حياة آلاف الاسر الغزية مهددة بسبب استخدام الاسبست
قطاع غزة – محمود أبو الهنود- مضمون جديد
يجتهد أبو محمد 46 عام من سكان منطقة مخيم الشاطيء بغزة بالبحث عن ألواح الاسبست المستعملة بهدف شراءها واعادة بيعها للمواطنين مرة أخرى ، وهو سعيد في عمله في تلك المهنة كونها تدر عليه أرباح مالية تكفيه لسد حاجة أسرته المكونة من ثمانية أفراد ، لكنه يفعل ذلك دون أن يعلم المخاطر الصحية المترتبة على تعامله بالاسبست، وحجم الامراض التي قد تصيب المواطنين جراء تعرضهم لتلك المادة الخطيرة بحسب ما أفادت به تقارير صحية عربية ودولية .
ام رائد مصطفى 58 عام تروي "لمضمون جديد قصة معاناتها من الاسبست ،مشيرة الى انها شعرت بفرحة كبيرة لحظة تمكن زوجها من شراء منزل مساحته 150 متر مربع في منطقة جباليا كونها ستتغلب على معاناة طويلة قضتها في التنقل بين أكثر من منزل بالايجار ، بعد مرور عدة أعوام على شراء البيت الجديد اكتشفت ام رائد كما تؤكد " لمضمون جديد " أنها وقعت في مشكلة أكبر من مشكلاتها السابقة كون المنزل مسقوف بألواح اسبست قديمة مر عليها فترة طويلة من الزمن ،
تضطر ام رائد بين فترة وأخرى لمراجعة عيادة الامراض الجلدية القريبة من منطقة سكناها مصطحبة ابنها ياسر12 عام نتيجة اصابته " بحبوب وفطريات جلدية " تؤكد أن الاسبست هو السبب الوحيد والرئيسي لها ، لكن معاناة ام رائد وابنها ياسر ، أهون بكثير من معاناة عشرات الاطفال ، والشبان ، وكبار السن في قطاع غزة ، ممن أصيبوا بأمراض سرطانية في أنحاء مختلفة من أجسامهم ، وأصبحوا يتلقون علاجات كيماوية شديدة على أمل الشفاء، من بين هؤلاء من يعتقد ان الاسبست كان سبب رئيسي ومباشر لاصابته بالمرض.
قصص علاقة " الاسبستوس " بالاصابة بمرض السرطان بات الكثيرون يؤمنون بها بعد تزايد حجم الاصابات بين مواطنين يقطنون في منازل سقفت اسطحها بالاسبست.
لؤي عمار 27 عام يراقب بخوف وحذر شديد سوء حالة والده الصحية البالغ من العمر 78 عام بعد اصابته بسرطان الرئة ، ويقول " لمضمون جديد " أن مرض السرطان ظهر على والده بشكل مفاجيء ، حيث اصيب بالم في منطقة الصدر مما استدعى مراجعة أطباء الصدرية في العيادة الخارجية بمستشفى الشفاء الطبي ، وبعد اجراء الفحوصات المختلفة تبين وجود " ماء على الصدر " حيث اثبتت فحوصات أخرى اصابته بالسرطان ، لم ينتظر لؤي سؤالنا عن ظروف وطبيعة سكنه حتى نطق بعبارة مهمة " انه الاسبست " ، مشاعر الحزن بدت واضحة على وجهه على ما اصاب والده وهو لايعلم كيف سيتمكن في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها أسرته ، من ازالة ألواح الاسبستوس من فوق سطح المنزل لعله يسعف حياة بقية أفراد أسرته .
مركز الميزان لحقوق الانسان اعد ورقة عمل بعنوان " "مرضى السرطان .. تحديات وامال"، ونشرها بتاريخ 24/سبتمبر/2012 ، أن مرضى السرطان يشكلون نسبة 11.8 % من إجمالي الوفيات،في منطقة قطاع غزة ، و أن سرطان الرئة هو النوع الأكثر تسببا في الوفيات بين مرضى السرطان، يليه سرطان الثدي والقولون ، وﻓـــــﻲ العام (2010 ) م ﺸـــــﻜﻠت أﻤـــــراض السرطان السبب الثالث للوفاة .
ووفقا لمركز " حابي " للحقوق البيئية فإن مادة الاسبتوس هي عبارة عن خليط من عدة معادن طبيعية من أملاح السليكا كالماغنسيوم والكالسيوم والحديد توجد علي هيئة صخور ويتم استخراج تلك المادة من مناجم خاصة فى جنوب أفريقيا وجنوب فلندا وروسيا ويتم تكسيرها بواسطة كسارات خاصة ثم طحنها حتي تصبح أليافاً صغيرة لا ترى بالعين المجردة ويتم تعبئتها ونقلها إلى دول العالم .
