عمان – هدى حنايفة - مضمون جديد
كانت رحلة من الزمن القديم.. سارت فيها الحافلة من مكة المكرمة الى المدينة المنورة في طريقها الى عمان. رغم ما الحادث الذي وقع للزجاج الامامي للباص أصر السائق على اكمال رحلة العودة من مكة الى المدينة.. كانت العاصفة تنثر رمالها في وجوه الركاب مباشرة، بعد ان تهشم الزجاج الامامي فمنهم من آذى أذنيه، ومنه من شعر بضيق تنفس .. لكن لا بأس اصبروا حتى نصل المدينة المنورة.
أبو مالك كان أحد ركاب رحلة العمرة، التي انهت مناسكها ورغبت بالعودة الى عمان. لكن تهشيم الزجاج ليس اول الحكاية.
يصف العجوز نفسه بأحد المتضررين "من رحلة الألف ميل". ويقول لـ "مضمون جديد": كأني قطعتها على قدمي من هول ما عانيت.
هو يعترف انه لم يطّلع - وهذا كما وصفه خطأ فادح - على نوع الخدمة، ولا حتى نوع الباص الذي سينقله. فقط قرأ كلمتين "الفندق خارج المركزية من دن ون ذكر اسمه.
يقول: لم أفهم ماذا يعني ذلك ولم أهتم لأني اعتمد على صديق لي كعادتي كل عام، لكن هذا العام اختلف.
أبو مالك صدمه نوع السكن. يقول: حتى المرافق كانت مشتركة، ولا تعرف فيه الخارجين من الداخلين .. لم تكن هناك لا حرمة لأي شيء.
وأضاف عندما خرج الباص من عمان قدمت ملاحظة عن الزجاج الأمامي انه مكسور طوليا فخفف السائق من اهمية الأمر، وما أن خرجنا من مكة بــ 15 كيلو متراً حتى فوجئنا بعاصفة رمليه لتذري الزجاج هشيما بوجه السائق.
"
ذعرنا وانحرف الباص عن طريقه قبل ان يسيطر السائق عليه". ما استفز ابو مالك طلب السائق من الركاب ان كانوا يملكون أدوات أسعاف. "هل يعقل ان ينتقل من بلد الى بلد من دون ان يحمل صندوق اسعاف أولي!" يتساءل.
وساعد السائق سيره ليلا، ومن أجل اخفاء فقدان الزجاج الأمامي للحافلة كان السائق يطفئ الانوار الداخلية عند كل نقطة تفتيش".
إنها عروض في الورق فقط، واعلانات كما لو كانت "شركا" لاصطياد الزبون ليس أكثر. اعلانات وهمية وعروض باسعار وخدمات خيالية بهدف استمالة زبون يريد اطاعة الله في ركنه او سنة نبيه عليه الصلاة والسلام.
لكنه سيكتشف.. الكثير من نظرائه سيكتشفون ان الامر لا يتعدى عن بعض الشركات نظرة الزبون فقط.
وعندما يعود الجميع الى االوطن تبدأ المشاحنات، بينما يراهن اصحاب الشركات على رغبة الحاج أو المعتمر في طي تجربة مؤلمة باقل الخسائر المادية.
حاج ومعتمر أم زبون؟
بينما يرغب الحاج التمتع برحلة روحانية هادئة، تفرض عليه شركات حج وعمرة نمطا من لغة السوق تطيح بكل الصور المتخيلة له عن رحلته الدينية وكيف يجب أن تكون.
هنا تدخل الارقام وما تعنيه من أرباح، وعروض سيكتشف الحاج لاحقا انها وهمية. وهمية الى حد الاستهتار بالقانون خارج المركزية.
وتعني كلمة "المركزية" للمختصين المنطقة التي تلف الحرمين بسوار مباشر من الفنادق، وهذا يعني أعلى سعر وأقل عناء.
في أية حال هي عبارة ترتكز عليها كثير من المخالفات في تمرير رغبة "التجار" في تحقيق أرباح أعلى على حساب راحة الحجاج وقبلهم وبعدهم المعتمرين.
المسألة بالنسبة لبعض التجار ليست مزحة، فنحن أمام ما يزيد عن 100 الف حاج ومعتمر سنويا، أو على حد نظرة السوق "زبون"، ووفق بعض الشركات 100 الف فرصة احتيال.
يقع ذلك رغم أن مهام الإشراف على شؤون الحج والعمرة موكلة الى وزارة الأوقاف، وفق القانون 32 من المادة 7 لعام 2001م ورغم تأكيدات وزير الأوقاف الدكتور عبد السلام العبادي لـ "مضمون جديد" أن الأوقاف تؤكد ضرورة سلامة وراحة الحجاج والمعتمرين بتفاصيلها كافة، مشيرا الى أن الوزارة تصدر تعليمات سنوية تحدد فيها آلية اعتماد المكاتب وفق مواصفات الحافلات والمساكن،
وعليه تمنح الشركات شهادة الإعتماد فلا يحق لأي شركة غير حاصلة على تلك الشهادة نقل المعتمرين الى الديار المقدسة".
