غزة : تلوث مياه قطاع غزة يهدد بانتشار الأمراض لدى الأطفال ..400 وحدة تحلية مياه تعمل بلا ترخيص ودون رقابة

الرابط المختصر

غزة - حسن دوحان - مضمون جديد

أمام بئر مسجد النور في حي تل السلطان برفح، يصطف عشرات المواطنين والصبية يومياً حاملين الصفائح والزجاجات لتعبئتها بالمياه بعدما أصبحت المياه التي تأتي عبر خطوط المياه الرئيسية لا تصلح للشرب أو الطهي لملوحتها وتلوثها..المواطن محمد توفيق (55) عاماً، بعدما قام بتعبئة أنبوبة كبيرة بمياه عذبة من بئر مسجد النور، حملها على أكتافه لمسافة نحو مائتي متر للوصول إلى منزله لتوفير تلك المياه لعائلته التي تشكو من ملوحة التي تصلها.

ويقول توفيق "لا أثق بمياه محطات التحلية، وليس لدي إمكانية لحفر بئر في منزلي كما فعل كثيرون، ولذلك اضطر يومياً بعد صلاة العصر لتعبئة أنبوبتي بالمياه وحملها إلى المنزل متحملاً كل هذا العناء والتعب، ولأنني اطمئن إلى مصدر المياه"، مشيراً إلى مسجد النور عندما نقصت المياه العذبة قام بحفر بئر أكثر عمقاً للوصول إلى المياه العذبة بتبرع من أهل الخير.

ويضيف توفيق "لقد أصبحت المياه التي نشتريها من مصلحة المياه لا تصلح سوى للاغتسال والأعمال المنزلية الأخرى، فحتى عند استخدامها في الغسالات فان الملح الموجود فيها يؤدي إلى أعطال كثيرة في الغسالات وأحياناً تلفها.

أبار خاصةولجأ المواطنون لحفر الأبار في منازلهم أو المساجد والأماكن العامة في محاولة للتغلب على ظاهرة نقص المياه وملوحتها، وتحولت عملية حفر الأبار في المنازل والمساجد والأماكن العامة أو المشاريع الخاصة إلى ظاهرة في قطاع غزة.

المواطن عبد العزيز إبراهيم قام بحفر بئر مياه في أرضه التي تبعد عن منزله في غرب رفح حوالي 600 متر، وأجرى كافة التمديدات اللازمة من برابيش من اجل إيصال المياه العذبة إلى آهل بيته، وجعلهم لا يحتاجون المياه المالحة التي تضخها مصلحة المياه كل أربعة أيام وتحتاج إلى "مواتير ضخ" من اجل رفعها إلى خزانات المياه المتواجدة على أسطح منازلهم.

ويقول إبراهيم "لقد كلفني حفر بئر خاص حوالي ثلاثة الآلاف دينار أردني عدا تكلفة الإمدادات من برابيش وغير ذلك، ولكن كما يقول المثل المضطر يركب الصعب، وصراحة لم نعد نثق بالمياه التي تصلنا، إضافة إلى أنها تأتي على فترات متباعدة وفي الليل ونحن نائمين ولا نستطيع تشغيل مواتير الضخ، وما أن نصحو من النوم حتى نجدها قد قطعت ونجلس أياماً نعاني بدون مياه، فوجدت الحل بحفر البئر.

مواتير ضخ وخزانات مياهوباتت منازل قطاع غزة لا تخلو من مواتير ضخ المياه، لأنه بدونها لا يمكن أن تصل المياه إلى خزانات المياه الموجودة أعلى أسطح المنازل، عدا عن اضطرار المواطنين لشراء عدد من الخزانات الكبيرة لمواجهة انقطاع المياه لثلاثة أو أربعة أيام متتالية.

ويقول المواطن سمير جبر (65) عاماً "لم نعد نحتمل كل تلك المعاناة في الحياة، فكل فترة نكتشف أننا بحاجة إلى أشياء لم تكن في الحسبان، فبعد أن كنا نكتفي بخزان مياه واحد صغير لان المياه تأتي على مدار اليوم أصبح لدينا سبعة خزانات مياه كبيرة الحجم تتسع لسبعة الآلاف لتر لكي تكفي فترة انقطاع المياه، ففي بيتنا سبعة اسر".

