زيتون سفارين يحتضر وسط غبار كسارتها!

الرابط المختصر

طولكرم - سندس علي – مضمون جديد

اشار المزارع البسيط ابو بلال الى الكسارة الجاثمة وسط حقول الزيتون جنوب قريته سفارين الواقعة على بعد 20 كيلومترا الى الجنوب الشرقي من طولكرم، وقال بحرقة "لقد دمرت محاصيلنا وصحتنا ومواشينا".

كانت الحافلة "رقم 11" قد سارت بنا انطلاقا من القرية مخترقة طرقا صخرية وعرة تحاصرها النباتات الشوكية والحشائش الذابلة حتى وصلنا إلى موقع الكسارة التي تبعد نحو كيلومترين.
وكنا كلما اقتربنا اكثر نشعر بحدة ضيق انفاسنا تزداد بفعل الغبار والاتربة المنبعثة من الكسارة والتي غلفت المنطقة بسحابة تكاد تحجب الرؤية.

شكونا.. ولا حياة!

ومن تلة مشرفة، راح ابو بلال يحدثنا عن معاناته وعشرات المزارعين بسبب الكسارة التي اقيمت في هذه المنطقة قبل ثلاث سنوات وعلى مساحة تصل الى 200 دونم تقريبا.

وقال "مساحة أرضي الزراعية حوالي 400 دونماً وكنت أنتج منها ما يقارب 400 تنكه زيت أما الآن فلا يتجاوز الانتاج 150 تنكه والكمية في تناقص مستمر من انشاء الكسارة" .

ويضيف "وكذلك محاصيلي من القمح والبازيلاء والفول والعنب، لم تعد كما في السابق، حيث أن الغبار المنبعث من الكسارة يتراكم على أوراقها ويمنعها من النمو" .

ويتابع الرجل والحزن يعلو ملامحه التي أرهقها تقدم العمر وشقاء العمل في الزراعة "لقد أصابني ووالدي وكثير ممن لهم أراض زراعية في المنطقة أمراض في الصدر والرئتين".

ويقول "حتى المواشي أصيبت بالهزال فلم تعد تأكل كما في السابق بسبب تراكم الغبار والأتربة على أوراق النباتات والأعشاب. وقد اثر ذلك على إنتاجها من الألبان".

وكما يؤكد المشرف الصحي في وزارة الصحة هاني سلامة فان "الغبار والأتربة تسبب العديد من المشاكل الصحية مثل أمراض الرئة والقلب، وتلف أنسجة الرئة، وحساسية العين ولتهاب وحكة الجلد –الأكزيما".

ويضيف ان الغبار "يؤثر غالباً على الأطفال وكبار السن والمصابين بالربو ومن يعانون من أمراض قلبية, كما أن الأشخاص الأصحاء قد يتعرضون لاضطرابات تنفسية قصيرة المدى".

وقد تقدم ابو بلال ومزارعون اخرون بشكاوى الى المسؤولين من اجل ايجاد حل ينهي معاناتهم مع الكسارة، ولكن دون جدوى كما يؤكد.

وقال "قدمنا شكوى لوزارة البيئة ووزارة الزراعة وكذلك للحكم المحلي لإيقاف العمل في هذه الكسارة ووقع 1500 مزارع على ذلك أي مضار ومخاطر الكسارة على البيئة المحيطة ولكن لا حياة لمن ينادي" .

وحال باقي المتضررين من آثار الكسارة كحال أبو بلال فعلى سبيل المثال بلدية بيت ليد المجاورة ترغب في إنشاء منتزه في المنطقة لكنها لا تستطيع فعل ذلك بسبب الغبار والأتربة.

سر غامض

وبحسب ما يؤكده عبدالرحيم خضر، الناشط في الإغاثة الزراعية وعضو في لجنة الدفاع عن الأرض في محافظة طولكرم، فقد صدرت عدة احكام قضائية بمنع انشاء هذه الكسارة، ولكن هذه الاحكام لم تنفذ.

يقول خضر "حسب معلوماتي ومن خلال اطلاعي على مشكلة الكسارة أن المتضررين رفعوا قضية لمنع اقامتها في هذه المنطقة وكسبوا هذه القضية في محكمة صلح طولكرم ومحكمة العدل العليا".

ويردف "أستغرب عدم الأخذ بقرارات المحكمتين واللتين أوصيتا بعدم منح هذه الكسارة رخصة للعمل وأشك أن في الأمر سراً لا أستطيع فهمه".

وعلى ما يؤكده خضر فان الأرض المقامة عليها الكسارة "صالحة للزراعة والدليل على ذلك أن قسيمة الأرض.. مزروعة بأشجار الزيتون واللوز المثمرة، وأثبتت ذلك التقارير التي قدمتها وزارة الزراعة في وقت سابق"

ويضيف ان "هذه المنطقة محاطة بالأشجار من الجهات الشرقية والغربية والجنوبية والجنوبية الشرقية فمن الطبيعي أن تضر الكسارة على الأشجار مهما كان اتجاه الريح وهذا ردا على من قال أنا الريح في هذه المنطقة غالباً ما تكون في الاتجاه لشرقي" .

