حقوق عمال المنطقة الصناعية في إسرائيل.. يصنع القانون لظلم الفلسطينيين
غزة – حسن دوحان
8000 الآلاف فلسطيني يعمل في المنطقة الصناعية والمستوطنات لم يحصلوا على حقوقهم العمالية من أرباب عملهم الإسرائيليين .. بينما تمر السنوات وما زال عمال قطاع غزه ينتظرون تحصيل حقوقهم العمالية من مشغليهم الإسرائيليين .. الوقت يمر بل أمل.
لكن العامل معروف سلامة 55 عاماً لم يفقد الامل في امكانية تحصيل حقه.. انه لا ينفك في البحث عن وسيلة يقدم فيها طلبا رسميا لتحصيل حقوقه العمالية في مكاتب العمل المتوزعة في محافظات غزة.
يتوجه سلامة أسبوعياً إلى مقر مكتب وزارة العمل بمخيم جباليا شمال غزة علّه يسمع أخبارا جديدة عن حقوقه داخل "الخط الأخضر" البالغة نحو عشرين عاماً متواصلة، لكنه يصطدم دائما بمكتب العمل الذي يقول انه أوقف المعاملات خشية تكرار المحاكم الإسرائيلية اتخاذ القرارات بعدم أحقيتهم في التعويض بحجج مختلفة.
وبموجب القانون الإسرائيلي يترتب للعمال الغزيين حقوقا عمالية هي عبارة عن اقتطاعات ضريبية، ورسوم عضوية حصلها الاسرائيليون من رواتبهم لصالح الهستدروت من دون وجه حق، لكن لم يتمكن غالبية العمال من الحصول على حقوقهم، نتيجة جملة من دهاليز القضاء الاسرائيلي وتحايلات أصحاب العمل بإجهاض إمكانيات حصول العمال على حقوقهم.
يعيش العامل سلامة أوضاعاً اقتصادية قاسية، بعد ان ترك عمله داخل الخط الأخضر نتيجة إغلاق معبر بيت حانون "ايريز" أمام حركة العمالة من قطاع غزة، وهي الذريعة التي يرفض بمقتضاها مشغله الإسرائيلي إعطاءه أي تعويضات عن فترة عمله معللاً ذلك بأنه لم يقم بفصله من العمل، لكن الإجراءات والقرارات الأمنية الإسرائيلية بمنع عمال غزة من العمل داخل الخط الأخضر هي التي تحول دون توجهه لعمله كما يقول.
ويعتمد العامل سلامة في إعالته لأسرته البالغة تسعة أفراد على بعض مساعدات الشؤون الاجتماعية المحدودة، بعد أن كبر سنّه، وتركه للعمل في مجال النجارة على مدار سبعة سنوات.
وحالة العامل سلامة قصة من بين آلاف القصص لعمال غزة الذين حرمتهم الإجراءات الإسرائيلية التعسفية من حقوقهم العمالية.
وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بدأت منذ انتفاضة الأقصى الثانية في نهاية العام 2000، باتخاذ جملة من الإجراءات التعسفية بحق عمال غزة، وتجلت هذه الانتهاكات في حرمانهم من الحق في العمل وحرمانهم من حقوقهم العمالية..
وقبل بدء انتفاضة الأقصى في نهاية العام 2000 بلغ عدد العاملين داخل إسرائيل قرابة (30000) عامل وعاملة يعملون بشكل منظم ، بالإضافة إلى قرابة (10000) عامل يعملون بشكل غير منظم (تصاريح تجارة – العمل من دون تصاريح)..
عمال المستوطنات والمنطقة الصناعية
وفي إطار سياسة العقاب الجماعي التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، تصاعدت الإجراءات التعسفية إلى أن وصلت لإغلاق سوق العمل الإسرائيلية كلياً أمام العمالة الغزية، ولم يحصل قرابة 8000 عامل وعاملة في المستوطنات والمنطقة الصناعية في معبر بيت حانون على حقوقهم العمالية بعد الانسحاب من قطاع غزه من طرف واحد.
وتسبب الحصار لقطاع غزة منذ عام 2007م في فقدان (90000) عامل وعاملة لفرص العمل في السوق المحلية، ولم تكترث قوات الاحتلال الإسرائيلي لذلك رغم تصنيف تلك الإجراءات من وجهة نظر القانون الدولي بالتمييز العنصري والعقاب الجماعي المرفوض.
يقول العامل محمد عبد الرحيم 37 عاماً: "تعرضنا لظلم كبير من قبل أرباب العمل الإسرائيليين لكننا لم نجد أي جهة تقف إلى جوارنا، ولا نعرف لمن نتوجه أو الجهة القادرة على استخلاص حقوقنا من المشغلين الإسرائيليين".
