عيادات في عمان تتحول لمسرح لممارسة الجريمة .. اكتفاء الأسرة بمراقبة أطفالها من دون تحصينهم ثقافيا يوسع دائرة انتشار الإجهاض

عمّان - إبراهيم قبيلات - مضمون جديد

أطباء يحولون عياداتهم خلسة من مكان يداوي جراح الناس إلى آخر يقيس الأمر بالدينار, حتى غدت عياداتهم من محجٍ لعلاج الناس الى مسلخ لقتل الاجنة.
كثر في الآونة الأخيرة لجوء فتيات ونساء إلى عيادات طبية بهدف الإجهاض; ما يضع القضية في صورة تبدو مأزومة أخلاقياً أمام الرأي العام.

أبو أمير يستذكر ما حدث مع صديقه خلال فترة الدراسة قبل حوالي تسع سنوات. يقول إن صديقه كان في علاقة غير شرعية مع طالبة جامعة فضت خلالها بكارتها, فوجدت لنفسها ملجاً البحث عن طبيب يرتق ما خسرته.

لم يكن هذا كل شيء فقد نبت في رحمها ثمرة آدمية لا حول لها ولا قوة في جرم والديها, فأضمرت الطالبة في نفسها قتل جنينها والخلاص منه; علّها تخفي بموته البذرة التي ستصمها بالعار مدى الحياة.
وبعد التحري وجدت ضالتها عند صديقتها, التي سرعان ما نصحتها بزيارة إحدى العيادات المختصة, وهو ما كان, فبادرت إلى حجز موعد مع الطبيب وبصحبة صديقها العاشق فوجدت الحكيم وقد أخذ مكاناً قصياً في غرفته, بادئاً حديثه للزائرة عن سهولة إجراء العملية في سياق تطمينها.

يسمي د. محمد الحباشنة, استشاري الطب النفسي, المرحلة التي يعيشها المجتمع اليوم بالمرحلة الانتقالية, من قيم اخلاقية مضطربة, الى قيم أخلاقية اكثر ثباتاً ورسوخا; ما يجعل المجتمع مجموعة غير متجانسة, ومختلفة بديمغرافيتها ومكوناتها, فضلاً عن تغيير في المفاهيم العامة تجاه الأشياء المقبولة اجتماعيا وأخلاقيا أو غير المقبولة. يقول : أصبح تعريف القيم غامضاً لدى الكثير من أفراد المجتمع وغير محدد بحدود فاصلة.

وبين أن ما يهدد باتساع الظاهرة تنامي ظاهرة الحمل غير المرغوب به من زواج غير شرعي لا ينفصل بحال عن تغير المجتمع, وكذلك الأمر ينسحب على العلاقة الجنسية غير الشرعية التي لم تترافق مع نضج للثقافة الجنسية.
وأوضح, كلما زاد عدد العاملين في أي قطاع سواء كان طبياً أو تجارياً زادت نسبة غير الملتزمين فيه بأخلاقيات المهنة, فضلاً عن أن القاعدة الطبية المنادية بعدم الإجهاض غير صارمة, ما يجعل من تجاوزهاً أمراً غاية في السهولة.
ليس مراقبة بل تحصين ثقافي وتربية اخلاقية

وأشار الى اكتفاء الأسر بالمراقبة من دون تحصين ثقافي وتربية اخلاقية, يقول: المراقبة لن تجدي نفعا إن لم تكن نابعة من مراقبة الشخص لذاته أولا.
واكتفاء الاسرة بمراقبة أطفالها ومراهقيها من دون تحصينهم ثقافيا ومدهم بالتربية اخلاقيا يوسع دائرة انتشار المظاهر المتناقضة في المجتمع, في ظل تعدد المعايير التي تضبط الإيقاع المجتمعي العام.
واضاف, لو كان هناك معايير ثابتة لكانت أثرت على المجتمع بشكل كبير وحدت من الأشكال السلبية في سلوكيات المجتمع.

ونادى استشاري الطب النفسي بتطبيق كود أخلاقي يحتم على العائلات التأكيد على المعايير الأخلاقية, خاصة بعد أن أصبح التواصل تواصلاً فردياً وليس تواصلاً مجتمعياً.
وللبحث في النواحي الطبية المتعلقة بالإجهاض, من حيث أقسامه وأنواعه والطرق التي يتم بها ومضاعفاته تحدث د. كاميل فرام استشاري نسائية وتوليد وعقم ل¯ مضمون جديد, معرفاً الإجهاض بأنه كل حمل تنتهي حياته قبل الأسبوع العشرين.