وتتسبب تلك المادة بأمراض كثيرة وخطيرة ، كالتهاب الغشاء البلوري ، تضخم الغشاء البلورى وهو مرض يسبب ألم وصعوبة فى التنفس ويعيق وظائف الرئتين ، بالاضافة لامراض أخرى كليف الرئتين "التحجر الرئوى " وهو ما يعرف بمرض الأسبستوزس ، وسرطان الغشاء البلورى ، و الإرتشاح البلورى ، والنتؤات الجلدية .
وكان ﻓﺮﯾﻖ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﯿﻦ ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺒﺤﻮث اﻟﺴﺮطﺎﻧﯿﺔ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ هاواي اﻷﻣﺮﯾﻜﯿﺔ، قد تمكن ﻣﻦ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻟﻐﺰ ﻋﻼﻗﺔ اﻷﺳﺒﺴﺘﻮس ﺑﺎﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﺴﺮطﺎن.
ﻓﻮﻓﻘﺎ ﻟﻺﺣﺼﺎءات، ﯾﻮاﺟﮫ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 20 ﻣﻠﯿﻮن ﺷخص ﻓﻲ اﻟﻮﻻﯾﺎت اﻟمتحدة، وعدد أﻛﺒﺮ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﻌالم، ﻣﻤﻦ ﯾﺘﻌﺮﺿﻮن ﻟﻤﺎدة اﻷﺳﺒﺴﺘﻮس، خطر اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﻮرم المتوسطة الخبيث ، وھﻮ ورم معند ﻻ ﯾﺴتجيب ﻟﻠﻌﻼﺟﺎت الدوائية اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﯾصيب اﻷﻏﺸﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗغطي اﻟﺮﺋﺘﯿﻦ واﻟﺒطن ، كما وجد أن اﺳﺘﻨﺸﺎق ﻣﺎدة اﻷﺳﺒﺴﺘﻮس ﯾﺰﯾﺪ ﻣﻦ ﻣﺨﺎطﺮ اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﺴﺮطﺎن اﻟﺮﺋﺔ خاصة ﺑﯿﻦ المدخنين .
نصوص القانون
ويعرف قانون البيئة الفلسطيني الصادر بتاريخ 6/7/1999 " تلويث الهواء " على أنه أي تغيير في خواص ومكونات الهواء الطبيعي قد يسبب خطراً على البيئة و بحسب المادة "12 " من القانون الفلسطيني فإنه "لا يجوز لأي شخص أن يقوم بتصنيع أو تخزين أو توزيع أو استعمال أو معالجة أو التخلص من أية مواد أو نفايات خطرة سائلة كانت أو صلبة أو غازية إلا وفقاً للأنظمة والتعليمات التي تحددها الوزارة بالتنسيق مع الجهات المختصة." ، ووضع القانون عقوبات للمخالفين وحددها بثلاثة آلاف دينار أردني كحد أقصى ، و الحبس لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو بإحدى هاتين العقوبتين.
انتشار الاسبست
وعلى الرغم من حركة التطور العمراني التي تشهدها منطقة قطاع غزة خلال الاعوام الاخيرة ، الا أن مئات الاسر الغزية ما زالت تقطن منذ عشرات السنين في بيوت متواضعة مسقوفة بالاسبست معظمها في مناطق المخيمات والاحياء الفقيرة ، وهوما يؤدي الى انتشار الامراض المختلفة بين المواطنين ، حيث تعاني تلك المناطق من انتشار الفقر ، والبطالة ، ويفتقر السكان لمعلومات تثقيفية ، وصحية ، قد تشجعهم على التخلص من خطر يحدق بهم ناتج عن الاسبستوس ، حيث أفادت معلومات نشرها الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني أن أمراض السرطان هي المسبب الثاني للوفيات لدى الفلسطينيين، و تشكل نسبتها 12.5% من مجموع الوفيات، رغم استمرارها لسنوات طويلة المسبب الثالث للوفيات ولا تشكل أكثر من 11% من مجموع الوفيات.
وبحسب الجهاز المركزي للاحصاء فقد حّل سرطان الرئة في المرتبة الثانية من حيث عدد حالات السرطان المبلغ عنها في فلسطين، وذلك بنسبة 10.8% من مجموع حالات السرطان المبلغ عنها في العام 2010.