ويضيف، "منذ نحو عشرة أعوام أطالب بحقوقي عن سنوات عملي في مصنع اكسبورت بالمنطقة الصناعية ببيت حانون دون جدوى، فقد تعلل مشغلي الإسرائيلي بالإفلاس للتهرب من دفع تعويضات لعمال المصنع البالغ عددهم نحو سبعين عاملاً".
اما مسعود بريكة 45 عاماً وهو العمال السابقين في المستوطنات فيقول انه كان يعمل في مصنع خياطة في مستوطنات رفح.
ويشير إلى انه صدم من تنكر صاحب العمل الإسرائيلي لحقوقه بعد الانسحاب من قطاع غزة، وحتى الآن لم يستدل على عنوانه في إسرائيل لرفع دعوى قضائية ضده.
وسبق وتوجه بريكة إلى محامي عربي من داخل الخط الأخضر، لكنه حتى الآن لم يفعل شيئا ويحاول الحصول على عنوان لصاحب العمل الإسرائيلي من دون جدوى.
وتقدم محامي مسعود بدعوى قضائية لمعرفة عنوانه، لكن القاضي الإسرائيلي رفض طلبه، وطالبه بتوضيح العنوان في عريضة الدعوى أو الحكم برفض القضية.
المنطقة الصناعية ببيت حانون
ويبلغ عدد العمال في المنطقة الصناعية ببيت حانون 3096 كانوا يعملون في 191 مصنعاً وورشة عمل، قامت وزارة العمل بإعداد 1545 استمارة حقوق عمالية وفق القانونيين الفلسطينيين 16/1964 والقانون المعدل رقم 7/2000، فيما يبلغ عدد عمال المستوطنات 4200 عاملاً وعاملة.
ولا تختلف حكاية العامل مراد عبدالله من جباليا عن قصص الاخرين من أبناء وطنه فهو الاخر لم يحصل بعد على مستحقاته من مشغله الإسرائيلي مع بقية زملائه البالغ عددهم 33 عاملاً فلسطينيا عن سنوات عملهم داخل الخط الأخضر، نتيجة إعلان مشغلهم إفلاسه وهجرته لأوروبا.
وكان عبدالله يعمل مزارعاً على مدار عشرة سنوات في الدفيئات الزراعية في مستوطنات شمال غزة. يقول: نحن بحاجة إلى من يساعدنا بأخذ حقوقنا من أرباب العمل الإسرائيليين الذين يتفنون في حرماننا من حقوقنا، فلم يعد الأمر حرماننا من العمل بذرائع أمنية باطلة بل امتد الأمر لحرماننا من حقوقنا العمالية المتعارف عليها وفق كل القوانين.
غطاء قانوني لظلم العمال
يقول مدير مركز الديمقراطية وحقوق العاملين بقطاع غزة المحامي كارم نشوان لـ "مضمون جديد" "ينص القانون الإسرائيلي على حق العمال في المكافئة في حالة الفصل من العمل، أما في حالة الاستقالة أو ترك العمل فلا يوجد للعامل أية حقوق، والكثير من أصحاب العمل تمسكوا بهذه الثغرة القانونية.
واضاف ان الاسرائيليين يدعون انهم لم يفصلوا العمال وإنهم لازالوا بحاجة لعملهم، لكن الجيش الصهيوني هو الذي منعهم، وبالتالي لا تنطبق أحكام الفصل التي تستدعي التعويض، وفي حالات عديدة أخذت المحاكم بهذه الذريعة الكاذبة، وترتب عليها ضياع حقوق العمال.
ووفق نشوان فان الجزء الأكبر من أصحاب العمل يحاول التملص من استلام بلاغ المحكمة، تحت ادعاء الوجود خارج البلاد أو نقل عنوان العمل أو السكن لمكان مجهول.
ويترتب على عدم استلام بلاغ المحكمة لمرتين متتاليتين سقوط القضية في المحكمة، مشيرا الى ان الكثير من القضايا سقطت من المحكمة تحت عنوان عدم الاستدلال على عنوان صاحب العمل، رغم أن العديد من العمال كانوا يؤكدون على بقاء صاحب العمل في ذات العنوان المدون في تصريح في العمل.
تواطؤ "الهستدروت"
واتهم نشوان اتحاد النقابات الإسرائيلي "الهستدروت" بالوقوف صامتاً أمام الانتهاكات، رغم أنه يقتطع رسوم عضوية من العمال العرب أسوة بالعمال الإسرائيليين، غير أنه يمارس التمييز العنصري في تقديم الخدمات والتدخل والضغط لحماية الحقوق العمالية، فهو يدافع عن حقوق العمال الإسرائيليين ويغض النظر عن انتهاكات حقوق العمال العرب.
التسويات غير العادلة
ويعاني العمال الذين يتمكنون بعد عناء وانتظار سنوات للحكم بقضاياهم من قبل المحاكم الإسرائيلية من عرض بعض أصحاب العمل تسويات ودية على العمال لا تضاهي ربع مستحقاتهم الحقيقية.
