلى المكان وحاولت تقييم الوضع، وطالبت مصنع الإنشاءات والحصمة المجاور بعمل تعديل ووضع رشاشات مياه على طول الجدار وتحصينه بـ"الزينكو"، "ولكن أصحاب المصنع قاموا بوضع الرشاشات دون تشغيلها"- على حد قوله.
ونوه إلى أن أرضه الزراعية تعد مصدر رزقه الوحيد، وأضاف: "لذلك فأنا أحرم من مصدر رزقي بسبب ما يحيط بأرضي من مخاطر صحية، وإن نجت بعض الأشجار من التلف يكون إنتاجها قليلاً ولا يرتقي إلى مستوى السوق".
أما المزارع "سعيد خضير" ويملك أرضاً زراعية في ذات المنطقة تبلغ مساحتها 12 دونماً، فهو الآخر يشتكي من انتشار مصانع وكسارات الحصمة في محيط أرضه.
وقال: "الدمار الذي لحق بالمحصول الزراعي، جعلني أفكر جدياً بالبحث عن مصدر رزق آخر"، موضحاً أن الغبار المتصاعد أثر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي وأدى لتدمير عشرات الأشجار والأشتال الزراعية، لتراكم الغبار الناجم عن الكسارات على أوراقها".
وأضاف: "تكسو طبقة من الغبار أوراق أشجار الحمضيات والزيتون المزروعة في المنطقة، ما يمنع وصول الهواء إليها وتعرقل عملية تنفسها، ما يؤثر على كمية الإنتاج وجودته".
وبيّن أن وجود هذه الكسارات يزيد من تكاليف الانتاج الزراعي بعد لجوء بعض المزارعين إلى رش الأشجار بصورة مستمرة بالمياه العذبة، لتخليصها من طبقات الغبار والأتربة المتراكمة، إلا أنه يشير إلى أن هذا الحل غير فعال بالدرجة الكافية التي تمنع تكبيد المزارعين الخسائر.
وأفاد أنه خسر العام الماضي نحو (25 ألف شيقل) بسبب تلف المحاصيل الزراعية والدمار الذي أصاب أشجاره نتيجة وجود هذه الكسارات، مشيراً إلى أن هذه الخسارة تعني أن أرضه الزراعية لم تنتج الموسم الماضي سوى 20% من الانتاج السنوي.
وتابع: "أصبت بخسائر فادحة في هذا الموسم بسبب كسارات الحصمة الموجودة في المنطقة، فهي تنتج كمية غبار كثيفة جداً، تلقي بظلالها على أرضي الزراعية وتفسدها"، مؤكداً أن أشجاره أصيبت بمرض يمنع نموها من جديد".
وأوضح أنه توجه إلى وزارة الزراعة وبلدية غزة "ولكنهم لم يحركوا ساكناً ولم يحدث أي تعديل في ذلك حتى أصبح أصحاب المصانع لا يكترثون بالمزروعات من حولهم ولا يهتمون بكونها تمثل مصدر رزق لنا"- على حد تعبيره.
وتابع: "منذ سنوات كانت الحصمة تأتي إلى المصانع جاهزة لا تحتاج إلى تكسيرها، ولكن الآن أصبحت بحاجة إلى تكسير ولكن وجودها بجوار المحاصيل الزراعية أدى إلى تأثر القطاع الزراعي في المدينة".
ونوه إلى انه إذا ما استمر الحال على ما هو عليه الآن دون تدخل الجهات المتخصصة "فستدمر الأرض كلياً، ولن تعود صالحة للزراعة فيها من جديد".
وفي سياق متصل، اضطر المواطن فؤاد الشاذلي، وهو صاحب مزرعة لتربية الدواجن القريبة من المكان، إلى إغلاقها بسبب نفق العديد منها جراء كثافة الأتربة المتدفقة من كسارات الحصمة القريبة من مزرعته.
وقال: "خسرت 15 ألف شيقل بسبب نفاق العديد من الدجاجات جراء كثافة الغبار والأتربة المتدفقة الناجمة عن الكسارات القريبة من مزرعته".
وأوضح أنه ومنذ اشتداد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة منذ ما يزيد عن خمسة أعوام، ومنع إدخال مواد البناء المستخدمة في العمل، والدمار الذي خلفته الحرب الأخيرة على القطاع، أدى ذلك لظهور الكسارات لاستخراج الحصمة منها واستخدامها في العمل.
