شوارع الخليل.. المرضى يسقطون صرعى في زحمة السير

الرابط المختصر

الخليل - ثائر فقوسة - مضمون جديد

في الخليل، لا تعني صفارات سيارة الاسعاف شيئا. فاذا اراد سائقها من السيارات الانصياع له عليه القيام بالتالي: إخراج رأسه من النافذة والصراخ بأعلى صوته لاعلام من يتعدون على الشوارع أمامه ان هناك حالة طوارئ، كما عليه الإبقاء على يده خارج الشباك لتلويح بها من اجل الاستجداء لإبعاد السيارات من إمامه.

هو مشهد مضحك لمن لا يدرك ان انسانا ما مخطرا ممدد على سرير السيارة بحاجة الى دقيقة اضافية كي يتمكن الاطباء من اسعافه.

حياة الطفل علي ابن العشرة سنوات انتهت خلال محاولة سائق سيارة الاسعاف اقناع السيارات التي لم تكترث لصفارته بان تفسح له المجال ليمر.

سيارة الاسعاف فشلت في نقله لأقرب مركز طبي في الوقت المناسب لتلقي العلاج اثر تعرضه لحادثة غرق.

كان المشهد كالتالي: صفارة الإسعاف تدوي في أرجاء المدينة لتنبّه أصحاب السيارات من أجل إخلاء الطريق لإنقاذ حياة علي لم تجد نفعا للوصول إليه.

كانت الدقائق الثمينة تمر بسرعة البرق والمسعفين مازالوا يبثون عن شارع خال لتلبية من يستغيثون من اجل إنقاذ ابنهم، لكن ..

فات الأوان.. ولفظ الطفل انفاسه.. بعد مرور 40 دقيقة، رغم ان مكان الحادث لا يبعد إلا بضعة كليلو مترات عن المستشفى.

"في الخليل لا تكفي تشغيل صفارة الإسعاف والإضاءة الحمراء لتنبيه أصحاب السيارات والشاحنات والمارة من اجل إفساح المجال أمام الإسعاف للمرور من دون عوائق".

بهذه الكلمات بدأ ضابط الإسعاف في الهلال الأحمر عيد ابو منشار حديثة لـ "مضمون جديد" عن واقع الإعاقات المرورية التي يتعرض لها إثناء نقل المصابين والمرضى الى المستشفيات والناتجة عن سوء استخدام الطرق والتعدي عليها من قبل المواطنين والتجار.

المتجول في أحياء الخليل يشاهد بوضوح مدى حالة الفوضى وعدم التنظيم للحركة المرورية التي أصبحت ظاهرة مقلقة تستوجب التوقف عندها، فمن السيارات الخاصة التي تقف بشكل مزدوج على طول الطريق، الى آلاف السيارات العمومية التي تتخذ من الشوارع مكانا لتوقف.

هناك يوجد اكثر من 50 تجمعا عشوائيا، إضافة الى مئات الشاحنات التي تملكت الطريق لإنزال وتحميل البضائع ومثلها من بسطات الخضار التي تملئ المكان. في هذا الوضع يصبح الشارع رصيفا والرصيف شارعا.. لا احد يعرف بالضبط اين ينتهي الرصيف واين يبدأ الشارع .. هنا يبدأ المارة باستخدام الشوارع كأرصفة.

هذه الصورة التي تشهدها اكبر المحافظات الفلسطينية تسببت في وفاة عشرات المواطنين وإصابة المئات.

يشير قسم الطوارئ في مستشفى الأهلي بالمدينة انه منذ بداية عام 2012 وصل الى المستشفى نحو 7 قتلى و300 مصاب اثر حوادث سير ناتجة على الفوضى وعدم استخدام الطريق بشكل صحيح من قبل المواطنين والسائقين.

بعض المشاركين في هذه الفوضى يروون حكاياتهم لـ "مضمون جديد" من دون ان ينتابهم أي شعور بأنهم مذنبون او يساهمون في قتل إنسان برئ يحتاج ان يستخدم الأماكن العامة من شوارع وأرصفة بأمان .