وكان بعض العمال يقبلون هذه التسويات الظالمة، عملاً بالمثل القائل "عصفور باليد خيراً من ألف على الشجرة".
يقول مدير مركز الديمقراطية وحقوق العاملين بقطاع غزة: "من عوامل قبول العمال لهذه التسويات تعثر وتباطؤ العدالة، وعدم الجدية في تنفيذ الأحكام، وكأنها مساعدة لأصحاب العمل في ابتزاز العمال بتسويات ظالمة.
مطالب تعجيزية
وتضع المحكمة شرطاً تعجيزياً هي شهادة العامل أمامها الأمر الذي يتطلب حصوله على تصريح لدخول إسرائيل، ونادراً ما يستطيع العمال الحصول على هكذا تصريح، لأسباب أمنية، وفي العديد من الحالات التي تابعها مركز الديمقراطية وحقوق العاملين تم إسقاط تلك القضايا من المحكمة لعدم مثول العامل للإدلاء بشهادته أمام المحكمة.
التقادم
وتخضع الحقوق العمالية وفقاً للقانون الإسرائيلي للتقادم، التي حددها القانون بسبع سنوات، تبدأ من تاريخ توقف العامل عن العمل "الفصل".
ويدرك اصحاب العمل ذلك لهذا فان الكثير منهم اتبع سياسة مفاوضة العمال ودياً بإعطائهم تعهدات لم يتم تنفيذها إلى أن انتهت المدة الزمنية المحددة للمطالبة.
ويجهل جزء من العمال أحكام التقادم في القانون الإسرائيلي، وهو ما استغله اصاب العمل.
ووفق قانونيين فان ههناك عدد ضخم من الملفات سقطت بالتقادم، كما تذكر ورقة عمل بعنوان حقوق عمال قطاع غزه بين مطرقة الفصل وسندان الحرمان من الحقوق أعدها مركز الديمقراطية وحقوق العاملين بقطاع غزة..
ويقول مدير مديرية عمل شمال غزة في الحكومة المقالة رفيق أبو الجبين لـ "مضمون جديد" القانون الفلسطيني والمحاكم الدستورية الفلسطينية تقول يحق للعامل المطالبة بحقوقه خلال 15 عاماً، كما ويحق له التقدم بعد ال 15 عاماً بالمطالبة بحقوقه في حالات خاصة مثل انه كان متوفي أو سجين أو في الخارج، وهو ما يعني تعارض القانوني مع الفلسطيني والاسرائيلي.
آثار اجتماعية واقتصادية
ونتيجة حرمانهم من قبل إسرائيل من حقهم في العمل، وفشل محاولاتهم في الحصول على فرص عمل بديلة في مناطق السلطة الوطنية، وضعهم في دوائر الفقر مما أضطر العديد منهم لتوقيف أبنائهم عن الدراسة، مما اسهم في فتح ملف جديد وهو انتهاك حقوق الأطفال باجبارهم على العمل.
وانتشرت في صفوف الاطفال العمالة والتسول بعد بروز ظاهرة التسرب من التعليم، وزيادة العنف الأسري جراء البطالة والفقر. وهو ما تؤكده ورقة العمل التي أعدها مركز الديمقراطية وحقوق العاملين بقطاع غزة بعنوان حقوق عمال قطاع غزه بين مطرقة الفصل وسندان الحرمان من الحقوق.
تحصيل الحقوق
إلا أن مسؤول الدائرة القانونية في الاتحاد العام لعمال فلسطين سلامة أبو زعيتر فتح بتصريحات له لـ "مضمون جديد" طاقة أمل لهؤلاء العمل حين قال: بإمكان عمال المستوطنات والمنطقة الصناعية بمعبر بيت حانون التقدم الان بملفاتهم وأوراقهم ورفع قضايا للمطالبة بحقوقهم بعد قرار محكمة العدل الإسرائيلية العليا التعامل مع عمال المستوطنات والمنطقة الصناعية.
واضاف أبو زعيتر "سنعمل على عدم احتساب المدة السابقة من المدة التي يتيحها القانون الإسرائيلي لتقديم القضايا أمام المحاكم نظراً لرفض المحاكم استقبالها، واحتساب المدة من تاريخ قرار محكمة العدل العليا الإسرائيلية..
وأوضح أن اتحاد عمال فلسطين بدأ بالاتفاق مع بعض المحاميين والقانونيين لمتابعة قضايا ومستحقات عمال المستوطنات والمنطقة الصناعية بايريز قبل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005.
وإلى أن يتمكن العمال من تحصيل جزء من مستحقاتهم إن استطاعوا، يبقى التساؤل أين دور منظمات العمل الدولية والجهات الرسمية في إنصاف والدفاع عن حقوق عمالنا؟
إستمع الآن