غبار المعامل يقتل اشكال الحياة في المقابلين و"الامانة" تماطل بالحلول

عمان - طارق الدعجة - مضمون جديد

اصيبت حليمة خالد باليأس، ثم بالربو وهي لا تزال تنتظر تنفيذ المسؤولين لوعودهم بتخليصها وسكان المقابلين جنوب شرقي عمان من معامل الطوب ومناشير الحجر التي فتكت بصحتهم وحولت منطقتهم الى ارض يباب بعدما كانت جنة ومقصدا للمتنزهين.

ومع اشتداد وطأة الربو، طلب الطبيب من هذه المرأة الستينية اقتناء جهاز بخار من اجل استخدامه عندما تهاجمها نوبات المرض التي باتت تتكرر بكثرة بفعل الهواء الذي لبدته هذه المعامل والمناشير بالاتربة وغبار الاسمنت والكلس.

وتتناثر المعامل التي تعود بدايات ظهورها في المقابلين الى ثمانينات القرن الماضي، على مساحة تزيد على 300 دونم.

وهي لا تبعد سوى بضع عشرات الامتار عن منازل السكان، وفي بعض المواقع تجدها لا تبعد سوى امتار قليلة.

ومنزل حليمة واحد من المنازل القريبة جدا من المعامل. وهو قد اصبح كالسجن كما تصفه، حيث انها لا تسطيع فتح النوافذ بسب الاتربة والضجيج.

وتضيف انها تضطر يوميا الى تنظيف زجاج النوافذ لازالة الاتربة التي تغطيه لدرجة تكاد تحجب الرؤية ونفاذ نور الشمس.

وتشير حليمة الى حديقة بيتها الجرداء، وتقول انها لا تستطيع زراعة اي نوع من النباتات او الاشجار حيث ان اتربة وغبار المعامل سرعان ما تهلكها.

وتناشد حليمة المسؤولين في امانة عمان الوفاء بوعودهم المتكررة بترحيل المعامل خارج المقابلين رحمة بصحة السكان.

امراض وشكاوى

ومن جهته، يؤكد الخمسيني حسام النابوت ان معظم افراد عائلته السبعة يعانون من "حساسية وسعال شديد بسبب استنشاقهم للهواء الملوث بالرمال والادخنة" الناتجة عن الالات التي تستخدم في المعامل.

ويضيف ان "انتشار معامل الطوب ومناشير الحجر اسهم ايضا في تشوية المنظر الجمالي للمنطقة، اضافة الى دمار وموت الاشجار".

ويشير النابوت الى ان الاهالي تقدموا تكرارا بالشكاوى الى المسؤولين في امانة عمان من اجل ترحيل المعامل من منطقتهم.

ولكنه يقول انه "رغم الشكاوى المتكررة الا ان رد الامانة ظل على حاله، وهو أنها لا تزال تدرس الموضوع وانها توقفت عن منح رخص دائمة لاي معمل في المنطقة تمهيدا لترحيلها".

ولا تتوقف الشكوى عند الغبار والاتربة المتطايرة من القلابات ومن عملية تجميع وبيع الرمل في المنطقة، بل تتخطاها الى مشكلة الكلاب الضالة والجرذان والحشرات التي شكلت برك الماء المكشوفة والنفايات وبقايا الاطعمة التي يلقيها عمال المعامل في كل مكان، بيئة خصبة لتكاثرها.

وهناك ايضا التلوث الضوضائي الناجم عن معدات والات المعامل. وفي هذا السياق، فقد بينت دراسة اجرتها وزارة البيئة ان مستوى الضجيج الناجم عن هذه المعامل يزيد عن المستوى الطبيعي المامون بالنسبة للبشر.

وكما يؤكد رئيس جمعية اطباء الحساسية والمناعة هاني عبابنة فان "الرمال المتطايرة التي تحمل ذرات الاسمنت والكلس لها تأثير مباشر على صحة الانسان وتؤدي الى ظهور امراض الحساسية خصوصا عند الاطفال وكبار السن".

وحذر عبانية من ان "استمرار تعرض الانسان للهواء المحمل بذرات الاسمنت والمخلفات الاخرى من شأنه ان يؤدي الى حدوث الالتهاب الرئوي الحاد الذي ربما يتسبب بالوفاة على المدى البعيد".

وشدد عبابنة على "ضرورة قيام الحكومة بنقل مناشر الحجرية ومعامل الطوب بعيدا عن المناطق الماهولة كونها تشكل خطرا كبيرا على صحة الانسان في المديين القصير والبعيد".

وبحسب عبابنة، فان "في الاردن قرابة مليون شخص مصاب بمرض الحساسية، ومعظم الحالات ناتجة عن استنشاق هواء محمل بذرات الاسمنت والغبار الاخرى. وتزيد كلفة علاج مريض الحساسية عن 150 دينار شهريا".

نحن قبلهم

عند ظهور معامل الطوب ومناشير الحجر في هذه المنطقة لم يكن هناك سكان، وكانت مصنفة بوصفها صناعية وحرفية كما يؤكد احمد عبدالسلام وهو احد اصحاب المعامل.
ويوضح عبدالسلام "حصلنا على رخص عمل من امانة عمان في اوائل الثمانينات، وتحديدا قبل وجود السكان في المنطقة".