"انظر الى شارع "عين سارة" الجميع يقف في الشارع وبشكل مزدوج، والبحث عن مكان فارغ قد يستغرق طول اليوم، انا مجبر على الوقوف هنا ولو بصورة غيرة قانونية، فلا يوجد مواقف للسيارات، واستغلال الشارع أصبحت عادة لا يمكن ان ترى الخليل من دونها.

هذا ما ذكره السائق فادي خلاف عندما سئل عن سبب تعديه على الشارع العام. أما التاجر رائد الجنيدي الذي تملّك الشارع لإيقاف سيارته إمام محله التجاري فيشير "ان مالك العمارة قام بتحويل موقف السيارات الخاص بالمستأجرين الى محلات تجارية لهذا فانه يعتبر ما يقوم به عين الصواب".

اما السمسار امير الجمل الذي يعمل على جمع الركاب لتحميل سيارات العمومي فيقول: "العمل يحب الحركة وسائقي السيارات العمومية عايشين في البلد هيك، فأينما يوجد ركاب احضر السيارات المسؤول عنها لعمل مواقف عشوائية وهذا الأمر يتكرر يوميا ولا يوجد عندي أي مكان محرم لتوقف او غير قانوني .

" فيما يفضل سائق العمومي "سمير عمرو" اللجوء الى الشارع عن صف سيارته في المكان المستحدث الذي أجبرته الشرطة على اللجوء اليه لتحميل وتنزيل الركاب لان عليه دفع مبلغ 40 دينار شهريا دون تقديم ادني الخدمات له من حمامات ومياه ومظلات .

اما بائع الخضار "عبدو الهيموني " والذي حول مع زملائه الطريق الى سوق خضار متنقل : يفيد بان بلدية الخليل لم توفر لهم موقعا خاصا لتجمع به ، والسوق الذي أنشأته البلدية لا يكفي لاستيعاب بائعين الخضار المهجرين من البلدة القديمة بفعل الاحتلال مما دفع مئات أصحاب البسطات الى استملاك الشوارع للبحث عن لقمة عيشهم والتنقل بشكل مستمر للبحث عن الزبائن.

اما التاجر "خالد جبريل" الذي يتعدى على الشارع بوضع حاجز من الحديد أمام متجره فقال انه يهدف من هذه العمل البقاء على متجره مكشوفا امام المتسوقين.

فمن وجهة نظر هؤلاء، فإن المسؤولية في حل الأزمة المرورية الخانقة التي تعاني منها المدينة تقع على عاتق بلدية الخليل، التي يتوجب عليها توفير الخدمات من مواقف ومجمعات وأسواق مقابل الرسوم التي تجمعها من المواطنين، فليس من العدل ان تكتفي البلدية ان يدفع صاحب العمارة غرامة مالية مقابل السكوت عنه في حال قام بتحويل الموقف الخاص بالمستأجرين الى محلات تجارية، وان تسمح للمستثمرين بنشاء مواقف خاصة همهم الوحيد هو الربح وليس حل اللازمة المرورية حيث يجبر صاحب السيارة عن دفع دولارين للوقوف، وطبعا هذه المواقف لا تستقبل الا السيارات الخاصة ومقدرتها
الاستيعابية لا تتجاوز 1000 مركبة.

بلدية الخليل.. سلطة من دون ردع

بالنسبة الى (ع،ن) وهو مصدر في قسم الهندسة في بلدية الخليل رفض ذكر هويته فان ظاهرة تعدي المواطنين على الأملاك العامة أصبحت ثقافة سائدة في المجتمع الخليلي يصعب التغلب عليها، وعلى وزارة التربية والتعليم ان تقر منهاج للتدريس عن كيف استخدم الشوارع بشكل سليم لان احترام الملك العام ثقافة تنشئ مع التربية.

وتابع المصدر لـ "مضمون جديد": مشكلة الأزمة المرورية في تفاقم مستمر لارتفاع عدد السيارات حيث يتجمع في المدينة اكثر من 200 ألاف سيارة يوميا، سيما وان المدينة مقصدا تجاريا لنحو 700 الف مواطن يسكون المحافظة، إضافة الى المتسوقين من عرب 48 وباقي المحافظات الفلسطينية.