وأوضح جهاز الإحصاء في بيانه استنادا إلى تقارير وزارة الصحة، أن سرطان الرئة يأتي في المرتبة الأولى بين السرطانات التي تصيب الذكور في فلسطين، وبنسبة 17.3% من مجموع السرطانات المبلغ عنها لدى الذكور خلال 2010، بينما يأتي سرطان الرئة في المرتبة الرابعة بين السرطانات التي تصيب الإناث بنسبة 5.1% من مجموع حالات السرطان لدى الإناث.
البحث عن حلول
سمير حرارة رئيس قسم البيئة وعلوم الارض بالجامعة الاسلامية بغزة يقول " لمضمون جديد أن مخاطر الاسبستوس على صحة الانسان عديدة ، وهو مادفع برأيه البعض لوصفه " بالخطر الخفي " بحكم أن خطورته غير واضحة للعيان .
مشيراً إلى أن تأثير الاسبتوس لايبدو واضحاً على الاشخاص الذين يتعرضون له بشكل مباشر سوى بعد مرور فترة طويلة قد تصل أحياناً الى أكثر من عشرين عام ، موضحاً أن الاسبست يستخدم عادة في مجال البناء ، وتسقيف المنازل ، والعوازل الداخلية والخارجية ، ويستخدم ايضاً في انابيب تصريف المياه ، والادخنة ، وفي صناعة الابواب المقاومة للحريق .
وتحظى صناعته باستهلاك كبير في كثير من دول العالم ،الا ان خطورته تكمن في نوع المواد المعدنية الموجودة فيه ، مبيناً أن تأثيرات الاسبست الصحية على الانسان تظهر من خلال المدة الزمنية التي يتعرض لها الاشخاص ، وبناء على عدد الالياف وطولها ، وتظهر أعراض المرض بعد التعرض المزمن لالياف الاسبتوس ، مشيرا الى ان الخطر الاكبر يأتي من استنشاق الاسبتوس لفترة طويلة في المنازل ، واماكن العمل .
بالاضافة الى الخطر القادم من استعمال مواد الاسبتوس في تصنيع انابيب المياه ، حيث يتعرض الاشخاص العاملين في تصنيع الاسبتوس الى العديد من الامراض ، من اخطرها سرطان الرئة ، حيث تتميز الياف الاسبتوس بدقتها الشديدة التي تعمل على خفض كفاءة الرئتين والجهاز التنفسي ،
وأشار حرارة ان استخدام الاسبست انخفض عن السنوات السابقة نتيجة وعي مستمر من قبل المواطنين بمخاطره ، خصوصاً بعد منع استيراده الا ان الاوضاع الاقتصادية الصعبة ، والبطالة ، برأيه تجعلان بعض الاسر تتمسك باستخدامه في سقف منازلهم بسبب العجز عن توفير بديل آخر ، داعياً الى وجود خطة مدروسة من قبل الجهات المختصة للحد من استخدام الاسبستوس ، ومساعدة الاسر الفقيرة على التخلص منه للحفاظ على صحة الانسان الفلسطيني ، وعلى البيئة الفلسطينية ، بما يضمن استنشاق المواطن الفلسطيني لهواء نقي ونظيف .
زكي زعرب مدير عام التوعية البيئية بسلطة جودة البيئة بغزة يؤكد " لمضمون جديد " أن مادة الاسبست تعتبر من المواد خطرة الاستعمال ، مشيراً إلى أن الخطر الحقيقي يأتي من عملية استنشاقه التي يتعرض لها في الغالب العاملون في تصنيعه ، وتسويقه ، والاشخاص الذين يستعملونه في سقف منازلهم نتيجة عجزهم عن توفير بدائل أفضل ، وأوضح زعرب أن خطر الاسبست لايقتصر على الاشخاص الذين يستخدمونه ، إنما يتعرض أيضاً كل من يستنشقه لفترة طويلة للخطر ذاته.
مبيناً أن تعرض الكثير من المنازل المسقوفة بالاسبست للقصف الاسرائيلي خلال الحرب الاخيرة على قطاع غزة ساهم بانتشار غبار الاسبست في الجو وفي تعكير الهواء ، والبيئة الفلسطينية ، وأشار زعرب الى أنه تم منع استيراد الاسبست منذ أكثر من عشر سنوات الا ان الحد من استعماله يحتاج الى وعي من قبل المواطنين الذين يستخدمونه بمخاطره الصحية ، بهدف تشجيعهم على التخلص منه واستبداله بمواد صديقة للبيئة لللحفاظ على الانسان الفلسطيني .
إستمع الآن