فوضى في الاسواق .. تجار "الشمال" يبيعون سلعهم الى العالم الثالث باسعار مغرية بدل من خسارة اتلافها
عمان – محمد ابوعريضة -
أعد هذا التقرير بدعم من مشروع مضمون جديد باشراف الصحفي لقمان اسكندر.
تكثر عروضهم نهاية كل شهر.. ولكن أيام الاسبوع الأخرى لا تخلو من إغراء أيضا، فما الذي يدفع تاجر الى بيع سلعة بسعر تعلم ربة المنزل تماما ان سعرها الحقيقي أضعاف ما هو معروض؟
تقف سيدة أمام رفوف هرمية تزدحم فيها "سلع العروض" يسيل اللعاب من اسعارها.. ما ستقوم به ربة البيت انها ستشتري كل ما تسمح به محفظتها من هذه السلع.. من دون ان تسأل نفسها ان كانت بحاجة حقيقية لها ام لا؟
وفي حال سألت نفسها عن سبب انخفاض السعر فان الاجابة السريعة ان التاجر يريد "قلب" سلعه وتحريك رأس المال الذي لديه.. ولكن هل هذا صحيح؟
الكثير من المخابز تعرض غير سلعة الخبز الكثير السلع على رأسها أنواع الشوكالاتات السائلة وغير السائلة من الماركات العالمية، وباسعار تكاد تكون مجنونة لسعرها المنخفض. وهذا ما تفعله الكثير من المولات ايضا. فما الذي يجري؟ وهل أفاق بعض التجار فرأوا ان يرحموا المواطن؟ ام ان هناك معادلة ربحية اخرى تغيب عن ذهن المستهلك سيحقق فيها التاجر ارباحا تتجاوز الارباح التي يحققها تاجر اخر يبيع ذات السلع باسعار مرتفعة؟
كلمة السر بالنسبة الى البعض في "مدد صلاحية السلع" التي غالبا ما تكون قد انتهت او قاربت من الانتهاء وهو ما يصفه خبراء تسويق "بعمليات احتيال لاسترجاع رأس المال على الأقل".
يقول "أبو اسماعيل" وهو صاحب مخبز يكتفي ببيع كل ما يخبز: السر في مدة صلاحية السلع المباعة، وطريقة شراءها من التجار في الخارج والداخل.
أنت امام ماركات مشهورة من الشكولاتة أو العصائر أو الجبن أو البسكويت، بل وربما الاجبان، والمعلبات بجميع اصنافها. هي اطعمة يفترض ان تكون آمنة .. وآمنة جدا.
خلال العامين الماضيين انتشرت بشكل كبير اصناف كثيرة من المواد الاستهلاكية غير الضرورية من ذوات الماركات العالمية الشهيرة، والتي لفتت انظار المواطنين لاسعارها المنخفضة جدا.
وتصل انخفاض اسعارها في بعض الاحيان الى 50% من سعرها الحقيقي في الاسواق المحلية. واعتاد المواطنون على طرح "مولات" ومخابز ومحلات تجارية مختلفة هذه الاصناف على شكل عروض وتلقى اقبالا شديدا من الجمهور في عمان الغربية وفي الشرقية ايضا.
ما يجب ان يسأل المواطنون أنفسهم هو هل هم أمام تخفيضات مجنونة لاسعار سلع مغرية ام اننا امام تخفيضات وهمية تهدف الى بيع السلع باسرع وقت ممكن؟
رغم ان "ابو اسماعيل" لا يبيع تلك الاصناف الا انه نفى لمشروع مضمون جديد ان يكون هناك رغبة في توريط المواطنين بشراء أصناف من السلع غير الضرورية التي صلاحيتها على وشك والانتهاء عبر طرحها في المخابز. ويقول "إن المخبز يبيع الخبز، وربما اشياء اخرى ولكن الاهم الخبز، وما يرغب في اي تاجر هو مزيد من الربح".
