مخابز تنتهك الرغيف وزناً وسعراً في ظل رقابة مشتتة

عمّان - امال العطاونة - مضمون جديد

رغيف عويص وغير مكتمل الانضاج، يعني للمخبز: وزنا أكثر وانتاجا اسرع وكلف تشغيل أقل، وفي المحصلة ربحا أكبر.

هذه هي بالضبط المعادلة التي يؤكد ماهر ممدوح انه تمكن من فك شيفرتها اثر زلة لسان من جاره الفران النزق.

يقول ماهر وهو موظف حكومي يقيم في احد احياء مدينة الزرقاء "استرعى انتباهي مؤخرا ان الخبز المشروح الذي يشتريه اولادي من فرن الحي لم يعد بالجودة المعهودة، حيث غدا عويصا وبخاصة من جهة حوافه التي باتت اكثر سمكا". ويضيف "وقبل ايام قررت التوجه بنفسي الى المخبز وطلبت من الفران ان يبيعني كيلوغراما، فوضع على الميزان ثلاثة ارغفة كان البخار لا يزال يتصاعد منها، وراح يقتطع اجزاء من احدها حتى يضبط الوزن، الى ان وصل المؤشر الى كيلوغرام واحد".

ويتابع "وعندما دققت في الخبز ووجدت حوافه عويصة كما توقعت، طلبت منه بلطف ان يعيده الى بيت النار حتى ينضج. فكانت المفاجأة ان رد بجلفة قائلا: اذا اردتني ان انشفه (انضجه) فان البيع يصبح بالرغيف وليس بالكيلو". ويباع كيلو الخبز المشروح الذي يعادل ثلاثة ارغفة تقريبا، بثمانية عشر قرشا يضاف اليها ثمن كيس التعبئة وهو في العادة بين قرش الى قرشين، في حين يباع الرغيف الواحد من هذا النوع من الخبز بعشرة قروش.

وتمنع التعليمات الرسمية البيع بالعدد باعتبار ذلك نوعا من التلاعب بالسعر، الا ان معظم المخابز تفعل ذلك. ومعنى كلام الفران ان امام ماهر احد خيارين، دفع 18 قرشا ثمن الارغفة الثلاثة العويصة، او الاكتفاء بهذا المبلغ برغيفين ناضجين.

وهنا كانت زلة لسان الفران التي كشفت لماهر حقيقة انه يتعمد بيع الخبز عويصا لاحتوائهعلى نسبة عاالية من الرطوبة التي تزيد وزنه وترفع بالتالي ارباح المخبز.

اضف ان تقليص مدة بقاء الرغيف داخل بيت النار تعني تقليل كمية الوقود وزيادة حجم الانتاج، حيث انه اذا كان سيخبز 100 رغيف في ساعة، فسيصبح في مقدوره بهذه الطريقة خبز 150 وربما اكثر. ماهر، وكما يقول، دخل يومها في جدال عقيم مع الفران انتهى باتخاذه قرارا بمقاطعته وشراء الخبز من السوق في طريق عودته من العمل. سريع التعفن ولا يقتصر الامر على الخبز العربي بنوعيه المشروح والطابون، بل يتعداه الى الكماج، كما يؤكد فراس الخطيب، وهو موظف في شركة خاصة كانت له تجربة مقاربة لتجربة ماهر.

يقول فراس "في حينا فرن نصف الي ينتج الكماج والمشروح، وكثيرا ما كان الزبائن يشكون من ان خبزه الكماج سميك زيادة عن المألوف وحشوته عويصة بخلاف ما يظهره وجه الرغيف الذي يكون محمرا ويعطي انطباعا بانه ناضج".

ويضيف ان "صاحب المخبز يتذرع بان ضغط الزبائن الذين يصطفون في طوابير خاصة في وقت الصباح، يضطره الى رفع حرارة الفرن حتى يتمكن من تلبية طلباتهم، وان هذا يؤدي الى نضوج وجه الرغيف قبل الحشوة".

لكن فراس يؤكد انه "لو اقتصر الامر على ساعات الصباح التي تشهد فعلا ازمة امام المخبز فلربما يكون هذا مفهوما، ولكن ان ينسحب ذلك على كل اوقات النهار، وحتى تلك التي لا يكون فيها ضغط من الزبائن، فهذا دليل على ان الفران يتعمد عدم انضاج الخبز من اجل ابقائه مثقلا بالرطوبة".