وبالرجوع إلى اللغة, فإن الإجهاض في معجم لسان العرب يعني الإزلاق أو الإزالة, والجهيض هو السقط الذي قد تم خلقه ونفخ فيه الروح من غير أن يعيش, أما السقط فهو الولد الذي يسقط من بطن أمه قبل تمامه.

ويقسم الدكتور كاميل فرام الإجهاض إلى غير مكتمل, وهو أن يكون جزء من أنسجة وخلايا الحمل نزلت وبقي جزء عالق بالرحم. والمنسي, هو الحمل داخل الرحم ولكن من دون علامات على الإجهاض ولا توجد نبضات قلب أو أي إشارة إلى وجود حياة, فيما يعني الاجهاض المتكرر حدوث ثلاثة اجهاضات متتابعة خاصة في بداية الثلث الثاني من الحمل بداية الشهر الرابع, وآخرها الإجهاض المهدد الذي يفضل فرام أن يكون اسما للحمل لا للإجهاض على اعتبار أن الحمل مهدد بالموت.
ويعرفه ب¯نزيف أو ألم مصدره الرحم, وكلما زاد النزيف زادت الخطورة على حياة الجنين; فيصبح الحمل مهدداً أي قد يستمر أو لا يستمر.

وأوضح د. فرام أن هناك أنواعا أخرى من الحمل تقع تحت باب الاجهاض ومنها الحمل العنقودي أو الحمل الهاجر, وهو الحمل الذي يتم داخل قناة فالوب البوقين, وهناك المتعمد والذي يلجأ إليه عادة عندما لا يكون هناك رغبة في الاحتفاظ بالحمل.

ويرجع أسباب الأجهاض إلى خلل وتشوهات في الكروموسومات المكونة للجنين وإلى الخلل في انغراس البويضة الملقحة داخل الرحم, وإلى التهابات متكررة خاصة التهابات المجاري البولية, فضلاً عن أي خلل في جهاز التخثر في الجسم, وما تسببه الصدمة سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة, إضافة إلى الخلل في الجهاز التناسلي الداخلي وتشوهات الرحم الخلقية في تكوين الجنين وغالباً ما يكون الجنين بها غير قادر على الاستمرار بالنمو; نتيجة خلل ما في الجهاز المناعي, إضافة إلى سوء التغذية وعدم اهتمام الأم الحامل بالمحافظة على أساسيات الغذاء والنظافة, كذلك من مسبباته الأمراض المزمنة التي تصيب الأم والطفل كالسكري والضغط والإلتهابات.

ويرى أن علاج الاجهاض غير المكتمل والمنسي والحمل العنقودي او الحمل الهاجر هو الإجراء الجراحي المناسب تحت التخدير التام وبغرفة عمليات معقمة, فيما يلجأ في حالة الإجهاض المتكرر إلى وضع غرزة جراحية لشد عضلة الرحم; للقضاء على ضعف العضلة.
ونبه أن أسوأ أنواع الأجهاض ما يتم باستخدام أدوات جراحية غير معقمة أو داخل بعض العيادات والمراكز او في أي مكان, باستثناء المستشفى لما يمثله من خطورة على صحة الحامل.
مضاعفات الإجهاض الحالية والمستقبلية

تتمثل مضاعفات الإجهاض الحالية على حد تعبير الدكتور كاميل فرام في نزيف حاد قد يؤدي إلى موت الأم, وقد لا تخرج كل الأنسجة وتبقى أجزاء منها داخل الرحم فتنتشر في الدم وتسمم الجسم وقد تؤدي للفشل الكلوي أو للموت.
ويواصل الدكتور فرام متحدثاً عن المضاعفات المستقبلية وهي أضرار في الصحة العامة, وإضطرابات نفسية حادة أو مزمنة, منها تنامي شعور البعض بعقدة الذنب أو الإكتئاب أوعدم الثقة بالنفس.
الإجهاض في القانون

يعرف المحامي طاهر القرالة الإجهاض بأنه انهاء حالة الحمل قبل اوانه عمداً, مبيناً أن الاجهاض عمل يجرمه القانون, وقد نص المشرع على جريمة الاجهاض في قانون العقوبات الاردني في الفصل الثالث في المواد 321-322-323-324-325 في سياق معالجته وبيان عقوبة كل من الفاعل والمساعد, إضافة إلى عقوبة الفاعل في حالة رضا الام وعدم رضاها والعذر المخفف في هذه الجريمة وتشديد العقوبة.
ونصت المادة 321 من قانون العقوبات على أن كل امرأة أجهضت نفسها بما استعملته من الوسائل أو رضيت بأن يستعمل لها غيرها هذه الوسائل, تعاقب بالحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات.