خبراء التسويق يعلمون ان الخبز هنا ماهو الا طعم لسنارة التاجر فإن حاجة الناس الماسة لشراء الخبز مدخل موضوعي لوضعهم في حالة ضعف امام منتجات شهية الطعم مغلفة بشكل مغر وجميل، ولانها في الوضع الطبيعي ليست في متناول يد معظم المواطنين بسبب غلاء اسعارها وتباع في امكان طرح "العروض" عليها باسعار مناسبة فان سياق التوريط يكون مكتملا من بين عشرة مواطنين رصدهم التقرير دخلوا مخبز في عمان الشرقية يبيع هذه الاصناف من المنتجات اشترى اثنان منهم الخبز فقط فيما اشترى واحد كميات من الشيكولاتة، واصناف اخرى من دون ان يشتري الخبز بينما اشترى الباقون خبزا واصناف اخرى من السلع المعروضة.
أي ان 70% من الزبائن وقع ضحية شراء هذه المنتجات المعروضة في رف الاسعار المخفضة. ومن المعروف ان الكثير من هذه السلع غريبة عن أفواه المواطنين ولم يكن يعرفها اباءهم، وهم اليوم ومن خلال ممارساتهم الاستهلاكية يكادون لا يستغنون عنها، او هكذا يشعرون.
وتكمن خطورة هذه المواد انها بطبعها تبقى فترة طويلة في "رف مطابخ الاسر" ما يعني أن هناك عواقب وخيمة على صحة افراد الاسر كون صلاحيتها للاستهلاك على وشك الانتهاء.
الدكتور غسان تلاحمة نصح المواطنين بتحصيل حد معقول من الوعي الغذائي لفهم بيانات البطاقة الغذائية لتحديد ما يناسبه وما لا يناسبه مشيرا لنشر إدارة الزراعة الأميركية دليلا إرشاديا حول تخطيط الوجبات الغذائية وفقا للسعرات الحرارية في الأغذية.
وأضاف إن أهم ما يجب ان يسجل على العبوات الغذائية هو مدة الصلاحية وبيانات القيمة الغذائية التي تشمل كمية الطاقة، ونسب الدهون والبروتينات والمعادن والفيتامينات والألياف كون الغذاء هو مصدر الطاقة لجسم الإنسان، داعيا الى ممارسة عادة دائمة بالتأكد من صلاحية المنتج والتعاون لحماية المواطنين من المخاطر ووقاية للمستهلك والحماية من التعرض للأغذية غير المباحة شرعاً وقانوناً. وأكد على حق انساني مبدئي في الحصول على الغذاء الآمن والسليم من المخاطر والحصول على السلع الغذائية المطابقة للمواصفات الدولية والمحلية وحقه.
ويدرك "أبو انس" صاحب أحد المخابز الذي اكتفى بتعريف نفسه بهذه الكنية أن المواطنين الذين يأتون الى مخبزه لشراء الخبز يجدون انفسهم في حالة من الاستلاب تدفعهم الى شراء منتجات لا يحتاجون اليها او ليست ذات اهمية لهم في تلك الفترة وذلك على حساب متطلبات اسري اخرى لها أهمية كبرى.
ابو انس كما يقول لا يضرب الزبون على يده لاجباره على شراء السلع المعروضة على رفوف مخبزه فهل المنطق الذي يورده صاحب المخبز صحيح؟ وهل يمكن ان تستقيم احوال الناس ما دامت الاسواق في فوضى عارمة كما يقول رئيس الجمعية الوطنية لحماية المستهلك الدكتور محمد عبيدات؟
قبل الاجابة عن السؤالين السابقين لا بد من معرفة الظروف التي دفعت كميات ضخمة من المنتجات الاوروبية والامريكية واليابانية والكورية الى الاسواق المحلية وهي منتجات غير ضرورية للاسر وخاصة ذات الدخول المتوسطة والمحدودة.
وتحدث مستورد اردني مع كاتب هذه السطور مطولا في هذا الشأن ولكنه لاسباب موضوعية رفض الكشف عن هويته.