ويضيف جبر الذي يقطن في دير البلح "ومن اجل رفع المياه إلى على سطح المنزل، قمنا بشراء ماتور ضخ وماتور توليد كهرباء، وألان يلح أبنائي من اجل حفر بئر مياه أسوة بعشرات الجيران الذين فعلوا ذلك..محطات التحليةورغم عدم ثقة المواطنين بمحطات تحلية المياه التي تعمل بدون أي رقابة، وتقوم بعملية التحلية بطرق مشكوك بها، إلا أنهم يشترون المياه منها مكرهين نتيجة الملوحة الزائدة في مياه البلدية.

ويعلل المواطن ناصر علي شراء المياه من محطات التحلية بان المياه التي تصلهم غير صالحة للشرب بسبب ملوحتها، ويقول ولذلك أقوم بشراء ماء من الباعة المتجولين..وتعمل في قطاع غزة عشرات محطات تحلية المياه دون أي رقابة، حتى بات أصحابها يروجون بضاعتهم من المياه طباعة متجولين في الشوارع، ولهم موسيقى خاصة يستخدمونها ما أن يسمعها المواطنين حتى يخرجوا منادين عليهم لملاً خزاناتهم.

وتعتمد شريحة كبيرة من أهالي غزة على تركيب الفلاتر الخاصة بالمياه في منازلهم ولكنهم يشكون أن فلترة المياه لا تؤدي إلى عذوبتها ولكنها تنقيها فقط من الشوائب وجزء من الملوحة، ويقول المواطن عصام حمادة "لعدم ثقتي في السيارات التي تبيع المياه، قمت بتركيب فلتر في منزلي، وهناك تحذيرات بان الفلتر يمتص الحديد والكالسيوم الموجود في المياه ولكن لا نعرف ماذا نفعل ؟!!

وتمتد أزمة المياه إلى كارثة ارتفاع معدلات تلوثها في قطاع غزة مما يجعلها غير صالحة للاستهلاك الأدمي.. ويقول مدير معهد المياه والبيئة في جامعة الأزهر د. عدنان عايش "95% من مياه قطاع غزة لا تناسب الاستهلاك الأدمي، فالأملاح والنيترات في مياه قطاع غزة أعلى من المعدل الذي حددته منظمة الصحة العالمية، لذلك تم اللجوء إلى محطات تحلية المياه، والتي أثبتت أبحاث علمية أن 30% منها محطات ملوثة.

ويشير د. عايش إلى وجود 60 محطة تحلية غير مرخصة في قطاع غزة وتعمل دون رقابة، بينما يؤكد رئيس مصلحة مياه بلديات الساحل منذر شبلاق وجود ما بين 300 أو 400 وحدة تحلية دون أي رقابة عليها، مشيراً إلى انه ليس من صلاحية مؤسسته الرقابة على تلك المحطات وإنما هي صلاحية وزارة الصحة وسلطة المياه.

وأوضح شبلاق وجود سبعة محطات تحلية رسمية مرخصة من بينها محطة لتحلية مياه البحر، وأما المحطات المنتشرة في قطاع غزة بالعشرات فهي غير مرخصة..فواكهه بلا حلاوةوتحولت فواكهه وخضروات الصيف المشهود بطعمها الحلو إلى فواكهه ذو لون ملائم وطعم يفتقد للحلاوة لأنها باتت تزرع في أراضي نفذ مخزونها الجوفي من المياه العذبة..فالبطيخ والشمام والجوافة والخضروات أصبحت بلا طعم كما يقول المواطن "حمادة"، ويضيف لم نعد نتذوق طعم أي شيء، فالخضروات لا تكبر سوى على أنواع الكيماويات التي تسبب الأمراض لاحقاً، والفواكه أصبح الاهتمام بشكلها أكثر من طعمها.

ويعاني قطاع غزة من عجز كبير في المخزون الجوفي المصدر الوحيد للمياه نتيجة سحب كميات كبيرة سنوياً منه، الأمر الذي يهدد القطاع بكارثة مائية وصحية..ويقول منذر شبلاق التناقص في مياه الخزان الجوفي جاء نتيجة زيادة في السحب من الخزان الجوفي وهو ما سبب حالة عدم توازن في ميزان المياه", منوهاً إلى أن ما يتم أخذه من الخزان الجوفي أكثر بكثير مما يتم تجميعه من الأمطار أو مياه الصرف الصحي للمعالجة.

وأوضح شبلاق أن "استهلاك قطاع غزة من المياه وصل لحوالي 180 مليون متر مكعب في العام سواء للاستخدام المنزلي أو الصناعي أو الزراعي", في حين ما يعود للخزان الجوفي كمصادر متجددة لا يتجاوز 80 مليون متر مكعب في العام".

