ربع مليون دينار توفر مهنة الحمّار على بلدية السلط سنويا

عمّان - وليد شنيكات - مضمون جديد

الحمّار .. هكذا يسمونه في مدينة السلط, عامل النظافة الذي يسوق الحمار أمامه كل صباح ليجمع النفايات من الأزقة الضيقة والحارات البعيدة, وهي مهنة فرضتها طبيعة المدينة الجبلية, حيث تواجه آليات النظافة التابعة للبلدية صعوبة في الوصول اليها, غير أن الحمّار يقوم بهذه المهمة على أكمل وجه.

في أرجاء مدينة السلط حيثما تولي وجهك فإنك تصادف أحد هؤلاء الحمّارين أمامك إما راكبا أو راجلا, بين السيارات في الشوارع أو متسلقا الأدراج الطويلة المتدلية من رؤوس الحارات, ولا تستغرب ان لمحت أحدهم مصطحبا حماره أمام مطعم أو محل لبيع الخضار من أجل الشراء, فقد اعتادوا زيارة تلك الأماكن بعد نهار طويل حافل بالمشقة.

ومن دون الحمّار فإنه من الصعب على إدارة بلدية السلط إنجاز مهام النظافة في تلك المناطق الشاهقة, وقد تحتاج الى عدد كبير من عمال النظافة الذين يأتي أغلبهم من دول عربية للقيام بنفس المهمة, في وقت يعجز المسؤولون عن توفير هذا العدد من أبناء المدينة بسبب نظرتهم الدونية لهذا النوع من المهن.

يقول مسؤول قسم النظافة في البلدية علي الفاعوري ان طبيعة مدينة السلط الجبلية وضيق شوارعها وأزقتها جعلتنا نفكر بهذه الطريقة البدائية لنقل الأوساخ والنفايات وذلك اعتمادا على ظهور الحمير بعد ان واجه عمال النظافة مصاعب في القيام بهذه المهمة حيث يتطلب الأمر صعود عدد كبير من الأدراج المرتفعة لإحضار أطنان من النفايات.
وأشار الفاعوري ان الاستغناء عن مهنة الحمّار يجعل ظروف العمل في المدينة أصعب وسنحتاج حينها الى عدد كبير من عمال النظافة, مؤكدا ان مهنة الحمّار رائجة في دول أوروبية مثل ايطاليا وليس في الأردن فقط كما نقل لنا مهندسون قدموا إلينا مؤخرا من روما, بينما في دول أخرى يسمى عامل النظافة بالبغال.

وتشِّغل إدارة بلدية السلط سنويا المئات من عمال النظافة, وهي مهنة شاقة تحتاج الى صبر وتجاوز ثقافة العيب التي تسيطر على عقول أغلب الأردنيين وإذا ما فكر أحدهم بالعمل في هذه المهنة ¯ وهذا نادرا ما يحدث ¯ فانه سيضطر الى إخفاء وجهه حتى لا يتعرف عليه أحد.

وزاد الفاعوري قائلا لدينا في البلدية 39 حمّارا غير أننا استغنينا عن خدمات 12 منهم لضبط النفقات بعد أن تم إشراك عدد من الحمّارين في تنظيف نفس المنطقة مؤكدا ان هذه المهنة قللت كثيرا من الأعباء المالية على موازنة البلدية فلولاها لاحتجنا مقابل كل حمار من 6- 7 عمال وهذا يضيف أعباء مالية جديدة يكون من الصعب توفيرها.

وبسبب كثرة الأحياء السكنية في الأماكن الشاهقة فهذا يجعل إدارة البلدية تضطر أحيانا الى استدعاء الحمّارين للقيام بعمل إضافي, فليس في كل الأيام يتم الانتهاء من تنظيف تلك المناطق قبل حلول المساء وهذا يتطلب جهدا مضاعفا حسبما يقول الفاعوري.

ويقول مسؤول النظافة في إدارة البلدية التي مر على إنشائها أكثر من مئة عام في موسم الشتاء وتساقط الأمطار والثلوج قد لا يتمكن الحمار من الوصول الى منطقة عمله وهذا يضطرنا الى البحث عن بديل مثل أن يذهب عامل راجل ¯ على رجليه ¯ الى تلك المنطقة لإحضار النفايات من أمام البيوت.

ولا تعد إدارة البلدية مسؤولة عن المشاكل التي يواجهها الحمّارون, يقول الفاعوري نحن لا علاقة لنا في المشاكل التي تواجه الحمّار مثل أن يموت حماره أو ضياعه أو مرضه هو معني بأن يلتزم بعمله اليومي, مبينا أن البلدية تدفع بدل أكل للحمار تضاف الى راتب العامل نفسه الذي يصل شهريا الى 150 دينارا.

وتزدهر تجارة الحمير في قرى ومناطق مدينة السلط على نطاق محدود وذلك لندرتها, بينما في مخيم البقعة القريب فهي رائجة بشكل أكبر, حيث يذهب الحمّارين لشراء ما يحتاجونه من حمير خاصة اولئك الذين نفقت حميرهم في ظروف غامضة ويتراوح سعر الواحد منها ما بين 15 - 80 ينارا وذلك حسب قدرته وقوته أيضا فإذا كان كبير السن فان سعره منخفض وان كان في عز شبابه فإن سعره قد يصل الى 70 أو 80 دينارا كما يقول الحمّار علي الملاح.

ويضيف الملاح استهلكت العام الماضي ثلاثة حمير أحدهم مات بالمرض والآخر بحادث سير أو باعتداء الأولاد عليه مما اضطرني الى شراء حمار من مخيم البقعة بسعر 75 دينارا وهو ما زال معي حتى اليوم وأتمنى أن لا يموت هو الآخر.

