قطاع غزة يتحول من مصدر للحمضيات الى مستورد لها
غزة- حسن دوحان - مضمون جديد
على أرضه البالغة نحو عشرون دونماً بالقرب من منطقة زلاطة شرقي رفح، وقف المزارع "توفيق أحمد" البالغ من العمر 55 عاماً شاخصاً بعينيه إلى السماء، ملتفتاً بحسرة وألم إلى جزء كبير يبلغ نحو اثنا عشر دونماً من أرضه كانت مزروعة بالحمضيات وقامت قوات الاحتلال بتجريفها خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة عام 2008م، وأصبحت الأن ارض جراء شبه صحراء بعدما حرمته قوات الاحتلال من إعادة زراعتها بحجة وقوعها بالقرب من الحدود الإسرائيلية..
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ انسحابها من قطاع غزة أواخر عام 2005،شرعت بتنفيذ مخططها للقضاء على الأراضي الزراعية على طول الحدود الفاصلة بين قطاع غزة والخط الأخضر من اتجاهين الشرقي البالغ طوله 40 كيلومتر، والشمالي والبالغ عرضه 15 كيلو متر، وحظرت الزراعة لمسافة 500 متر على طول تلك الحدود..
ورغم تميز تلك الأراضي بزراعة الحمضيات والزيتون، إلا أن قوات الاحتلال الإسرائيلي حولتها لمناطق جرداء صحراوية، خالية من نشاط إنساني، وحتى المواطنون محظور عليهم السير أو العمل في تلك المناطق كما يقول المزارع "أحمد"، مشيرا إلى أن قوات الاحتلال تقوم بتجريف أي أراضي يتم زراعتها بأشجار الحمضيات أو أي نوع أخر من الأشجار ما بعد 500 متر التي حظرت فيها الزراعة، بينما تسمح بزراعة تلك الأراضي بالخضروات.
ويوضح أن قوات الاحتلال جرفت أرضه بالكامل خلال الحرب الإخيرة ومنعته من زراعة الجزء الواقع من أرضه ضمن ال 500 والبالغة نحو اثنا عشر دونماً نهائياً حتى أنها باتت ارض جراء تماماً، بينما باقي أرضه يقوم بزراعتها بالخضروات وليس بأشجار الحمضيات كما كانت مزروعة سابقاً خشية تجريفها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي..
ويقدر المزارع "أحمد" الأضرار التي تعرضت لها ارضه بنحو 55 ألف دولار، لم يتم تعويضه منها سوى ببعض أشتال الخضروات وبعض المستلزمات الزراعية..
تجريف وتغيير تضاريس غزة
وعندما لم تفلح قوات الاحتلال الإسرائيلي على مدار 35 عاماً، في القضاء على شهرة قطاع غزة بالحمضيات من خلال التضييق على مزارعي الحمضيات الفلسطينيين ومنعهم من تصديرها لأنها افضل من الحمضيات الإسرائيلية، لجأت كعادتها لإستخدام القوة من خلال تغيير تضاريس قطاع غزة الجغرافية وتجريف أكثر من مليون وستمائة ألف شجرة حمضيات على مساحة 40 ألف دونم من الحمضيات خلال السنوات العشر الماضية والواقعة في المناطق الملاصقة للحدود الفاصلة بين قطاع غزة ومناطق الخط الأخضر حسب إحصائيات رسمية..
فهذا المزارع "صلاح جحيش" تعرضت أرضه البالغ مساحتها نحو خمسة عشر دونماً في عام 2006 للتجريف من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال إحدى الإجتياحات شرقي رفح والمزروعة بالحمضيات، كما وقامت قوات الاحتلال بتجريف قطعة ارض أخرى له في منطقة الشيخ عجلين في غزة مزروعة بالحمضيات وتبلغ مساحتها نحو دونم ونصف الدونم..