ويؤكد مراقبو السوق على انخفاض عدد شكاوى الحجاج والمعتمرين، لك ذلك يعزا في بعض الاحيان الى المخالصات الشخصية بين "الزبون" وصاحب الشركة، وفق سياسة المخاجلة لعدم وجود أدلة قاطعة للشكوى التي يمكن ان يقدمها الزبون الحاج او المعتمر.
بالنسبة إلى الشق السعودي بهذه القضية فإنه قد بات معلومات لدى المعنيين أن "لا مسؤولية تلقى على العربية السعودية سوى باصدار تأشيرات السفر، بعد ابراز موافقة وزارة الأوقاف الأردنية للشركات المقدمة لذلك"، وهذا تماما ما يقوله رئيس قسم تأشيرات العمرة عايش البصيري لـ "مضمون جديد".
أم طارق الشيخ قاسم اعتادت على زيارة الديار المقدسة سنويا. أم طارق تعبر عن أسفها من عدم مصداقية كثير من شركات العمرة لما هو في العقد كما تقول.
هي دفعت في آخر رحلة لها مبلغ ضخم من أجل شراء رحلة هانئة كما تقول. لكن ما حصلت عليه على الورق شيء وفي الواقع شيئ أخر.
وتعاني العجوز من ألم في فقرات في الرقبة وهذا يعني رعاية خاصة لنفسها، ومن أجل ذك ارادت عروضا افضل واكثر راحة.
وتتذكر أم طارق رحلتها في احدى السنوات عندما توقف الباص لنحو 6 ساعات في الصحراء من أجل عدم توفر عجل اضافي معه.
أصحاب الشركات
لم يكن سهلا اقناع الكثير من اصحاب شركات الحج والعمرة في الأردن للرد على اسئلتنا او شكاوى "الزبائن".
أخيرا وافق مدير المبيعات في شركة روابي القدس عبد الرحمن جابر وهو أحد الشركات التي تحرص على تقديم خدمة افضل.
ويعترف جابر بوجود معاناة للمعتمرين والحجاج مع بعض الشركات ويقول: على الزبون تحري عن نوع البرنامج والباص ونوع السكن ويختار حسب ما يتناسب والخدمة التي يطمح لها، ثم عليه بعد ذلك ان لا يتردد في تقديم الشكوى لوزارة الأوقاف حسب ما جاء في العقد بينه وبين الشركة في حال اخلت الشركة ببنود العقد او شيء منه.
ويؤكد جابر ان معظم المخالفات ما تسببها الشركات الجديدة التي تسئ بدورها الى شركات العمرة ومصداقيتها، مشيرا الى ان قوانين الوزارة غير رادعة لمثل هذه الشركات.
ويشير الى أن الكثير من الشركات الناجحة التي تهتم بسمعتها وتلك التي تمتلك اسطول نقل خاص بها لذا هي من تطرح عروض مخفضة عادة حتى وان خرج الباص بعشر ركاب بحسبة "فاضي مليان" لأنها ستعوض ذلك باستقطاب مزيد من المعتمرين خلال السنة كاملة.
يقول الدكتور عبدالسلام العبادي: المقصود بعبارة المركزية هو أن السكن يقع خارج الخط الدائري الأول ضمن دائرة 600 – 700 متراً ومركزها الحرم.
ويضيف، لا يجوز لأي مكتب توقيع أي عقد مع أي معتمر من دون ذكر اسم الفندق سواء داخل المنطقة المركزية او خارجها، وكذلك يجب أن يكون العقد واضحاً بشقق سكنية خدماتية مشتركة او غير ذلك علما بأن الوزارة لا تعطي الموافقة على أي برنامج عمرة يقدم من المكاتب للإعلان عنه الا اذا كان موضحا فيه جميع هذه الأمور.
وينص العقد المعتمد من الوزارة والملزم للمكاتب توضيح نوعية الحافلة وموديلها اضافة الى أجرة النقل والسكن مشيرا الى وجود متابعة دورية للمكاتب للإلتزام بالتعليمات حيث صدرت تعاميم من الوزارة الى هذه المكاتب بعدم نقل المعتمرين الا بحافلات سياحية او تأجير حاصلة على تصريح هيئة تنظيم قطاع النقل البري تتوافر فيها مقاعد مريحة وتكييف وحمام وتجتاز الفحص الفني في دائرة الترخيص".
أم احمد العياصره مواطنة من جرش تحمل قصة العمر وليس رحلة العمر كما تقول لـ "مضمون جديد". عندما انهت مناسك العمرة في احدى السنين وعادت بها الحافلة الى الاردن. توقفت الحافلة على الحدود وهناك قال السائق للركاب. من سيوصلكم الى منازلكم؟ هكذا بكل بساطة.
ورغم محاولات عدة لـ مضمون جديد" الاتصال بجمعية وكلاء السياحة والسفر الأردنية المظلة التي ينضوي تحتها مكاتب الحج والعمرة لكن كلها باءت بالفشل بعد رفض مسؤولي الجمعية الحديث.
والجمعية أشهرت عام 1960م وكان هدفها رفع مستوى المهنية ورعاية مصالح اعضائها ومن ضمن مسؤولياتها انبثقت لجنة للحج والعمرة الا انها بالغالب محامي دفاع عن شركات العمرة.