عالَــــــــمٌ بـــــــلا عســــــــل.. الكابـــــوس ليـــــــس بعيـــــــدا
عمان - رائد رمان - مضمون جديد
في غابات جبال أطلس، وأثناء رحلة صيد برية، صادف المهندس الكهربائي الأردني وجيه الداعور عددا من خلايا نحل العسل بين الأعشاب والنباتات البرية.
المهندس الكهربائي، الذي أصبح أحد أشهر مربي النحل في الأردن، جذبه المنظر وأثار فضوله، فما الذي يجعل هذه النحل تتخذ من قمم الجبال بيتا لها؟.
في تلك الرحلة الاستثنائية قرر التعرف على عالم النحل، ثم تربيتها والإتجار بها.
بالنسبة إلى الدعوار فإن مذاق العسل محفوف بالمكاره، ولكن ليس في ذات تربيته بل في المصاعب التي باتت تحفه حتى إنه يقول: "كانت خلية النحل في الثمانينيات تنتج 30 كيلو من العسل، أما اليوم فتضاءل الإنتاج إلى 5 كيلو فقط".
تعتبر الأغوار وسلسلة الجبال الشمالية الأنسب لتربية خلايا النحل؛ وذلك بسبب دفء وغنى المنطقة بالمزروعات والأعشاب البرية. لكن ما يقوله الداعور في تحقيق أعد خصيصا لمشروع "مضمون جديد" تنشره صحيفة "السبيل": إن "أمور تربية النحل تسير إلى الهاوية"، فنقص المياه جراء قلة الأمطار، إضافة إلى التغير المناخي تدفع مهنة تربية النحل إلى التراجع، التي هي ضعيفة في الأصل.
ما يؤرق مربي النحل هو محدودية وصغر المساحة التي يتنقل من خلالها النحل في الأردن، حيث لا بد من وجود مسافات شاسعة لتنقله هربا من المناطق الباردة في الشتاء. فيما طموح الداعور أن يتمكن من نقل مناحله إلى شمال سوريا وحتى إلى الغرب من فلسطين، ولكنها أمانٍ يصعب تحقيقها بسبب الخطوط السياسية.
يقول إذا أردت أن أصل إلى إنتاج العسل على مدار العام، يجب أن أتحرك في تلك الإتجاهات، مشيرا إلى أن موسم القطاف في أراضي المملكة يأتي مرتين الأول شهر نيسان والآخر في حزيران.. "وهذا لا يكفي".
يقدر عدد مربي النحل في الأردن بحوالي ثلاثة آلاف، يملكون بمجموعهم ما يقارب 45 إلى 60 ألف خلية، وينتجون حوالي 20 بالمائة من إجمالي الإستهلاك المحلي من نحل العسل، حسب إحصائيات رسمية صادرة عن وزارة الزراعة.
يتراوح معدل إنتاج الخلية الواحدة بين 5-20 كغم سنويا، ويتباين الإنتاج بناء على الموسم المطري وموقع المَنْحَل وسلالات النحل، وخلو المناحل من الأمراض، وبكل تأكيد خبرات النحال.
أسامة المدهون مواطن لم يصادف يوما خلايا نحل بين المناطق السكانية، وهو لا يتذكر أنه شاهد إحداها. في الحقيقة المدهون سعيد بذلك لكن لا يفضل وجودها داخل العمران بسبب الإزعاج والخوف الذي تسببه بلدغاتها وقرصها خاصة للأطفال.
بلد صغير على النحلة
من هنا تظهر المقاربة.. قلة وجود الأماكن المخصصة لتربية النحل، وإن وجدت قريبة من السكان. ولكن من يدرك أهمية النحل العلاجية والغذائية والبيئية، إضافة إلى دوره في المحافظة على التنوع الحيوي للنباتات البرية، لن يشعر بالارتياح تجاه ذلك.
أقدم وثيقة تتحدث عن النحل
إن مقولة اعتماد الجنس البشري على النحل، ليست صحيحة وحسب بل وخطيرة. ففي أقدم وثيقة من ورق البردي تعود إلى 3500 سنة وجد فيها أن لعسل النحل فوائده العلاجية والوقائية لكثير من الأمراض، وكثير من الناس لا يعلمون أن ما يفرزه النحل من شمع يعتبر أساسا في تكوين 40 مادة صناعية من كهربائيات وإلكترونيات وجلود وعطور وغيرها.
كما يلعب النحل دورا رئيسيا في أغلب ثمار الخضار والفواكه، كما يؤثر إيجاباً على جودة الثمرة وحجمها وشكلها ونسبة الأزهار العاقدة، ويزيد من إنتاج بعضها بنسبة تقارب 60 بالمائة مثل الفلفل والفراولة والفول وأغلب العائلة القرعية بنسبة تصل إلى 90 بالمائة في أغلب اللوزيات. حتى وإن لم يستخدم الناس العسل فان "للنحل" الدور الأهم في زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين نوعيته، لما لا وهو الملقِّح الرئيس للعديد من المحاصيل الزراعية.
تزور نحلة العسل في اليوم الواحد ما يزيد عن 100 زهرة، ويبلغ عدد النحل في الخلية القوية ما يزيد عن 20 ألف نحلة، وهذا ما يجعله من أفضل الملقحات الحشرية على الإطلاق.