ويقدر المزارع "جحيش" الخسائر التي تعرض لها جراء تجريف قوات الاحتلال الإسرائيلي لأرضه بنحو 32 ألف دولار، ولم يحصل على أي تعويضات سوى أشتال الحمضيات وبعض المستلزمات الزراعية..
ويقول المزارع "جحيش" نتيجة حظر قوات الاحتلال الإسرائيلي الاقتراب أو الزراعة لمسافة نحو 500 متر بالقرب من الحدود شرق رفح بحجج أمنية، تحولت أراضيهم إلى أراضي صحراوية، وعدد من المزارعين استشهدوا أو أصيبوا بنيران قوات الاحتلال عندما حاولوا إعادة زراعة أراضيهم..
ويضيف لقد تمكنت من إعادة زراعة جزء من أرضي غير الموجودة في المنطقة المحظور فيها الزراعة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي بأشجار الحمضيات، وبدأ شجر الحمضيات يثمر، معرباً عن خشيته من إقدام قوات الاحتلال على تجريفها عندما يكبر الشجر كما حدث لعدد من المزارعين..
تناقص الأراضي المزروعة بالحمضيات
ونتيجة إجراءات قوات الاحتلال الإسرائيلي التعسفية على مدار 45 عاماً تحول قطاع غزة من مصدر للحمضيات إلى مستورد لها، وتناقصت الأراضي المزروعة بالحمضيات من 72 ألف دونم في ثمانينات القرن الماضي في قطاع غزة، إلى نحو 14 ألف دونم 9 ألاف دونم منها فقط مثمرة..
ويقول المزارع "خليل زعرب" يوجد هناك تناقص كبير في إنتاج الحمضيات وخصوصاً البلنسية المخصصة للعصير، كما أن الأنواع الأخرى من الحمضيات كالشموطي وأبوسرة قليلة، وكل ذلك يرجع لاستهداف قوات الاحتلال لأراضي الزراعية عموماً وخاصة الأراضي المزروعة بالحمضيات، مشيراً إلى انه في عام 2006 جرفت قوات الاحتلال له ثلاثة دونمات ونصف الدونم غالبيتها كانت مزروعة بالحمضيات، ولم يحصل سوى على مساعدة من جمعية الإغاثة الزراعية عبارة عن أشتال حمضيات وبعض المستلزمات الزراعية..
وقدر المزارع "زعرب" خسائره وفق تقديرات رسمية من وزارة الزراعة بنحو 7500 دولار..
ويقول نائب مدير عام الإرشاد والمكلف بملف الحمضيات بوزارة الزراعة المقالة م. "فتحي أبو شمالة" إن قوات الاحتلال الإسرائيلي قامت بتجريف 40 ألف دونم مزروعة بالحمضيات خلال العشر سنوات الأخيرة، من أصل 72 ألف دونم كانت مزروعة بالحمضيات..
ويقول "أبو شمالة" كما وتناقصت الأراضي المزروعة بالحمضيات في قطاع غزة إلى نحو 14 ألف دونم، 9 ألاف دونم منها فقط مثمرة، بعد أن كانت نحو 72 ألف دونم في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، الأمر الذي أدى إلى تناقص الإنتاج من الحمضيات من 275 ألف طن سنوياً إلى 27 ألف طن فقط،..
ملوحة المياه والزحف العمراني
ورغم أن اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي وتجريفها 40 ألف دونم مزروعة بالحمضيات تعد احد العوامل الرئيسية لتراجع إنتاج الحمضيات في قطاع غزة، إلا أن ملوحة المياه وتفتت ملكية الأراضي والزحف العمراني تعتبر أيضاً من العوامل التي ساهمت في تناقص الأراضي المزروعة بالحمضيات،
ويقول م. "ابو شمالة" إن تجريف قوات الاحتلال الإسرائيلي تجريف 40 ألف دونم مزروعة بالحمضيات إضافة إلى عوامل أخرى كملوحة المياه وتفتت ملكية الأراضي والزحف العمراني، حتى باتت الأراضي المزروعة بالحمضيات لا يتعدى إنتاجها 80% من احتياجات قطاع غزة، بينما كان قطاع غزة في السابق من المصدرين الرئيسيين للحمضيات..
