سائقون على خط النار
اربد - احمد التميمي - مضمون جديد
هو أمام خيارين احدهما جوع والآخر قلق موت مفاجئ. ما ان يودع سائقو الشاحنات الاردنية العابرة نحو الاراضي السورية الجنود الاردنيين تاركين خلفهم الحدود، حتى تبدأ رحلة الخوف.. هم ببساطة سائقون على خط النار.
تقطع الشاحنات الاردنية مسافة الموت الممتدة على الاراضي السورية حتى حدود تركيا محملة ببضائع مغمسة بتوقعات لمفاجآت كارثية لسائقين لا يجدون بدا من العمل حتى لا يجوع أطفالهم.
ليست "شجاعة ولا تهور" وراء اندفاع بعض السائقين لنقل البضائع من الأردن إلى سورية، كما يقول السائق فراس. هم لا يملك فسحة من الخيارات. بالنسبة الى فراس: "إما أن نجوع أو نخاطر".
فراس الذي يعمل سائق شاحنة منذ عشرين عاما، يقول لـ "مضمون جديد": إن حالات السلب والاعتقال وإطلاق النار، التي يتعرض لها السائقون الأردنيون في سورية لا تمنع الكثير من السائقين من الاستمرار في نقل "السكاكر والحلويات الشعبية، إضافة إلى الحبوب الى سورية والعراق وتركيا.
رغم المخاطر، فإن الاحصاءات الرسمية تشير إلى أن عدد الشاحنات التي غادرت سورية إلى المملكة عبر حدود جابر خلال أول شهرين من العام الحالي 21.485 ألف شاحنة. لكن هذا الرقم بالنسبة الى المختصين غير مقنع.
السائق علي واحد من السائقين المخاطرين. ولديه ما يقوله: قبل أسبوع وإثناء قيادته لشاحنته المحملة بالخضار وبعد تجاوزه الحدود السوريه بحوالي 35 كم تفاجئ بوجود عوائق حديدية على الطريق ما دفعه لتخفيف سرعته وهنا قفز العشرات ممن يحملون السلاح وأطلقوا العيارات النارية من رشاشاتهم واجبروه على الوقوف وسرقوا كل ما يحمله من دنانير وليرات أردنية إضافة لمصادرتهم كل محتويات الشاحنة.
أما السائق احمد فيشير إلى "تعرضه إلى سرقة ونهب محتويات الشاحنة التابعة له" مشيرا إلى "أن هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها إلى مثل هذا العمل.
يقول لـ "مضمون جديد": توقفت بعد 55 كم من الحدود السورية لقضاء حاجتي ففوجئت بهجوم عدد من الأشخاص الملثمين يضعون السلاح على رأسي وطلبوا مني معلومات عن عدد الشاحنات التي خلفه ومحتوياتها ثم صادروا هاتفي المحمول وكل محتويات حمولة السيارة من الخضار والفواكه.
إحصائية نقابة أصحاب السيارات الشاحنة
وتقدر إحصائية لنقابة أصحاب السيارات الشاحنة عدد السائقين الأردنيين الذين تعرضوا لحوادث مختلفة منذ بدء الأحداث في سورية منذ عام تقريبا بما بين 50 و60 سائقا. بيد أن نقيب أصحاب السيارات الشاحنة محمد خير الداود يؤكد أن العدد الحقيقي يفوق المئات، موضحا أن "النقابة تسجل القضايا التي وردت إليها بشكل رسمي".
يقول لـ "مضمون جديد": إن حوادث إطلاق النار على السائقين الأكثر بين مجموعة العمليات التي تستهدف الشاحنات الأردنية داخل الحدود السورية، فيما تؤكد الحكومة على استمرار جهودها ومساعيها الدائمة بحل قضايا السائقين التي تعرضت شاحناتهم للسلب من قبل مجهولين.
وبحسب الداود، فإن 85% من الأسطول الأردني البالغ 13750 شاحنة كانت متخصصة لعمل على خط سورية، إلا أن العدد انخفض إلى العشرات في الوقت الراهن.