ويضيف "حتى الخبز المشروح لا يسلم من هذا الفران، حيث يتعمد فرد العجينة من وسطها مع ابقاء حوافها سميكة، ولا تمضي ثوان حتى يخرجها من بيت النار رغيفا نضجت صفحته الرقيقة لكن حوافه تكون عبارة عن عجين".

وكما يقول فراس فان كميات الخبز التي تتراكم عن الفران خلال الفترات التي يقل فيها عدد الزبائن "يقوم بتكديسها فوق بعضها ويغطيها بقطعة قماش كبيرة للحيلولة دون تطاير الرطوبة منها وابقاءها بالتالي ثقيلة ما امكن". ومعظم خطوط انتاج المخابز الحجرية ونصف الالية قصيرة لا تتيح تهوية جيدة للرغيف قبل وصوله الى مرحلة البيع او التغليف.

وتحظر بعض الدول، مثل سوريا، بيع الخبز قبل تهويته بشكل كامل حتى تخرج منه الرطوبة الزائدة التي تزيد وزنه بشكل غير حقيقي.

وايضا يلفت فراس الى ان "هناك تغييرات واضحة بدأنا نلمسها في لون الرغيف وطعمه ورائحته، الى جانب انه اصبح سريع التعفن رغم اننا نحفظه في ظروف جيدة".

مكبرين القصة! صاحب مخبز نصف آلي في مدينة الزرقاء، والذي طلب عدم ذكر اسمه مع تاكيده انه "يخاف الله" ولا يتلاعب بالاوزان بهذه الطريقة، اعتبر ان من يتحدثون حول مثل هذه الممارسة "مكبرين القصة اكثر من اللزوم". وقال "اذا كانت هناك مخابز تمارس هذا الغش، فهي بعدد اصابع اليد، ومن الظلم القول ان معظم المخابز تفعل ذلك. ثم لو حسبنا الفرق في الوزن بين الرغيف الناضج والرغيف الذي تكون بعض اطرافه عويصة، فاننا نتحدث عن غرامات".

واضاف "برايكم كم سيزيد الوزن، 20غراما ام 50 غراما؟ الناس مكبرين القصة اكثر من اللزوم". وقد ارجع صاحب المخبز التغير الذي اشار اليه بعض المواطنين في لون وطعم ورائحة الرغيف الى جانب سرعة تيبسه وتعفنه الى تردي نوعية الطحين الذي تبيه الحكومة للمخابز، حسب قوله. ويبلغ عدد المخابز في المملكة نحو 2000 مخبز تنتج ما معدله ثمانية ملايين رغيف يوميا.

ومن بين هذه المخابز 1639 مخبزا حجريا تنتج الخبز المشروح والكماج وخبز الطابون والوردة. كما ان هناك 248 مخبزا نصف الي ينتج بعضها هذه الاصناف. ويستخدم الطحين (الموحد) المدعوم من الحكومة بنحو 35 مليون دينارا سنويا،في صناعة الخبزالعرب يحيث يشكل 90 في المئة إجمالي استهلاك الطحين في المملكة،في حين تشكل الأصناف الأخرى من طحين "الزيرو" و"الزهرة" ما نسبته 10 في المئة.

ويبلغ استهلاك المملكة من الطحين المدعوم نحو 450 ألف طن سنويا. وتنتج المخابز نوعين من الخبز،الأول من الطحين المدعوم ويباع بحسب التسعيرة الرسمية بستة عشر قرشا للكيلوغرام، و18 قرشا للطابون والمشروح بدون تغليف، والثاني "الصغير" أوالمحسن ويُباع بسعرأعلى ارتفع بعد زيادة أسعارالمحروقات الأخيرة إلى25 قرشا للكيلوغرام.

وشكت المخابز مؤخرا من انها تتكبد خسائر بسبب ارتفاع الكلف التشغيلية، وهددت عبر نقابتها بالاضراب عن العمل من اجل اجبار الحكومة على خفض سعر الطن من الطحين المدعوم الذي تبيعه لها حاليا بسعر 60 دينارا.

