سائقو التاكسي.. ضحايا غاضبون يجوبون الشوارع

عمان - محمد المومني - مضمون جديد

لم يدر عندما مد يده لايقاف سيارة التاكسي انه مقبل على تعريض نفسه لعصبية مفرطة وتجريح. كان الرجل (الراكب) يجلس بجانب سائق التاكسي على عجلة من أمره, فاعتذر من السائق طالبا منه عدم السرعة, لكن أن يأخذ بعض الاجراءات تساعد على وصوله الى مبتغاه بشكل أسرع.

"لو سمحت انظر.. الجانب الايمن من الطريق مزدحم.. خذ الجانب الايسر". كانت كلمات كاللعب بصاعق القنبلة. فانفجر السائق غاضبا: "انا ما وقفتلك الا مشان وضعك الصحي .. الحق علي".

وراح السائق يهدده بالنزول, "أنا بسوق على راحتي وإذا مش عاجبك انزل".

ما تعرض له المواطن (س) حدث مع الكثير من الذين يعتمدون في مواصلاتهم على (التاكسي). فوفق ثقافة السائقين فهم يقدمون معروفا للركاب ال¯ذين يفترض ان يكونوا (زبائن) في الرؤية الاقتصادية للاستثمار.

ولأنه يقدم لك معروفا, عليك ان تصمت او ان تتكلم وفقا لمقتضيات المواضيع التي يفتحها السائق. وإلا ما تقوله قد يكون بمثابة اشعال فتيل قنبلة السائق الموقوتة لصب غضبه من كل شيء.. ولأنك أمامه فستتحول إلى رمز لكل الأشياء المزعجة في يومه.

بالنسبة إلى إبراهيم رسمي 29 عاما فانه اصبح خبيرا بالسائقين وملامحهم وأمزجتهم. يقول: "بعضهم بالكاد تستطيع التحدث معه لتحديد وجهتك من مزاجه المتعكر".

المشكلة التي يشير اليها الشاب ابراهيم أن أغلب سائقي التاكسي ينظرون الى الراكب انه صاحب حاجة وأن ايصاله الى وجهته "معروف" يكسبهم امتيازات انتقاء الراكب وتحديد وجهة الطلب.

"في بعض الاحيان أنزل من التاكسي بعد بضعة أمتار لأن الوجهة التي يريد الذهاب اليها لا تناسب السائق" يقول ابراهيم.

القصة التالية تتكرر مع ابراهيم التي يضطر وفق طبيعة عمله التأخر حتى ساعة متأخرة.

يقول ل¯ "مضمون جديد": أوقف التاكسي وما ان افتح الباب حتى يبادرني السائق بالسؤال عن وجهتي, وفي كثير من الاحيان بأسلوب يظهر مزاجه المتعكر, أجيبه, فيرد علي بطلب زيادة على العداد لان المنطقة التي يريد الذهاب اليها - حسب قوله - لا يوجد بها طلبات (أنا يا اخي رح ارجع فاضي من هناك).
شلن الكندشن

لكن هذا لا شيء أمام ما بدأ يطلبه بعض السائقين العموميين مثل (شلن الكندشن) يقول أحمد القضاة 34 عاما استغربت من سؤال السائق لي: بتحب اشغل الكندشن. وبعد ان اجبته السؤال بآخر (انته مش شايف الجو حامي) حتى رد باسلوب خشن (يا سيدي بدناش نشغله يعني هوه الكندشن ببلاش).

يضيف احمد بعدها عرفت ان خدمة الكندشن في التاكسي او حتى في السيارات العمومي لها مقابل مادي, هي زيادة على العداد 5 قروش على الاقل.

وسيلة للتعارف

يضيف أحمد ان اكثر ما يثير التساؤل هو انتقائية السائقين للركاب من ناحية الجنس, فقد تفهم انتقائيتهم في تحديد الاتجاه المخالفة للقانون اصلا, لكن الانتقائية في اختيار الركاب من النساء لا يجد لها ما يبررها, الا ان البعض من السائقين يستخدمون التاكسي كنوع للترفيه, وليس مهنة او مصدر للاستثمار, وكسب الرزق. عند البعض مهنة التاكسي (وسيلة للتعارف).

