لا يوجد ماء صالح للشرب في "حنفيات" الأغوار الجنوبية

الرابط المختصر

عمان – زبيده الهواري - مضمون جديد

محمد هويمل يعاني من ترسبات وأملاح وحصى في كلاه. هو شاب لم يتجاوز عمره الثلاثين عاما، متزوج ولديه ثلاثة أبناء.

هويمل من سكان الاغوار الجنوبية، وهنا تكمن المشكلة، فالمنطقة مشهورة بأمور تنفرد فيها عن باقي المملكة وأحيانا العالم: البحر الميت، وانخفاضها عن سطح البحر، وطقسها الحار. أما ما يخص معاناة هويمل فتكمن في مياه المنطقة المالحة.

"كأننا نشرب البحر" يقول الشاب لـ "مضمون جديد"، وهو بذلك يشير الى ترسبات وحصى بحجم "حذوة الفرس" في كليته نتيجة لشربه ماء أنابيب سلطة المياه.

اليوم يرقد هويمل في منزله في انتظار علاج لا يطيق مصاريفه.

ولأنه يعرف جيدا معنى ما يعانيه فقد اقتطع من راتبه المتدني اصلا لتركيب فلتر ماء في المنزل تجنباً لحدوث مشاكل صحية لأسرته".

ويحوي ماء الأغوار على نسب متفاوتة من الأملاح المنحلة, وعند وجود نسب عالية من الأملاح المنحلة في الماء فإنه يصبح غير صالح للشرب أو حتى للاستخدامات المنزلية, وذلك حسب نسبة الأملاح ونوعها: (نترات, وكبريت, وكلوريد, وصوديوم, وكالسيوم, ورصاص).

ويتم التخلص من الأملاح المنحلة في الماء, باستخدام أجهزه تعمل على مبدأ أغشية التناضح العكسي، وهو مبدأ عمل محطات تحليه ماء البحر.

والإنسان بحاجة صحيا الى ماء شرب خال من البكتريا بلا لون ولا طعم ولا رائحة، لكن دراسات منظمة الصحة العالمية تقول ان الماء بحالته الطبيعية لا يتمتع بهذه الصفات إلا نادرا، ولهذا تعمد الدول في العادة بعد سحب الماء من مصدره إلى ضخه في أنابيب لمحطة معالجته، وهناك يخضع لعملية او أكثر من عمليات المعالجة حسب نوعية الماء المعالج.

وبقياس ما يعانيه هويمل، فإن مياه الاغوار الجنوبية واحدة من أسوأ هذه المياه التي يعرفها الانسان.

يعيد الخبير البيئي باتر وردم أسباب ارتفاع نسبة الملوحة في مياه الاغوار الجنوبية إلى طبيعة المنطقة، المحاذية للبحر الميت. هذا البحر الذي يتميز بارتفاع فريد بنسبة الأملاح فيه, وكذلك الى ازدياد ضخ المياه الجوفية.

أما لماذا لا تضطلع الدولة بواجبها بتوفير المياه الصالحة للاستهلاك البشري لمواطني تلك المناطق؟ فالاجابة تكمن في ارتفاع كلف التحلية يقول وردم.

قصص معاناة الناس هناك بحثا عن ماء بلا طعم لا تنتهي. فالحاجة فوزية العشوش, التي تتقاضى راتب لا يتجاوز 100 دينار تقول لـ "مضمون جديد": انها تضطر لشراء ماء صحي من راتب لا يكفي لغذائها وعلاج. وسالم الشعار الذي يعمل في قطاع خاص ويتقاضى راتب 210 دنانير, قال ما قالته الحاجة فوزيه، لكن بشيء من التفصيل. يقول: "أخصص من راتبي الشهري 60 دينار لشراء المياه الصحية".

يعرف عن سكان الأغوار الفقر، بمستوياته. وهم في أحسن احوال أيسرهم حالا لا يمكن تحمل كلف شراء المياه المعالجة.

نسب مسموح بها من الأمراض!

الجهات الصحية في الاردن ما زالت تؤكد ان نسب الملوحة الموجودة في الاغوار ما زالت دون الخط الاحمر. لكن هل هذا يكفي؟

يقول مدير صحة الأغوار الجنوبية, الدكتور عبد الله الجبور لـ "مضمون جديد" إن مديرية الصحة تقوم كل أربعة أشهر بأخذ عينة من المياه, وإرسالها إلى مختبرات وزارة الصحة في عمان لمعرفة نسبة الملوحة.

أن نسبة الملوحة المسموح بها في الأردن هي من 500 -1000 درجة، أما نسبة ملوحة مياه الأغوار الجنوبية فهي بين 650- 800 درجة.