ويشير إلى وجود عجز سنوي بمقدار 100 مليون متر مكعب، مما أدى إلى ظاهرة زحف مياه البحر إلى عمق الخزان الجوفي, لافتاً إلى أن خطر الملوحة امتد على مساحة 100 كيلو متر من طول وعرض قطاع غزة. وعبر شبلاق عن استيائه من قيام المواطنين بحفر آبار منزلية بأعداد تصل إلى 10 آلاف بئر؛ مما أدى إلى تسارع استهلاك المياه.

ويشير مدير معهد المياه والبيئة في جامعة الأزهر د. عدنان عايش إلى أن موضوع تحلية المياه يعمل استنزاف للخزان الجوفي، ويؤدي إلى تداخل مياه البحر وزيادة نسبة الأملاح، مشدداً على ضرورة مراقبة محطات التحلية.

وتتعرض مياه قطاع غزة لعملية قرصنة على طول الحدود الشرقية من خلال وجود السدود على واديي غزة وبيت حانون في الجانب الإسرائيلي، إضافة إلى أكثر من 25 بئر استرجاعي أو ما تسمى ب "المصائد المائية.

ويقول رئيس مصلحة مياه بلديات الساحل منذر شبلاق، " تتم عملية السيطرة على مياهنا خلال موسم الشتاء من خلال إقامة السدود على واديي غزة وبيت حانون، إضافة إلى الأبار الإسترجاعية، مشيراً إلى أن الأبار الإسترجاعية تنهب ما بين 15 إلى 20 مليون متر مكعب من المياه ولكنها لا تسد العجز الذي يصل إلى 100 مليون متر مكعب مياه.

ويشير مدير معهد المياه والبيئة في جامعة الأزهر د. عدنان عايش إلى وجود نحو 25 بئر (مصائد مائية) في الجانب الإسرائيلي على طول الحدود الشرقية مع قطاع غزة، لمنع وصول المياه إلى قطاع غزة..أمراضويتسبب زيادة النيترات بالعديد من الأمراض للأطفال وكبار السن، كهشاشة العظام والسرطان وغيرها.

وكانت مراكز دولية لأبحاث البيئة ،أصدر دراسات تؤكد أن تحاليل عينات مياه الشرب في قطاع غزة أثبتت وجود نسبة عالية من مادة النيترات المؤكسدة التي تؤدي إلى أضرار صحية لدى الأطفال الصغار، فعلى سبيل المثال المياه التي لا تحتوي على الكالسيوم والماغنيسيوم تسبب مشاكل صحية لشاربها وقد تؤدي إلى أمراض قلبية منوهة إلي انه بدأت تظهر أعراض مرضية لدى الأطفال حديثي الولادة بسبب نقص عنصري الكالسيوم والماغنيسيوم.

ويقول د. عايش " سكان قطاع غزة يزدادون بنسبة 3.5% سنوياً، مما يؤدي إلى تناقص المياه العذبة، وزيادة النيترات في المياه يؤدي إلى وجود زرقة عند الأطفال ودوخة، وقد تؤدي إلى السرطان، إضافة إلى أن استخدام مياه التحلية يؤدي إلى مرض هشاشة العظام لان تلك المياه تفقد عنصري الكالسيوم والماغنيسيوم.

تحلية مياه البحروفي ظل تفاقم أزمة المياه في قطاع غزة، يتداول بعض المواطنين فكرة تحلية مياه البحر وغيرها من الحلول، دون وجود أدنى أمل لديهم بتحول أمالهم إلى واقع.

ويقول شبلاق "لقد تم العمل في محطة لتحلية مياه البحر، لكنها وحدها لا تكفي، فنحن بحاجة إلى محطات لإعادة إنتاج وتحلية مياه الصرف الصحي، وتجميع مياه الأمطار وغيرها من المشاريع ومن بينها عدم استهلاك المخزون الجوفي من اجل إعادته لوضعه الطبيعي.. ودعا د . عايش إلى وضع خطة لترشيد استهلاك المياه، ومعالجة مياه الصرف الصحي، وإعادة حقنها في الخزان الجوفي، واستغلال مياه الأمطار، وإدارة سليمة للمياه خلال المرحلة المقبلة.

فاقم أزمة المياه وتلوثها في قطاع غزة، باتت تثير الذعر لدى المواطنين من تفشي الأوبئة والأمراض في المجتمع بكامله، الأمر الذي يدعو لوقفة جادة من اجل وضع إستراتيجية طويلة المدى للتغلب على نقص وتلوث المياه.

أضف تعليقك