واضاف، البلدية تعاني من صعوبة العثور على أراضي فارغة لتحويلها الى مجمعات ومواقف للسيارات بسبب الحركة العمرانية النشطة التي تشهدها المدينة، كما ان قسم الهندسة يرفض منح تراخيص للبناء الا اذا تعهد المالك بتوفير موقفا خاصا للمستأجرين، وللأسف فان ما نسبة 70% من أصحاب العمارات يقومون باستغلال الموافق وتحويلها الى محلات تجارية، الامر الذي ساهم في انتشار الفوضى.

وفي المقابل يرى المصدر ان البلدية لا تملك سلطة تنفيذية لردع هؤلاء الملاك، مؤكدا على ان هناك محاولة لحل جزءا من الأزمة المرورية التي تغرق بها المدينة عبر الشروع في انشاء مجمع للسيارات العمومية للخطوط الخارجية، بقدرة استيعابية تصل الى 600 سيارة.

وطالب المصدر من اسماهم بـ "الفوضويين" احترام حرية الآخرين في التنقل وإظهار الخليل بصورتها الجميلة، خاصة ان شوارعها هي الأوسع في فلسطين.

ويرى ان مسؤولية الحفاظ على النظام وحل هذه المشكلة تقع على مسؤولية الأجهزة التنفيذية، خاصة الشرطة الفلسطينية.

ويعترف المصدر إن السكوت عن هذه الظاهرة سيحول الخليل خلال الأعوام القليلة المقبلة الى مكان غير ملائم للسكن بسبب الزحمة الخانقة والتلوث الناتج الضوضاء وعوادم السيارات.

اما مدير شرطة الخليل العقيد رمضان عوض فقال لـ"مضمون جديد " إن تطبيق القانون بشكل صحيح على المواطنين المعتدين على الشوارع، يعني تحرير آلاف المخالفات واعتقال مئات السائقين وأصحاب البسطات والتجار بشكل يومي.

وفي مقابل ذلك كيف يعاقب رجل السير سيارة لا تجد مكانا تتوقف فيه انها توقفت كيفما اتفق. يقول عوض: غياب مواقف للسيارات يعقد الأمر ويجعل الشرطة اكثر تسامحا في بعض القضايا حيث تحاول حل هذه الأزمة عبر نشر الوعي وإرشاد المواطنين بضرورة احترام الملك العام مع التأكيد بعدم السماح لأي لأحد من تشكيل خطر على حياة الناس من خلال اعاقة حركة السير.

ورأى ان استغلال الطريق بشكل غير مناسب ساهم في انتشار الفوضى وجعل المواطنين ضحايا سواء من خلال تعرضهم للحوادث او استغلالهم ماديا بسبب التلاعب في تسعيرة المواصلات الأمر تطلب الى مضاعفة نشر عناصر الشرطة في معظم إحياء المدينة من اجل توفير السلامة للمواطنين.

واستغرب عوض تحميل الشرطة مسؤولية هذه الأزمة، متسائل هل إن توفير مجمعات للسيارات وتحديد أماكن لتزيل وتحميل الركاب واستحداث اسواق مهمة الشرطة؟

وأكد ان المديرية توجهت بتقارير رسمية الى البلدية والمحافظة لتضعهم بصورة الأزمة المرورية والمشاكل الناتجة عنها، وطالبتهم العمل على إنشاء مواقف للخروج من هذه الازمة.

واضاف بل ان الشرطة ابدت استعدادها لتنظيف شوارع وأرصفة الخليل من السيارات والبسطات ولو بالقوة في حال توفر البديل.

المشكلة ليست في كل ذلك .. ما قاله مدير شرطة الخليل هو المأساة: "لا يوجد حلول قريبة للأزمة رغم الشروع في إنشاء مجمع خاص للسيارات العمومية بسعة 600 سيارة.
على ما يبدو فان أهالي الخليل سيتمرون في المعاناة حتى تتحمل الجهات المعنية مسؤوليتها في توفير الخدمات العامة لمدينة من تعب.

أضف تعليقك