ويتابع خضر قائلا انها "جزء من الحوض الغربي وهو أغزر منطقة بالمياه الجوفية والدليل على ذلك أنه في عام 1936 قررت بريطانيا أن تحفر بئرا ارتوازية في هذه المنطقة ومن الطبيعي أن تؤثر الأتربة والغبار المنبعث من الكسارة على المياه الجوفية على مر الأيام" .
المتنفس الوحيد

وفي اشارة الى تاثيرات الكسارة على الاهالي في المنطقة، يقول خضر انه يقع قبالتها "قرية سفارين وبلدة بيت ليد، وغبارها وضجيجها يؤثران على هذين التجمعين السكانيين اللذين لا يبعدان هوائياً أكثر من كيلو متر واحد..وسيزداد هذا الضرر كلما امتد التوسع العمراني إلى الجهة الغربية" ناحية الكسارة.

ويضيف خضر ان "سفارين وبيت ليد محاطتان بالمستوطنات من الشمال والشرق والغرب بمستوطنات عناب وكدوميم وبني حيفتس على الترتيب وهذه المنطقة المنطقة التي أقيمت فيها الكسارة تعتبر المتنفس الوحيد لسكان هذه المنطقة" .

وضرب الناشط في الاغاثة الزراعية مثلا منطقة الكسارة في بلدة رامين المجاورة وما أحدثته من أضرار على البشر والشجر وكيف تحولت هذه المنطقة إلى منطقة غير صالحة للزراعة أو السكن وقال انه يخشى أن يحدث في منطقة الكسارة قرب سفارين وبيت ليد ما حدث في رامين.

واستطرد خضر قائلا انه "يجب أن لا نغفل أن هذه المنطقة جزء من وادي التين الذي حولته إسرائيل في أواخر القرن العشرين إلى منطقة كسارات ومقالع، حيث كانت تنوي نقل كسارات رأس العين إلى منطقة وادي التين وبعد احتجاجات من أهالي المنطقة أوقفت إسرائيل هذا المشروع".

وختم حديثه متسائلا "هل يعقل أن تستجيب إسرائيل لمطالب واحتجاجات أهالي المنطقة أما القائمون على الكسارة العرب والفلسطينيين وكل الوزارات والمسؤولين لم يستجيبوا؟"

اهون الشرور!

وبخلاف ما اوضحه خضر حول وجود قرارات قضائية بمنع انشاء الكسارة في هذه المنطقة، فان وزارة البيئة تؤكد ان وضعها قانوني، كما انها سعت الى التقليل من شأن اثارها السلبية على البيئة والسكان.

وفي هذا الصدد، قال دير مكتب وزارة البيئة في طولكرم وقلقيلية عصام قاسم "وصلتنا شكوى من أهالي ومزارعين المنطقة وتوجهنا مباشرة في اليوم التالي للكشف على المكان وكان بالفعل هناك عمليات حفر لإنشاء مشروع الكسارة وأوقفنا العمل حتى نجري الإجراءات اللازمة للسماح للكسارة بالعمل" .

ويضيف "تبين لدينا بعد كل التدقيق والإجراءات اللازمة أن مالك الكسارة قد حصل على الموافقات من كل الجهات المعنية ومن ضمنها وزارة الاقتصاد للعمل تحت مسمى شركة الكسارات الشرقية ولم يخالف أيا من قوانين العمل".

ويوضح قاسم ان "وزارة الزراعة منحت الكسارة الترخيص بناء على أن هذه الأرض 85% منها صخور فالأغلب أنها ليست زراعية، وكذلك وزارة البيئة أعطت تصريحا للعمل على اعتبار أن المنطقة غير سكنية، وعن وزارة السياحة فهي الأخرى لم تمانع لعدم اعتبارها منطقة أثرية أو سياحية" .

وكما يبين المسؤول في وزارة البيئة فان "صاحب هذه الكسارة اشترى من أصحاب المنطقة 200 دونماً ولكن نحن بدورنا حددنا له المنطقة التي يسمح له العمل فيها وهي فقط 34 دونماً".
وقال ان المنطقة التي سمح له بالعمل فيها تقع "في داخل الجبل أي أن الرياح سوف تنقل الأتربة والغبار بشكل أقل وإذا تجاوز مالك الكسارة الحدود المتاحة له وهو أبو حسن التكروري سوف نمنعه من العمل" .

ويسترسل قاسم في حديثه قائلا "نحن نعلم أن مثل هذا المشروع سوف تكون له أضرار بيئية وصحية، ولكن نحاول دائماً اختيار الاهون شرا".

ويوضح هنا ويقول ان "مكان الكسارة أفضل من غيرة ومضاره البيئية اقل، لذلك لم نمانع بالعمل ضمن شروط السلامة وهي أن لا يتجاوز الحدود المسموح له بالعمل فيها الـ 34 ونماً، وكذلك زراعة الأشجار الحرجية في المنطقة لما لها من دور في التقليل من التلوث".