يقول هذا المستورد لمشروع مضمون جديد ان الازمة الاقتصادية العالمية التي تأثرت بها كل اقتصاديات العالم افرزت صنفي جديدين من التجارة ، أولهما عدد من الاردنيين كانوا يعيشون في الولايات المتحدة الامريكية او في دول اوروبية وجدوا أن حياتهم في تلك الدول ليست ذات جدوى في ظل ظروف عمل صعبة، فعادوا الى الاردن وبضعهم شحن معه كميات من السلع الاستهلاكية كانت لديه في المستودعات او اشتراها باسعار زهيدة واخذ يتاجر بها.
وثانيهما تجار ومستوردون انتهزوا فرصة تكدس كميات ضخمة من البضائع في مستودعات الشركات الصناعية والتجارية على السواء في الدول الغنية بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطنين هناك فاخذوا يشترون منها كميات باسعار "محروقة"، اضافة الى ان تجار اجانب ولدى قرب انتهاء مدد صلاحية السلع لديهم يقومون ببيعها الى دول العالم الثالث، ومنها أخذت هذه السلع تدخل الاسواق المحلية كميات ضخمة من أصناف الشوكالاته والبسكويت والعصائر والكيك والاجبان واصناف اخرى معلبة اغلبها تكون صلاحيتها على وشك الانتهاء، ومع ان مؤسسة الغذاء والدواء وعلى لسان الناطقة الرسمية باسمها د. هيام دباس تؤكد ان دخول السلع المستوردة كافة يخضع لشروط صارمة، التي من ابرزها شرط عدم تجاوزها ثلث مدة صلاحيتها للاستهلاك البشري الا ان هذا الشرط وفق عبيدات يتم تجاوزه كما يتجم تجاوز عدد غير قليل من الاشتراطات والمتطلبات الاخرى.
حماية المستهلك
يقول عبيدات ان الجهات الرقابية على الاسواق هي: مؤسسة الغذاء والدواء واقسام الصحة في مناطق امانة عمان والبلديات ومؤسسة المواصفات والمقاييس إضافة الى دائرة الجمارك العامة وهي جهات لا تقوم بعملها بشكل صحيح.
ويضيف الجهات الاربعة اما غير مكترثة اوغير ملمة بالنتائج الكارثية التي تسببها المواد الاستهلاكية غير المطابقة للمواصفات الاردنية ولمتطلبات الصحة العامة.
يكفي التجول في الاسواق كما يقول لاكتشاف مقدار الفوصى فيها فعشرات الاصناف من دون بطاقات بيان باللغة العربية بل بلغات دول المنشأ وهذه معروضة بشكل واضح في "المولات" الكبيرة والصغيرة بعشرات الاصناف وبكميات كبيرة مكدسة على الارفف ولم يتبق من مدة صلاحيتها للاستهلاك سوى ايام، وعندما يناقش عبيدات وفقا له ادارات هذه المولات بخصوص هذه الاصناف، فانهم يتحدذون بمنطق غريب فهم يبررون ذلك بقولهم ان المواصفات في الدول الغربية تحدد مدة الصلاحية اقل من الاردن. وهذا يعني ان انتهاء مدة صلاحية المنتجات لا يعني بالضرورة انها لم تعد قابلة للاستهلاك البشري.
عبيدات يطالب الحكومة الحالية التي تقول انها انفتحت على الجميع الاسراع في التحقيق مع المقصرين من مسؤولي الجهات الرقابية الثلاث ومن مسؤولي الجمارك العامة، فحسبه يتحدث تجار عن سهولة ادخال اية بضائع عبر المنافذ الجمركية وان ما كان سائدا في السنوات السابقة عن التشدد لدى العاملين في هذه الجهات لم يعد موجودا. ويختم عبيدات بتذكير من يهمه الامر أن بعض موظفي الجمارك والمواصفات والمقايسس والغذاء والدواء يأخذون عينات كثيرة لفحصها للتأكد من سلامتها وان هذه العينات تذهب الى اماكن اخرى غير مختبرات الفحص.
أخيرا نسأل أنفسنا: هل نحن بالامكان أن نطمئن من أننا محميون غذائيا؟
إستمع الآن