مياه الاغوار معرضة دائما لارتفاع نسب الملوحة فيها من اجل ذلك يقول الدكتور الحبور ان السلطات المختصة تقوم فورا بإغلاق الآبار في حال ارتفعت النسبة عن الدرجة المسموح بها.

ويطمئن الحبور شاربي الماء المالح بالقول: من مهام فرق مديرية الصحة القيام بجولات على الآبار وفي حالة وجود أي مخالفة لقانون الصحة العامة, تتخذ هذه الفرق الإجراءات اللازمة.

ويؤكد الجبور أن مديرية الصحة على استعداد تام لاستقبال أي شكوى من المواطنين وأخذها بعين الاعتبار ومعالجه مواطن الخلل, فهي تسعى جاهدة للحفاظ على صحة المواطنين.

لكن صحة الطفل أحمد ابن الـ 4 سنوات الذي تسكن اسرته الاغوار الجنوبية تخبر عن قلق يدحض فكرة الاطمئنان الذي تريد مديرية الصحة ايصالها للمواطنين هناك.

أم احمد تقول انه يعاني إسهال شديد, وأن الأطباء قالوا لها إن السبب في المياه المالحة فهي تعمل على حدوث حالات من الإسهال الذي يسبب الجفاف.

الطبيب محمد فتحي أبو نواس يقول: إن تناول المياه المالحة يؤدي في الدرجة الأولى إلى مشاكل الكلى المتعارف عليها الحصى والترسبات. كما تودي إلى حدوث مشاكل جلدية وارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكلور والفلور في الماء وحدوث مشاكل الأسنان عند الأطفال.

ووفق أبو نواس, فإن الماء بشكل عام يحتوي على أملاح لكن بنسب لا تتجاوز الحد الطبيعي المسموح به.

تجارب المزارعين

المزارع خلف الشعار البالغ من العمر 45 عاما يسرد لـ "مضمون جديد" ما حدث قبل عدة أشهر من تعطل في محطات التنقية يقول: تعطلت مضختين لتحلية المياه, نتيجة لضخ مياه ملوثة ترتفع فيها نسبة الملوحة, حيث كانت تصل المياه من دون معالجه فأوقفت سلطة المياه الضخ وأجرت مخالفة بحق شركة جبل طارق المسؤولة عن إدارة المياه في الأغوار الجنوبية.

وقتها وصلت نسبة الملوحة في المياه إلى 1500 بدلا من 500 مما اضطر أهالي المنطقة إلى شراء مياه صحية على نفقتهم الخاصة.

وتذهب إحدى الدراسات بأن استخدام الماء المالح يلحق أضرار جسمية حتى بشعر الانسان, حيث يجرد الشعر من زيوته الطبيعية فيصبح جافا لان تركيز الملح في الماء المالح, يفقد الشعر الماء من خلاياه بالخاصية الاسموزية وبالتالي يتقصف الشعر .

هذا ما خبرته فاطمة الجعارات تماما . الجعارات تبلغ من العمر 25 عاماً وتعاني من تقصف وجفاف شديدين في الشعر. وتقول اعرف الكثيرات يعانين كما اعاني. إضافة إلى المشاكل الجلدية نتيجة استخدام الماء المالح.

وتشير أبحاث علمية إلى أن استخدم تقنية المرشحات وتبخير مياه البحر على مراحل لتحليتها أمرا ممكنا لكن العقبة دائما في الكلفة المرتفعة جدا، اضافة الى ان الغازات المنطلقة عن عملية التحلية خصوصا غاز ثاني وأكسيد الكربون، تضع الاهالي في مشكلة أخرى، وتلحق ضررا بالغا في طبقة الأوزون وبطبقات الجليد في قطبي الأرض.

كما يؤدي الاستخدام المفرط للطاقة في تحلية مياه البحر إلى تفاقم ظاهرة ارتفاع سخونة الأرض, وبالتالي إلى ذوبان الجليد في القطبين واختلاطه مجددا بمياه البحر والمحيطات. ويشكل الجليد في القطبين والمناطق الجبلية العالية 69% من احتياطي المياه العذبة على الأرض.

لا يرى عبد المحسن العون الكهل الخمسيني حلا قريبا لمشكلة المياه المالحة في الاغوار الجنوبية. وهو ينظر بأسى الى حالات امراض الناس هناك وخصوصا بين الأطفال، وأمراض الكلى بين الشباب وكبار السن على حد سواء.

الا انه يقول: ما زالت الجهات المسؤولة ما زالت تتستر على هذه القضية, وتدعي عدم وجود أي حالات مرضية تصل حد الظاهرة بسبب ارتفاع نسبة الملوحة التي تصر اجهزة الدولة المختلفة على القول انها لم تتجاوز الحد المعقول لها.