وبحسب نص المادة 322 فإنمن أقدم بأية وسيلة كانت على إجهاض امرأة برضاها, عوقب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات. وإذا أفضى الاجهاض الى موت المرأة عوقب الفاعل بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس سنوات.

فيما نصت المادة 323 من قانون العقوبات على أنه من تسبب عن قصد باجهاض امرأة دون رضاها, عوقب بالأشغال الشاقة مدة لا تزيد على عشر سنوات. ولا تنقص العقوبة عن عشر سنوات إذا أفضى الاجهاض الى موت المرأة.

وأعطى القانون الأردني الأم حق الاستفادة من العذر المخفف للعقوبة في حالة قامت بعملية الاجهاض من أجل المحافظة على سمعتها وشرفها, كما أعطى المشرع هذا الحق للاصول والفروع والاقارب حتى الدرجة الثالثة بحسب نص المادة .324 فيما شددت العقوبة على كل من أصحاب المهن الطبية سواء كان طبيباً او جراحا او صيدلياً اوقابلة بحيث شدد عليهم العقوبة بمقدار الثلث في حالة اشتراكهم في جريمة الاجهاض كما جاء بنص المادة .325

واتجه الفقه في بعض الدول الاجنبية الى الاخذ باجازة الاجهاض في حال رغبت المرأة الحامل بذلك كما جاء بالقانون الامريكي والانجليزي والفرنسي استناداً لحرية المرأة في الاجهاض واحترام هذا الحق.
ويرى القرالة أنه وفي الرجوع الى النصوص القانونية أن العقوبة غير رادعة وانه كان من الاولى تشديد العقوبة; للمحافظة على حق الحياة المقدس.
حرام بالمطلق بعد النفخ
هناك اختلاف بين الفقهاء المسلمين من حيث توقيت عملية الاجهاض, ومن حيث اذا كان الاجهاض قبل نفخ الروح او بعد نفخ الروح.

فقد جمع الامام مالك في الاجهاض بين قبل نفخ الروح وبعد النفخ. وقال بانه حرام على الاطلاق, اما الحنفية والحنابلة والشافعية فقد أجازوا الاجهاض قبل نفخ الروح فيه في حالات الضرورة أما بعد نفخ الروح فيه فقد حرموا ذلك وعارضوه.
ويقول الشيخ عادل الجنادبة: الإسلام حرم قتل النفس, فمن قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم, مشيرا الى ان حياة الرضيع في الاسلام كحياة الرجل الكبير فهم سواء.

وبمقارنة سريعة بين الانتحار والإجهاض يخلص الجنادبة إلى أن الانتحار هو قرار شخصي, بينما في الإجهاض يكون القرار للآخرين رغم أن روح الإنسان ليست ملكه, وفي كلتا الحالتين هناك إزهاق للروح.
ويتابع الشيخ الجنادبة إن للجنين عدة مراحل, المرحلة الأولى ويكون فيها الجنين جماداً لا روح فيه حتى الشهر الرابع, أما المرحلة التي تليها فهما مرحلة الحياة والتي تمتد حتى خروجه إلى الدنيا.

ويقول الجنادبة: إن الإجهاض محرم بالإجماع في المرحلة الثانية, وهي أن يتجاوز عمر الجنين 120 يوماً, أما ما قبل الشهر الرابع, وفي حال توفر العذر الشرعي, كأن يكون هنالك ضرر متيقن على الأم, فإذا ثبت بالدليل القاطع وجود خطر على الأم فحياة الأم متيقنة وحياة الجنين مظنة.

وبين الجنادبة أن غياب القانون الرادع والمتزامن وغياب العقوبة المناسبة للجرم أديا إلى انتشار الرذيلة في المجتمع. مبيناً بأنه في حالة الحمل غير الشرعي لا يجوز الإجهاض وقاتله مذنب.

ويدعو الجنادبة أولياء الأمور بالعودة إلى كتاب الله وسنة نبيه والتسلح بالخلق; لمحاربة تلك الظاهرة »الإجهاض« واجتثاث منابتها من جذورها, في ظل الغزو الفكري والإعلامي الحاصل, والمتمثل بالمسلسلات والافلام التي تجاوزت كل المحظورات من دين وقيم ومبادئ.0

أضف تعليقك