والنحل بالنسبة إلى الأردن ليس هذا وحسب. يقول الدكتور نزار حدادين من المركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي ورئيس الاتحاد النوعي للنحالين الأردنيين لـ "مضمون جديد" إن قيمة الإنتاج الإجمالي لإثني عشر محصولا تلقح بواسطة نحل العسل، قد بلغت 117.4 مليون دولار عام 2005، وزاد الإنتاج بسبب التلقيح المباشر للنباتات بواسطة النحل ما قيمته 50.7 مليون دولار سنويا، وهذه الزيادة أكثر من قيمة الإنتاج المحلي السنوي من العسل بمقدار 16 مرة؛ الذي يبلغ 3.1 مليون دولار، استنادا إلى دراسة لوحدة أبحاث النحل في المركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي.
أين يختفي النحل؟
يسرد الدكتور حداد أهم التحديات التي تواجه تربية النحل في الأردن، فيقول إن العالم منذ ما يقارب أربع سنوات يواجه حالة من عدم الاستقرار في تربية النحل، ناجمة عن ظاهرة اختفاء النحل التي يربطها العلماء مع الأمراض الفيروسية التي تصيب نحل العسل، إضافة إلى العدو اللدود لنحل العسل وهي مرض "حُلُم الفارْوا" التي تعتبر الناقل الرئيس للأمراض الفيروسية بين النحل.
هنا تظهر مشكلة ارتفاع أسعار الأدوية العلاجية الخاصة بالنحل وزيادة تكاليف استيرادها يؤثر على إنتاج العسل مما يؤرق النحالين.
الخبير البيئي المهندس فيصل عمر له قصته التي يريد أن يحكيها. ويحلو لعمر إطلاق وصف "مؤشر بيئي" على نحل العسل، فهو يرى فيه مقياسا لمعرفة واكتشاف بعض المشاكل البيئية سواء في الماء أو التربة أو الهواء.
يقول لـ "مضمون جديد": إن النحل دليل على نظافة البيئة والجو، فإذا لاحظت هروب أو اختفاء النحل من منطقة ما، فاعلم أن هناك مياه ملوثة أو عوادم مصانع أو نباتات سامة أو مياه صرف صحي، وهذا ما يسمى "هجران النحل".
ويضيف الخبير عمر، اكتشف في الولايات المتحدة مؤخرا فيروسات مرضية يحملها النحل خلال امتصاص رحيق الأزهار والنباتات.
ولكن الخبير عمر ينفي في المقابل تسجيل أو اكتشاف فيروسات مرضية على مدار السنوات التي بدأ فيها تربية النحل في الأردن، ويؤكد أن بلاد الشام حتى الآن خالية من الملوثات البيئية بعكس الدول الغربية الصناعية التي تكثر فيها الصناعات السامة والضارة للبيئة.
مكتشف حقول الألغام والمتفجرات
ومن بين فوائد النحل التي يبدو أنها لا تحصى الكشف عن حقول الألغام والمتفجرات، فقد ذكرت وكالة الأنباء القطرية أن وزارة الدفاع الأمريكية نجحت في إقناع مجلس الشيوخ بتخصيص مبلغ 5 ملايين دولار من ميزانيتها العامة لتدريب حشرات النحل على عمليات الكشف عن حقول الألغام.
وثبت أن النحل يبدأ بالطنين ثم الهيجان مجرد شعوره بالمتفجرات، ومن ثم يقوم بالابتعاد والطيران بعيدا عن المكان. يحتاج النحل إلى 4 أيام من الإقامة مع رائحة المتفجرات حتى يتأقلمها، بعد ذلك يكون قادرا على اكتشاف مكانها تلقائيا.
من الجدير ذكره هنا، أن النحل نجح باكتشاف حقول الألغام التي خلفتها حروب البلقان في العام 1991إلى 1995 بعدما عجز خبراء المتفجرات بالكشف عنها لمدة 9 سنوات من البحث والتحري المتواصل.
سرقة الخلايا.. وكأنه ليس للنحالين ما يكفيهم من مصاعب
أما النحال إسماعيل العثمان له شكوى أخرى تتعلق بظاهرة سرقة خلايا النحل، يقول: سرق مجهولون خلايا تعود له بقيمة 10 آلاف دينار، يقدر إنتاجها بـ250 كيلوغراما من العسل.
خلايا العثمان منتشرة في منطقة المنشية في الأغوار، لكنه يواجه وغيره من النحالين مصاعب وعقبات تحد من التوسع والإنتشار في تربية النحل.
كابوس الأمراض واللسعات
ولكن ما يصفه العثمان بالكابوس هو التالي: قلة الأماكن وازدحام الخلايا فلذلك مخاطره في انتقال عدوى الأمراض البكتيرية والفيروسية بين النحل، إضافة إلى مهاجمة الخلايا الكبيرة للخلايا الصغيرة، وبالتالي قتل النحل وتدمير الخلية وسرقة العسل.
وأكثر ما يخشاه مربو النحل بالنسبة إلى العثمان هو شكوى المواطنين المتضررين من وجود خلايا النحل بالقرب من المناطق المأهولة بالسكان؛ وهو ما يثير وجود النحل رعب وخوف الناس على أولادهم وأنفسهم من القرص واللدغات المؤذية.
المواطنون لا يلتمسون العذر للنحالين، ولا يلمسون ضرورة وجود النحل بالقرب من أماكن مزروعة وغنية بالأزهار والنباتات البرية، حتى لو كانت في بيوت مأهولة، يؤكد العثمان، ويزيد أن النحالين مضطرون للقيام بذلك، على أمل ألا يؤذي أحدا من الناس، ولكن.
حسنا إن كان ولا بد فلا تجعل النحل يراك وأنت ترتدي الأسود فهو لون يستثير النحل الذي نتغزل به ونخاف منه.
إستمع الآن