واعتبر الرجل الذي اسس معمله في المنطقة قبل 30عاما، ان الحكومة مسؤولية عن المشكلة، لانها سمحت للناس بالبناء فيها رغم انها غير مصنفة كمنطقة سكنية.

واشار الى ان امانة عمان بدأت قبل نحو اربعة سنوات بمنح رخص مؤقتة لمعامل الطوب تمهيدا لترحيلها وهو الامر الذي اعتبر انه "غير صائب كون المنطقة منظمة صناعي وليس سكني".

وحذر عبدالسلام من ان ترحيل المعامل سيلحق ضررا كبيرا بأصحابها وسبكبدهم خسائر فادحة.

وقال ان "معطم اصحاب المعامل يعيشون من وراء هذه الصناعة ولا يوجد لهم مصدر دخل اخر. وقرار ترحل معاملهم يعني تدميرهم".

ويقر أصحاب المعامل بالتلوث الذي يتسببون به ويهدد البيئة وحياة السكان. إلا أنهم يقترحون ترحيل المحاجر والمقالع ومناشير الحجر فقط، لتسببها بمعظم هذا التلوث، وابقاء معامل الطوب والبلاط باعتبارها اقل تلويثا وضجيجا.

وبحسب ما يؤكده الناطق الاعلامي باسم وزراة البئية عيسى الشبول فان "معامل الطوب ومناشير الحجر يفترض ان تكون خارج المناطق المؤهلة بالسكان وذلك حفاظا على صحة الاهالي المجاورين للمعامل اضافة الى حماية المنظر الجمالي للمنطقة.

وقال الشبول ان "الوزراة على تواصل مستمر مع امانة عمان لحل مشاكل التلوث البيئي والازعاج الناتج عن المعامل المنتشرة بين الاحياء السكنية في منطقة المقابلين".

واوضح ان "وزارة الببئة تقوم بدرورها الرقابي والاشرافي من خلال الفرق الفنية التي تقوم بزيارات مفاجئة للمعامل المرخصة في المنطقة للتأكد من التزامها بالاشتراطات البيئة المنصوص عليها في القانون".

ومن هذه الاشتراطات، كما يقول الشبول "التزام المعمل ببناء جدار حول معمله وضمان رش المكان الذي يعمل فيه بالماء بهدف التقليل من الغبار المحمل بالرمال والاتربة".

وفي المحصلة، يقر الشبول بان "وجود معامل الطوب ومناشير الحجر يؤثر سلبا على صحة الانسان والمنظر الجمالي للمنطقة اضافة الى مساهتمها في تدمير وموت الاشجار في الاماكن القريبة منها".

ترحيل معلق!

ومن جانبه، اكد المدير التنفيذي للتخطيط في امانة عمان المهندس سمير صبحي ان الامانة "تعمل منذ العام 2001 على امهال معامل الطوب ومناشير الحجر لتصويب اوضاعها".

وقال في اشارة الى التوجه الى ترحيل المعامل الموجودة في المقابلين الى مواقع حرفية وصناعية جديدة ان "هناك مناطق منظمة لهذه الغاية واضيفت اليها مناطق لتستوعب تلك الصناعات في سحاب والموقر والجيزة، اضافة الى موقع وادي العش ضمن حدود الامانة، وهو منظم منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي".

وكانت الامانة منحت اصحاب المعامل عدة مهل لتصويب اوضاعهم باتجاه ترحيلهم الى انحاء اخرى منها منطقة وادي العش، لكن المهلة جرى تمديدها مرة تلو الاخرى على ما يبدو، وذلك في ظل احتجاج اصحاب المعامل بانها بعيدة عن الشوارع الرئيسة وبان خدمات البنية التحتية فيها ضعيفة.

وكما يوضح بعض اصحاب المعامل، فان الترحيل في حال حصوله لن يشمل الجميع، حيث ستبقى بعض معامل الطوب والبلاط من اجل خدمة اهالي المنطقة، ولكن بعد ان يجري تأهيلها لتلبية الاشتراطات البيئية.

وتظهر الإحصاءات الصادرة عن أمانة عمان، إلى أن العدد الإجمالي للمنشآت التي لها علاقة بهذه الصناعة، يبلغ حوالي 1000 منشأة، بين منشار حجر ومعمل طوب وبلاط ورخام، ضمن المناطق الصناعية على مستوى مدينة عمان، وتبلغ نسبة المرخص منها حوالي 60%.
وكما تؤكد الامانة، فهي لم تمنح أي رخص جديدة لاقامة معامل طوب ومناشير حجر منذ ثلاث
سنوات تقريبا.

واشار صبحي ان بعض معامل الطوب ومناشير الحجر في المقابلين غير مرخص وتزاول المهنة بطريقة غير قانونية.

لكن المسؤول في الامانة لم يحدد موعدا لتنفيذ قرارات الترحيل الصادرة بحق المعامل، والتي يعود بعضها الى اكثر من عشر سنوات.

أضف تعليقك