وناشد الشاذلي كافة الجهات المختصة لتخليصهم من تلك المشكلة التي تسببت في إزعاجهم ودمرت محاصيلهم الزراعية ومزارعهم الحيوانية، فضلاً عن إلحاق الأذى بالمواطنين والأطفال.
معاناة المواطنين
ولدى المواطنون الذين يقيمون في هذه المنطقة نصيب من المعاناة، حيث يقول المواطن فارس عبد الرحمن (42 عاماً) أنهم يضطرون دائماً إلى إغلاق النوافذ والأبواب بصورة مستمرة بسبب انتشار الأتربة والغبار بشكل كثيف، خاصة مع بدايات ساعات الصباح الباكر، نتيجة تشغيل الكسارات التي تعمل على تحطيم مخلفات البناء وإعادة استخدامها من جديد.
وقال: "المواطنون هنا يرشون المنطقة بالمياه بصورة مستمرة، حتى لا ينتج عن عمل الكسارات الغبار والأتربة، وللحد من نسبة التلوث في الهواء الجوي الذي يتسبب في ضيق بالتنفس لسكان المنطقة"، مشيراً إلى أن أصحاب هذه الكسارات لا يعيرون انتباهاً لوجود المواطنين.
وطالب بلدية غزة وأصحاب الكسارات بنقلها بعيداً عن المناطق السكنية، لما تسببه من تلوث في الجو وإزعاج للمواطنين جراء استخراج الحصمة من مخلفات المباني المدمرة، وأضاف: "نحن أكثر المتضررين من الكسارات بالدرجة الأولى وقد سبق وأن تقدمنا بالشكوى للبلدية بهدف نقل الكسارات لمناطق بعيدة عن أرضنا كونها تدمر محاصيلنا الزراعية وتلوث الهواء، ولكن دون جدوى".
"هل نغلق أعمالنا؟!"
ومن جهة أخرى، بيّن حسين الغزاوي وهو أحد العمال الذين يقومون باستخراج الحصمة من الأراضي الزراعية، أن الحصار الإسرائيلي جعله والعشرات من العاطلين عن العمل يلجئون إلى هذا الخيار لتوفير مصدر رزق، عبر استخلاص الحصمة من باطن الأرض وتوزيعها على المصانع التي تتعطش لشرائها بسبب عدم سماح الاحتلال تمريرها إلى القطاع.
وقال: "استيقظ كل يوم الساعة السادسة صباحاً، وأذهب أنا وأخوتي إلى هذه المنطقة الغنية بالحصمة، نحفر هنا ونستخدم هذه الآلة لفرزها عن الرمال ومن ثم نبيعها إلى المصانع"، غير أن الغزاوي لا ينكر أن هذه العملية تنتج كميات ضخمة من الغبار والأتربة التي تضر بالبيئة المحيطة.
وأضاف: "ماذا عساي أن أفعل؟، نحن في حصار ولا نزال نعاني من ويلات الحرب الأخيرة ضد القطاع، ولا نجد عملاً، لذلك إذا كان هناك من مطالبات فيجب أن توجه للحكومة وأصحاب الاختصاص وليس نحن من نسعى لكسب الرزق"- على حد تعبيره.
من جهته، أكد مدير الشركة العربية للمقاولات والصناعات الخرسانية م. عبد الله مشتهى، وهي أحد مصانع استخراج الحصمة في المنطقة، أن هذه المنطقة مصنفة وفق بلدية غزة أنها منطقة صناعية وتحتوي على العديد من المصانع التي تنتج ما يحتاجه المواطنون في قطاع غزة في مجال البناء والتعمير.
ولدى إشارته إلى أن مصنعه بات يشتري الحصمة جاهزةً بعد أن تكاثرت شكاوى المزارعين لمنع الغبار الضار بمزروعاتهم، أوضح أن المشكلة لا تزال موجودة ولكن بصورة أقل من سابق عهدها، وأضاف: "هذه الحصمة عبارة عن مخلفات المنازل المدمرة وتستخرج من باطن القشرة الأرضية أيضاً، لذلك نحن مضطرون جداً لها بسبب الحصار الصهيوني الذي يمنع إدخالها إلى قطاع غزة".