يقول الملاح الذي يعمل حمّارا في بلدية السلط الكبرى منذ أربع سنوات أن راتبه لا يتجاوز 145 دينارا بينما تدفع البلدية للحمار الواحد 9 دنانير عكس ما كانت تدفع قبل عدة سنوات, حيث كان يصل راتب الحمار الى 25 دينارا مشيرا أن هذا المبلغ لا يساعده على تجهيز الحمار من تنظيف وطعام يومي الى جانب وضع المشتيل على ظهره حتى يستطيع تحمل وزن النفايات وغيره أجرة سكن الحمار ¯ المغارة¯ فكل نهاية شهر أقوم بدفع ثلاثة دنانير لقاء خدمة مبيت الحمار.

ومغارة أبو هلال كما هو متعارف عليها بين الحمارين هي المكان المناسب لمبيت عشرات الحمير حيث يصدف أحيانا أن يصل عددها في المغارة الواحدة الى عشرة حمير, وأحيانا قد يضطر الحمّار الى البحث عن سكن آخر لحماره بسبب توالي شكاوى السكان من أصوات هذه الحيوانات النهيق خاصة في فترات الليل.

ورغم توفر المكان ¯ المغارة ¯ إلا أن تسلط أولاد الحارات على الحمير بالضرب والإيذاء يؤدي في أغلب الأحيان الى موت بعضها وفرار بعضها الآخر بعد فك السلاسل الحديدية من أرجلها, حسب قول الملاح, (في صباح اليوم التالي عدت الى المغارة لأصطحب حماري غير أنني وجدته ميتا وكانت فاجعتي كبيرة لأنه كان رفيقي طوال سنوات, كما أنني سأكون مضطرا لشراء واحد جديد وإلا فاني لن أعمل في هذه المهنة مجددا حيث لا تهتم البلدية للحوادث اليومية التي يتعرض لها الحمّارون).

بدوره يقول العامل عبد الباري عبد العاطي ضاحكا أسعار الحمير حسب الموديل بعض الحمير رخيص الثمن بينما هناك حمير يصعب شراؤها لأن أسعارها مرتفعة جدا, مشيرا أن ادارة البلدية تدفع رواتب زهيدة للعمال يصل أعلاها الى 150 دينارا يضاف اليها 12 دينارا للحمار بدل أعلاف وخلافه .. فقد يحتاج الحمار مثلا الى طبيب بيطري للعلاج خاصة في أيام الشتاء حيث تكثر الأمراض بسبب البرد.

وكما يقول عبد العاطي: الحمّار مسؤول عن كل شيء يتعلق بالحمار من أكل وشرب وتنظيف, حيث يقوم العامل بتنظيف الحمار مرة كل ثلاثة أيام بسبب ما يعلق به من أوساخ وزيوت أي هو بحاجة الى دش.

وعن سير عمله يقول أيضا كل حمّار مكلف بعدد من الشوارع والحارات الضيقة لتنظيفها من النفايات بسبب صعوبة دخول آليات البلدية اليها حيث تقوم الحمير بدور كبير يفوق الدور الذي يقوم به العامل العادي فالحمير لديها أمكانية صعود الأدراج التي تزخر بها مدينة السلط فضلا عن الجبال الشاهقة

وإذا ما مات حمار او مرض فإن المنطقة المكلف بتنظيفها ستعاني من تراكم النفايات إلا إذا تم تحويل حمّار آخر لحين أن يشفى الآخر أو أن يضع مسؤول قسم النظافة خطة بديلة لإنقاذ الوضع.

ومثلما لمهنة الحمّار أتعابها وآلامها فهي أيضا تزخر بالقصص والنوادر اليومية الطريفة ومنها ما حدث مع أحد الحمّارين .. فقد أعتاد على أكل البوظة بشكل يومي وما يتبقى منها يطعمه للحمار الذي يعمل معه, غير أنه لم يكن يعلم أن حماره اعتاد هو الآخر على أكل البوظة, حيث كان الحمار يرفض الذهاب الى العمل إلا بعد أن يقوم بإطعامه واحدة منها وهذا بالطبع ضاعف من الأعباء المالية على صاحب الحمار, كما روى القصة علي الفاعوري.

ومن تلك القصص ما يقوله الحمّار محمد السيد, بينما كنت أنوي قطع الشارع وأنا راكب على ظهر الحمار في منطقة حي الزهور صدمتني سيارة مسرعة كانت تقودها فتاة ¯ علمت لاحقا أنها كانت معلمة ¯ مات بسببها حماري على الفور بينما أصبت أنا بكسور بالغة وما زلت أتلقى العلاج, ورغم إصابتي فإنني حزنت جدا على موت رفيق حياتي لأكثر من أربع سنوات.

ويضيف السيد الذي يعمل في هذه المهنة منذ ثلاث سنوات أنه يبدأ عمله من الساعة السادسة صباحا وحتى الثانية ظهرا غير أن زحام السيارات غالبا ما يوقعه في مشاكل, كثيرا ما تسبب لنا هذه المهنة مشاكل مع سائقي السيارات حتى أن بعضهم يتعمد صدم الحمير وإسقاط النفايات التي على ظهرها أو أن يتلفظ بعبارات غير لائقة.

ومن النوادر التي حدثت مع السيد أن حماره هرب منه فجأة فظل يطارده لمسافات طويلة حتى أمسك به في منطقة نقب الدبور غير أنه لم يكمل عمله في ذلك اليوم بسبب عناد حماره له كما يقول.0

أضف تعليقك