مرجعيات ورقابة من جهته، قال نقيب اصحاب المخابز عبدالاله الحموي لمضمون جديد ان الخبز الطري لا يعتبر كله غشا "فهناك خبز طري لكنه ناضج".

ومع ذلك لم يستبعد ان تكون هناك مخابز تتعمد عدم انضاج الخبز "لتعويض خسارتها"، وشدد في السياق على انه لا يجوز بيع الخبز بالعدد الا اذا كانت هناك طلبية من زبون يريد نوعية خاصة من الخبز.

وليس للنقابة دور رقابي على المخابز كما يقول الحموي الذي يوضح ان "دورنا توعوي وارشادي".

وعلى صعيدها، نفت الجمعية الوطنية لحماية المستهلك ان تكون وصلتها شكاوى من مواطنين بخصوص الخبز العويص. وقال مدير الجمعية ماهر الحجات لمضمون جديد "لم تصل للجمعية هذه الشكوى المحددة.

ولكن الشكاوي التي تصل هي امتناع بعض المخابز عن بيع الخبز العربي المشروح خلال الفترة المحددة من قبل وزارة الصناعة والتجارة، وكذلك قيام بعض المخابز ببيع الخبز العربي المشروح بسعر اعلى من الاسعار المحدد". واكد حجات ان "ظاهرة امتناع المخابز عن بيع الخبز العربي هي ظاهره تكاد تكون في اغلب المخابز التي تبيع نوعين من الخبز الخبز العادي العربي والخبز الالي".

وتنص تعليماتوزارةالصناعةوالتجارة على ضرورة إنتاج وتوفيرمادة الخبزالعربي الكبيرالمنتج من الطحين الموحد والمحدد دسعره رسميا بـ 16 قرشا من الساعة السادسة صباحا وحتى الثامنة مساء، وعدم بيعه بالعدد.

وتتعمد الكثير من المخابز عدم توفير الخبز الكبير سوى لساعات قليلة في اليوم لان الارباح التي تجنيها منه اقل من تلك التي تجنيها من الصغير الذي يباع بـ25 قرشا للكيلو.

وبحسب النقيب الحموي فان سبب الفرق بين سعري الخبز الكبير والصغير العادي يعود لكلف الانتاج، حيث يستغرق انجاز الخبز الصغير وقتا اطول وكلفة أكبر، مبينا ان خط انتاج الخبز الكبير ينتج من 6 الى 7 اطنان من الخبز خلال 16 ساعة عمل، بينما ينتج خط انتاج الخبز الصغير لنفس الفترة من 3 الى 4 اطنان.

وفي الوقت الذي يتبرم فيه المواطنون من ممارسات بعض المخابز في ما يتعلق بمخالفات البيع وكذلك بتردي نوعية الخبز، الا ان معظمهم لا يعرف الى أين يتوجه بشكواه، كما هي حال ماهر ممدوح الذي تحدثنا معه في مستهل التقرير.

يقول ماهر "لا اعرف الى من اتوجه بشكواي، هل الى وزارة الصحة باعتبار ما يقوم به الفران في منطقتي تلاعبا له اثار صحية، ام الى وزارة الصناعة والتجارة ام الى مؤسسة المواصفات والمقاييس؟!".

وبالفعل، فان مسالة مراقبة جودةرغيف الخبزتظل قضية اشكالية تداخل صلاحياتها بين العديد من المؤسسات الرسمية.

على ان المستشارالإعلامي في وزارةالصناعة والتجارة ينال البرماوي اكد ان هذه الاشكالية في طريقها الى الحل. وقال لمضمون جديد ان "هناك رقابة مستمرة على المحلات والمصانع الغذائية ومن ضمنها المخابز للتاكد من جودة المنتج المقدم للمواطن، والان هناك تعاون بين الجهات المختلفة لتشديد الرقابة".

واشار في هذا الاطار الى تشكيل لجنة مشتركة بين المؤسسة العامة للغذاء والدواء ومؤسسة المواصفات والمقاييس ووزارة الصناعة والتجارة، وذلك "لضمان صحة وسلامة المنتج الغذائي ولمنع حالات الغش والتلاعب من قبل التجار.

أضف تعليقك