ويقول الدواد انه من الصعب وقف حركة النقل مع سوريا الأمر الذي سينعكس على نقل البضائع ومنها المواد الغذائية والخضار والفواكه، إضافة إلى أن عمليات النقل تمتد إلى لبنان ودول أوروبية، وان الأمر لا يقتصر فقط على سوريا لوحدها، مشيرا إلى أن هناك تأثرا كبيرا تشهده حركة النقل حاليا خصوصا الشاحنات الأردنية التي بات أصحابها يتخوفون من الذهاب إلى سوريا.
وينقل الأردن نحو 750 ألف طن سنويا من المواد الغذائية إلى الدول العربية منها سوريا، و40 ألف طن سنويا من المواد الغذائية إلى دول أوروبية عبر سوريا، بالإضافة إلى نحو 100 شاحنة محملة بالخضار والفواكه يوميا، وفق الدواد.
يقول الداود إن أصحاب الشاحنات الأردنية يعانون من ركود وصلت نسبته إلى أكثر من 80% جراء المعاملة التي يتلقونها من قبل الجانب السوري، الأمر الذي شكل تخوفا كبيرا لدى السائقين ورفضهم لنقل البضائع.
ويشير الداود إلى إمكانية نقل البضائع من خلال شركات أخرى في حال رفض السائق الأردني لنقل البضائع ومن خلال الشاحنات التركية والكويتية التي تعمل حاليا بيسر على الخطوط السورية والأردنية وصولا إلى أوروبا، إضافة إلى الشاحنات السورية أيضا.
ارقام ونسب
وكان انخفض عدد الشاحنات التي دخلت الأراضي السورية من المملكة عبر حدود جابر خلال العام الماضي إلى 171.5 ألف شاحنة مقارنة مع 183.2 ألف شاحنة في العام الذي سبقه لتسجل انخفاض نسبته 7 %، حسب إحصاءات دائرة الجمارك الأردنية.
وتراجع عدد الشاحنات خلال العام الماضي بمقدار 11.6 ألف شاحنة مقارنة بالعام الذي سبقه.
وعلى صعيد عدد الشاحنات التي دخلت الأراضي السورية من المملكة عبر حدود جابر خلال أول شهرين من العام الحالي فقد بلغ عددها 20.394 ألف شاحنة كان منها 15.634 ألف شاحنة محملة بالبضائع و4751 ألف شاحنة فارغة.
وبحسب إحصاءات رسمية، فإن سورية تحتل المرتبة الرابعة على صعيد الصادرات الأردنية إلى الدول العربية بعد العراق والسعودية ولبنان، كما أنها في المرتبة الرابعة في قائمة المستوردات الأردنية من الدول العربية بعد السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة.
وانخفض حجم التبادل التجاري مع سورية انخفض بنسبة تزيد عن 50 % وذلك منذ بداية الأحداث فيها ولغاية الفترة الحالية، وفق نقيب تجار المواد الغذائية، سامر جوابره
ويعترف رئيس غرفة تجارة الأردن، نائل الكباريتي لـ "مضمون جديد" بان التبادل التجاري مع سورية انخفض جراء الأحداث، لكنه لم يتوقف.
وأكد الكباريتي أهمية سورية باعتبارها منفذا لعبور السلع والخدمات بين الأردن ودول شرق أوروبا، مشيرا إلى أن القطاع التجاري الأردني حريص على استمرار التبادل التجاري مع سورية.
وشكلت صادرات المملكة إلى سورية خلال العام 2011 ما نسبته 8 % من صادرات الأردن إلى دول منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والبالغة نحو 2.263 مليار دينار، وما نسبته 3.8% من الصادرات الأردنية الكلية الخارجية والتي بلغت 4.780 مليار دينار.