ولذلك تجد طبقة جديدة من السائقين العموميين لا تتجاوز أعمارهم بدايات العشرينيات يجوبون الشوارع بحثا عن (راكبة على المقاس).
ثلاثة بواحد

لكن لا تقتصر عصبية سائقي العمومي "التاكسي" على الرجال, فالنساء عرضة لذلك. تقول هناء 26عاما انها تستقل التاكسي يوميا, وانه غالبا ما تجد سائق تاكسي في مزاج عكر.

هناء تفسر: يعود ذلك لازدحام الطريق او الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها أغلب افراد المجتمع وفي بعض الاحيان يطلب مني السائق- باسلوب يأخذ طابع الاحراج- الاذن لنقل راكبة اضافية معها (معلش ياخيتي تركبي هالبنت جنبك بدل ما تظل ملطوعة تستنى تاكسي).

تقول: لو رفضت ستظهر عصبية السائق من خلال القيادة والتمتمات او القبول بالراكبة الجديدة المتبوعة في اغلب الاحيان باخرى ليكون طلبه (ثلاثة بواحد).
المزاج السيئ عند السائقين له ما يبرره حسب سائق التاكسي ابو نضال 47عاما الذي

يرجع المزاج السيئ والعصبية للاوضاع الاقتصادية عموما خاصة عندما تكون سيارة التاكسي التي تعمل عليها بالضمان.

يقول ابو نضال الذي يعيل اسرة من 7افراد ان اكثر ما يعكر صفو مزاجه حالة الركود في فصل الشتاء, فبعد ان تخصم مبلغ ضمان السيارة 21 دينارا يوميا ومبلغ الوقود 15 دينارا لن يتبقى من الغلة, الا مبلغ زهيد "مرات بروح بدينار مرات بخمسة مرات ما بلحق اغطي الضمان" .

ويضيف ان مجرد التفكير بتغطية مبلغ الضمان تجعلك "ما بتضحك للرغيف السخن", طبعا عدا عن المشاكل الاخرى مثل الاختناقات المرورية, والتعامل مع زبائن بطبائعهم المختلفة.

يعترف ابو نضال بأنه يتوتر خلال عمله. لكنه يقول: "أنا لا اغضب لكن اتوتر. فانا في النهاية بشر".

ويقارن وضعه بوضع شقيقه الذي يعمل سائق تاكسي أيضا. "السيارة ملك اخوي عشان هيك مرتاح.. وقت ما بده بشتغل ودخله مضمون ومريح راسه".
حتى لو سكتّ ستظهر عصبيتي في ملامحي

حال ابو نضال ينعكس على أغلب سائقي التاكسي فنسبة كبيرة منهم تعمل بالضمان. فهذا محمد 28 عاما يعمل منذ 6 سنوات على سيارة تاكسي بالضمان. وهو يفسر "مزاجه السيئ والعصبية لوضعه الاقتصادي الصعب وصعوبة تغطية مبلغ الضمان".

يقول محمد: "أعمل مثل... ولا اجد قدرة مالية على الزواج, الا يكفي هذا وحده بان يجعلك بمزاج سيئ" ويضيف احاول ان اخفي مزاجي السيئ عن الزبائن الا اني اعجز احيانا ولا استطيع حتى لو التزمت الصمت ستظهر عصبيتي من ملامح وجهي".

"أسباب كثيرة - بالنسبة إلى محمد - غير الاقتصادية تثير عصبيته مثل تصرفات بعض السائقين في الشارع, بل وتصرفات بعض زملائه السائقين, عندما ينتقون الطلبات الاكثر بعدا ويرفضون الطلبات القريبة وهذه الحالة كثيرا ما تحدث عند مواقف الدور مما يضطرني اخذ الطلبات القريبة".

الفترة الزمنية الطويلة نسبيا التي عمل بها محمد سائق تاكسي كانت كفيلة بتكوين صورة عامة لهذه المهنة. لكن حسن 29 عاما كون صورة عن اجواء هذه المهنة من آراء زملائه السائقين فهو لم يمض على عمله سائق تاكسي بالضمان اكثر من ثلاثة شهور.
"نحن مستهدفون"

يقول حسن إن اكثر ما يستفزني معاملة دائرة السير, وكأن سيارات الاجرة مستهدفة, فكثيرا ما يتم توقيفي من الدوريات, وهناك أسباب كثيرة تجعلني لا اتمالك نفسي من العصبية مثل اسلوب سائقي الخصوصي فنحن نعاني من اغلبهم فهم لا يتقيدون بفنون السواقة.