وتابع: "نشعر بمعاناة المزارعين بسبب هذا الغبار، ونحاول أن نجد حلولاً، ولكني في النهاية لا أستطيع أن أوقف عملي وإغلاق مصنعي الذي يطعم قرابة 30 أسرة".
وبيّن أن مصنعه أقيم بتجهيزات عالية جداً، بمواصفات وشروط وضعتها بلدية غزة، "ووضعنا رشاشات المياه حول الجدار لمنع انتشار الغبار في الجو، ولكن هذه الرشاشات نادراً ما تعمل بسبب انقطاع التيار الكهربائي المستمر في القطاع".
وأضاف: "طالبتنا البلدية بصنع جدار مرتفع وقد نفذنا ذلك بتكلفة 30 ألف دولار لمنع إيذاء المزارعين"، منوهاً إلى أن مصنعه نظم حملة علاقات عامة لإرضاء الجيران في سبيل حل مشاكلهم ولكن لم يمنع ذلك استمرار شكاواهم ضدنا - كمال قال.
توازن قطاعي
من جهته، أكد مدير دائرة الصحة والبيئة في بلدية غزة م. عبد الرحيم أبو القمبز، أن بلديته تراعي توفر شروط تحفظ سلامة المواطنين والأراضي الزراعية، عند منحها التراخيص لأي كسارة أو منشأة صناعية.
وذكر أبو القمبز بعض من هذه الشروط وهي: وضع جدار مرتفع حول المصنع أو الكسارة، ووضع رشاشات المياه حول الجدار لمنع انتشار الغبار في الأجواء، مؤكداً أن أي مصنع أو صاحب كسارة يخالف الشروط يتم سحب التراخيص منه فوراً وإغلاق كسارته ومصنعه.
وأكد أن انتشار كسارات الحصمة في المناطق الزراعية، يؤدي إلى كوارث صحية تلحق بالمحاصيل أضراراً كبيرة وتؤثر على جودة وكمية الإنتاج، مشيراً إلى أنه ورغم تشديد البلدية على أصحاب المصانع الالتزام بشروطها إلا أن المشكلة لا تزال مستمرة، ولا يمكن حلها حلاً جذرياً.
وأضاف: "نحن في حالة حصار، لذلك يجب علينا أن نوازن بين تلبية حاجة السكان من جميع القطاعات الإنتاجية، فالمواطنون بحاجة إلى الحصمة والأحجار بقدر ما هم بحاجة إلى المحاصيل الزراعية، ويبقى الحل الذي ينهي الأزمة نهائياً عالقاً حتى يتم كسر الحصار عن القطاع".
كما طالب مدير دائرة الصحة والبيئة في البلدية، المزارعين والمواطنين المتضررين من المصانع والكسارات، بتقديم الشكاوى المتعلقة بالتجاوزات غير القانونية حول عمل هذه الكسارات، "ليتم المباشرة فوراً في العمل لتقييم الوضع على أرض الواقع ومن ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة".
عدم الالتزام
من جانبه، قال مدير حماية البيئة في سلطة جودة البيئة – وهي سلطة توازي وزارة البيئة- سائد القيشاوي: إن سلطته "تقوم بإعطاء تراخيص لأصحاب الكسارات بعد التأكد من التزامهم بشروط الأمن والسلامة، الرامية للتخفيف من حدة التلوث في الهواء الجوي كإنشاء سقف وجدار محيط بالكسارة، بالإضافة إلى رش المنطقة بالمياه خلال عملة التكسير، ووضع الحجارة في أماكن مخصصة ومغلقة، وبعيدة عن التجمعات السكنية".
وأكد القيشاوي أن العمال العاملين في تلك المهنة، لا يلتزمون بقواعد الأمن والسلامة لحمايتهم من المخاطر الناجمة عنها", لافتا إلى أن سلطة جودة البيئة تقوم بمخاطبة البلديات التي تقع في نفوذها الكسارة، لمتابعة الموضوع وإلزام أصحابها بشروط الأمن والسلامة.
وأوضح أن سلطته ستقول في المرحلة المقبلة بتقييم وحصر جميع الكسارات في قطاع غزة، والتأكد من مدى التزامها بشروط الأمن والسلامة لإعطائها ترخيصاً مؤقتاً مرة أخرى.
إستمع الآن