لا غذاء في حمص ولا دواء

الرابط المختصر

حمص – أحمد البكور

"لا مال ولا طعام .. نحن نقتل بكل الوسائل والأساليب القديمة منها والحديثة". قالها الرجل الأربعيني محمود عبد المنعم لــ "مضمون جديد".

عبدالمنعم أب لخمسة أطفال يعاني ما يعانيه من أجل تأمين لقمة عيشه وإياهم.. وكغيره من أهالي حمص المنكوبة أصبح يعاني من فقدان المواد الغذائية الأساسية ويخاف من مستقبل أولاده المجهول.

يقول عبدالمنعم: نستيقظ كل يوم صباحاً لتبدأ رحلة البحث عن مادة الخبز التي هي أساس غذاء أطفالنا لنجوب العديد من الشوارع وأحياناً لساعات طويلة حتى نجد مخبزاً يبيع الخبز فمعظم المخابز قد أغلقت أبوابها لعدم توفر الطحين والوقود.

ويتابع، إن إغلاق مخبز واحد يعني أن تبقى مئات الأسر دون غذاء في ذلك اليوم، فالحصار الذي نعيشه يشبه الحصار الذي عانت منه غزة، وربما أشد وأقسى.

الكثير من العائلات الحمصية استبدلت ذلك بتجهيز ما يشبه الخبز في المنازل وهذا في حال استطاعت الأسرة تأمين بعض الطحين أو وصلتها بعض المساعدات الإغاثية التي تدخل المدينة أحياناً خفية بعد أن يغامر من يأتي بها بحياته حتى يوصلها إلينا.

يقول عبدالمنهم: اعتاد الناس على تخزين بعض المؤن كالبرغل والعدس ففي حال وجود مادة البرغل نستطيع الاستغناء عن الخبز، فيكون إفطار الأولاد وغداءهم وعشاءهم تلك الأكلة التي بات وافر الحظ من يملكها.

عيسى عثمان هو أحد سكان حي باب الدريب الشعبي رب أسرة تتألف من تسعة أشخاص تحدث لـ "مضمون جديد" عن معاناة الأسرة الحمصية قائلاً: منذ عام ونصف ونحن نعاني من الحصار والتجويع والقتل ومن الطبيعي وبعد كل هذه الفترة توقف الإنتاج الزراعي في حمص، ما يعني نفاذ الخضار والفواكه التي كانت تصل إلى الأسواق وبكميات قليلة جدا.

تقترب حمص للمجاعة - وفق عثمان - وحتى لو امتلك المحاصرون هناك المال فما يفعلون به؟
يقول عثمان لو تجولت في الأسواق أو ما كان يدعى أسواقاً سابقا لن تجد موادا غذائية وإن هي وجدت فبكميات ضئيلة جداً وأسعار عالية أيضاً.

هذا اضافة الى انك قد لا تستطيع الخروج من المنزل لعدة أيام وقد لا تجد الباعة في الأسواق اصلا بسبب القصف الذي يستمر أحياناً لعدة أيام متتالية، فإن كنت قد خزنت بعض المواد الغذائية في بيتك ستتمكن من معايشة الأمر وإن لم تفعل فأبشر بجوع يمزقك وأطفالك.

مازن محمد وهو صاحب دكان صغير في الحي قال وهو يشير لـ "مضمون جديد" الى دكانه الصغير: "كان كبيرا بمحتوياته".
عندما ينفذ أحد الأصناف لدي لا أستطيع تأمينة لأيام عديدة، فيتذمر الناس عندما يأتون لشراء بعض حاجياتهم ولا يجدونها لكن ليس باليد حيلة كيف أذهب إلى سوق الجملة تحت القصف ولو ذهبت كيف سأستطيع تأمين ما يلزم لأهالي الحي، ومعظم المواد الغذائية مفقودة.

ويقول انه يعمد سياسة شراء المعلبات لكن سرعان هي الاخرى ما بدأت تفقد تلك الأصناف في السوق.
ويضيف التاجر محمد: "في حمص عشرات المعامل التي تنتج المواد الغذائية المعلبة معظمها توقف عن الإنتاج وأغلق أبوابه لعدم توفر المواد الغذائية التي يستعملها في إنتاجه وحتى المستورد منها أصبح مفقوداً إضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي عن تلك المعامل وعدم توفر وقود لتشغيل مولدات الكهرباء.

وكل هذه العوامل تساهم في إغلاق تلك المصانع ,بعض المصانع ما زالت تعمل وتنتج إلا أن المشكلة أن أسعار منتجاتها تضاعفت وبالتالي فإن فئة محددة من الناس تستطيع أن تشتري هذه المواد.

وأثناء جولة "مضمون جديد" في الحي كان الطبيب عبد الرزاق جمعة وهو طبيب مشغولا في العمل بالمشفى الميداني هناك.

المشفى كان متخصصاً بالإصابات الناتجة عن القصف والذي تحول إلى مستوصف لكل الظواهر المرضية وذلك بسبب كثرتها حتى أصبح عدد المرضى الذين يأتون إليه يعادل عدد المصابين.
عندما سألنا الطبيب الشاب عن هذا الموضوع أجابنا: تصلنا يومياً حالات عديدة ومختلفة من الأمراض الناتجة عن سوء التغذية خاصة من الأطفال فتدهور الوضع الغذائي هنا جعل مناعة الأطفال في أضعف حالاتها.

"في البداية كانت أجسامهم تقاوم المرض وتتغلب على الجراثيم المسببة له أما الآن فأية إصابة جرثومية تعني التهاباً شديداً سواء كان التهاب أمعاء مثلاً أو حتى الأمراض الصدرية مع دخول فصل البرد، والأطفال هم المتأثر الأكبر بنقص المواد الغذائية ونحن نخشى عليهم من تدهور الوضع أكثر من ذلك.
يقول الطبيب جمعة: نقوم بإعطائهم بعض الصادات الحيوية والفيتامينات والأدوية المقوية ليتغلبوا على تلك الأمراض ولكن للأسف أحياناً نقف عاجزين، ومكتوفي الأيدي، فالدواء كالغذاء هنا غير متوفر دائماً بل أستطيع القول أنه أصبح غير متوفر عادة.

ويضيف، تصلنا بعض المساعدات الطبية بشق الأنفس وأحياناً شحنة الأدوية تكلفا شهيداً أو شهيدين حتى تصل إلى هنا فمن يلقون القبض عليه وهو يحمل دواء إلى مستشفى ميداني يصبح في عداد المفقودين وغالباً ما يقومون بقتله.

"هم يريدون قتلنا بكل الوسائل فمن القصف والاعتقال والتعذيب إلى الحصار ومنع وصول الغذاء إلى منع وصول الدواء وقتل كل من يسهم في ذلك.. والمشكلة أننا نخسر شبابنا واطفالنا".