وعرّج حسن على مشكلة ارتفاع اسعار ضمان سيارات التاكسي, مرجعا ذلك إلى أن هناك فئة جديدة من سائقي التاكسي تتراوح أعمارهم بين 21-24 سنة يعملون على التاكسي للتسلية ويمارسون الانتقائية في اختيار الركاب من "الفتيات".

ورغم اسباب سائقي العمومي نفى مصدر أمني فضل عدم الكشف عن اسمه ان يكون هناك اي استهداف من قبل رقباء السير لاي سائق عمومي كان ام خاص. لكنه شدد في المقابل ان على السائق العمومي الالتزام بالقوانين والانظمة وفي مقدمتها اسلوب التعامل مع الركاب الذي يجب ان يمتاز بالرقي والاحترام بعيدا عن العصبية. ويقول: السائق العمومي يعكس صورة المجتمع خاصة في تعامله مع السياح .

ويضيف المصدر ان الظروف الاقتصادية ليست مبررا لارتكاب المخالفات مثل التعامل غير اللائق مع الركاب او الانتقائية في تحديد وجهة السير او الراكب او استغلال السياح

وعلى سائقي العمومي معرفة انهم يقدمون خدمة التوصيل بأجر كما عليهم ارجاع سبب كثرة تعاملهم مع رجال السير لطبيعة عملهم فهم بكل بساطة دائما في الطرقات لذلك تزداد احتمالية توقيفهم من الدوريات فلا تفريق في التعامل بين السائق العمومي والخصوصي.

وأوضح ان اكثر المخالفات المرتكبة من سائقي التاكسي رفض تحميل وانتقاء الركاب ومخالفة شروط رخصة الاقتناء وعدم وضع لوحة المعلومات .
العصبية نار تأكل صاحبها

إن العصبية لها أسبابها الكثيرة, لكن المتضرر الاكبر منها هو صاحبها نفسه. يقول دكتور علم النفس نعيم حسن جابر ل¯ "مضمون جديد" إن طرق السيطرة على الغضب المتمثلة بتبديل توقعات الفرد السلبية الى ايجابية والسيطرة على الانفعالات بالانشغال في أمور تعمل على تهدئته والتوقف عن التفكير فيما يغضبه.

واضاف ان ممتهن السواقة يتعرض الى مؤثرات خارجية اكثر من الاخرين كونه يعمل في شارع تكثر فيه مناسيب الخطر والاحتكاك مع الناس.

وتابع, السائق يتعامل مع امزجة مختلفة تحوله تدريجيا الى شخص متوتر, اضافة الى ما يلعبه الوضع الاقتصادي للسائق برفع منسوب توتره او سهولة رفع هذا المنسوب عن رجل
اخر قادر ماليا.

ابحث عن التلوث الضوضائي

سبب غير مرئي لا يكاد يفطن اليه احد هو ما يفعله التلوث الضوضائي برجل يمكث في الطرقات اكثر من 12 ساعة.

تقول المهندسة هانيا قاقيش مدير عام شركة أصالة إحدى الجهات المتعاونة في التوعية بمخاطر التلوث الضوضائي: ينتج عن التلوث الضوضائي "الشعور بالضيق, العصبية في التعامل مع الآخرين, قلة التركيز في العمل" اضافة الى فقدان السمع , وارتفاع ضغط الدم, وصعوبة في التنفس, وزيادة نبضات القلب, وفقدان الشهية".

وأضافت في ورشة عمل نظمتها مديرية الأمن العام ممثلة بإدارة السير المركزية والإدارة الملكية لحماية البيئة بعنوان التوعية بمخاطر التلوث الضوضائي: إن هذا النوع من التلوث والناتج عن الأصوات العالية يعد في المرتبة الثانية بعد التلوث المائي خاصة في المدن الكبيرة نظرا لانعكاس آثاره على شرائح المجتمع, وعلى نحو يمس صحتهم الجسدية والنفسية.

أضف تعليقك