فيما شكلت مستوردات المملكة من سورية ما نسبته 2% من المستوردات الكلية الخارجية للمملكة والبالغة نحو 12.994 مليار دينار خلال العام 2011، وما نسبته 5.5 % من مستوردات الأردن من الدول العربية للعام المنصرم والبالغة 4.849 مليار دينار.
رب الاسرة فّقِد فجاعت العائلة
السائق الاردني الذي يقود شاحنته في أرض تتصدر أحداثها الدموية نشرات الاخبار لا يغامر بحياته وحسب. هو يمضي مغامرا حتى بافراد اسرته الذين يتركهم "على اعصابهم" حتى يعود.
هذا ما اختبرته زوجة أحد السائقين الأردنيون الذي غادر إلى سورية منذ شهرين، ولم يعد حتى الان. هي لا تكف عن مواصلة المناشدة للإفراج عن زوجها.
لا تجد الزوجة - وهي أم لـ5 أطفال – ما تقوله سوى البكاء على زوجها الذي تحول الى "مفقود". مفقود ترك خلفه أفواه جياع وقلوب دامية على غيابه.
وقصة هذه الزوجة ليست وحيدة، بل ان أسرة سائق آخر بدأت معاناتها منذ 3 شهور، عندما علمت ان الشاحنة التي كانت على يقودها ربها فقد بعد ان سلبت شاحنته التي كان يقودها بصحبة عدة سيارات متجه إلى تركيا الأميركية. تقول الزوجة: غاب المعيل الوحيد للأسرة فتحولنا الى اسرة تنتظر الصدقات من أهل الخير.
وكانت هيئة تنظيم النقل البري أشارت الى ركود بات يسيطر على عمليات النقل البري التي تشمل الشاحنات الأردنية بمختلف مستوياتها ومن ضمنها برادات الخضار، والسفريات الخارجية باتجاه الشام وغيرها.
وقالت، بحسب الأنظمة والقوانين لا يتم إجبار أية شحنة أو عملية نقل بتسيير نقلها خصوصا في حال الاضطرابات التي تشهدها أية دولة يتم تصدير أو استيراد البضائع لها.
وأشارت إلى رفض بعض أصحاب البرادات الأردنية لنقل الخضار أمر عائد لهم خصوصا في الظروف الحالية التي تسود سورية.
وقالت الناطقة الإعلامية للهيئة إخلاص يوسف لـ "مضمون جديد": إن دراسة قامت بها الهيئة مؤخرا اظهرت تراجع حركة النقل بين الاردن وسورية.
ووفق الدراسة التي غطت الفترة بين 15/3/2011 ولغاية 15/5/2011، فإن نسبة التراجع للشاحنات الأردنية الخارجة إلى سوريا 10,5%، في حين بلغت نسبة تراجع الشاحنات الداخلة من الجانب السوري إلى الأراضي الأردنية 8,4%.
وأشارت إلى أن عدد الشاحنات التي خرجت من الأراضي الأردنية متجهة إلى سوريا خلال فترة الشهرين الماضيين 4052 شاحنة مقارنة بـ4527 شاحنة خلال نفس الفترة من العام الماضي،
أما الشاحنات التي دخلت الأراضي الأردنية والقادمة من الجانب السوري فقد بلغ عددها 4059 شاحنة مقارنة بـ4430 شاحنة خلال نفس الفترة من العام الماضي.
وأظهرت الدراسة أن الشاحنات الخارجة من الأردن للأراضي السورية تراجعت بمقدار 475 شاحنة، في حين بلغ عدد تراجع الشاحنات الداخلة إلى الأردن 371 شاحنة.
وبحسب الدراسة فقد بلغ عدد حركة الشاحنات على حدود جابر التي شهدت عدة اغلاقات منذ بدء الأحداث في سوريا نحو 35,245 ألف حركة خروج متورعة على شاحنات وبرادات وصهاريج وتريلات، في حين بلغت حركة الشاحنات الداخلة إلى الأراضي الأردنية عن طريق حدود جابر نحو 32,252 ألف حركة.
إستمع الآن