ويشير "أبو شمالة" أن زراعة الحمضيات خصوصا تحتاج لمستلزمات زراعية معينة ونتيجة النقص الكامل لها فقدت الحمضيات هويتها داخل قطاع غزة، ويوضح ان قطاع غزة الذي كان يصدر 90% من إنتاجه أصبح بحاجة إلى استيراد الحمضيات ليسد العجز في احتياجاته..
ويقول المزارع والتاجر "محمد عواد" من سكان غزة الذي يمتلك من الأرض 8 دونمات, إن إنتاج قطاع غزة من الحمضيات لم يعد يكفي للاستهلاك المحلي، فقوات الاحتلال قامت بتجريف ما يقارب سبعة دونمات من أرضنا مما أدى إلى قلة الإنتاج، ولم نعد نصدر أي شيء للخارج..
ويشير "عواد" الى انهم كانوا يقوموا بتصدير معظم إنتاج أرضنهم البالغ ثمانية أطنان من الحمضيات والمتمثلة بالبرتقال والجرافوت والليمون والكلمنتينة وأبوسرة، ولكنهم الان لا يصدروا شيئاً..
الحمضيات المصرية تغزو غزة
ومع قرب بدء موسم الحمضيات من شهر أكتوبر وحتى شهر يونيو من كل عام، تعمل الجهات الرسمية لتشجيع المزارعين من خلال حظر استيراد الحمضيات من داخل الخط الأخضر، إلا أن الحمضيات المصرية بدأت تغزو الأسواق في قطاع غزة عبر تهريبها من خلال الأنفاق التي تنشط على الحدود الفلسطينية المصرية..
ويقول م. "ابو شمالة" نقوم بمنع استيراد الحمضيات الإسرائيلية من اجل دعم المزارع الفلسطيني وتشجيعه على إعادة زراعة أرضه..
وأصناف الحمضيات التي يشتهر قطاع غزة في زراعتها هي الفلنسية التي باتت مهددة بالانقراض، وشموطي، وأبوسرة، والليمون، والكلمنتينة، ومخال، جرين فروت، والبوملي، وبعض المنوعات مثل النوفا وغيرها، ويكون موسمها ما بين شهور أكتوبر تشرين أول ويونيو حزيران..
ويشير "أبو شمالة" إلى أن الحمضيات المهربة عبر الأنفاق من الأنواع الرديئة والسيئة، فيما اشتكى عدد من المواطنين أن بعض الأنواع كانت تأتي مخشبة وليس بها أي مياه ولا تصلح للأكل..
ويقول التاجر "خالد عبد العزيز" هناك أنواع جيدة من الحمضيات يقوم التجار الإسرائيليين بعرضها علينا بأسعار زهيدة جدا لكننا لم نحصل على تصاريح لاستيرادها.
إرتفاع الأسعار
ونتيجة لتناقص إنتاج الحمضيات، أصبح أهالي قطاع غزة يعانون من ارتفاع أسعارها وخاصة الليمون الذي يتم قطفه في غير موعده لتغطية احتياجات السوق..
وتقول الحاجة "وطفة هاشم" أن الليمون يعتبر من الأساسيات في المطبخ، لأنه لا يمكن الاستغناء عنها ولكن ارتفاع أسعاره وقلة جودته جعل كثير من البيوت في غزة تستغني عنه..
ويبلغ سعر كيلو الليمون نحو سبعة شواقل، أي أن سعره يضاهي أسعار الفواكه..
وختاماً،، هل سيصنع مزارعونا المعجزة ويستطيعوا اعادة قطاع غزة لسابق عهده من حيث اشتهاره بزراعة وتصدير الحمضيات
إستمع الآن