جسور للمشاة في الزرقاء لا يستخدمها أحد

الرابط المختصر

آمال العطاونة
لا يذكر محمد عبدالناصر الذي يقيم قريبا من مدرسة سكينة الثانوية في الزرقاء الجديدة، متى كانت آخر مرة رأى فيها شخصا يسير فوق جسر المشاة المنتصب أمام المدرسة.
يقول محمد: "الجسر أصبح بلا معنى منذ قررت المدرسة قبل عدة سنوات منع دخول وخروج الطالبات من البوابة الرئيسة وأجبرتهن بدلا من ذلك على استخدام بوابة خلفية، تفضي الى شارع ضيق يتوسط حيا سكنيا مكتظا".
والجسر الواقع على شارع مكة الشهير بشارع 36، هو واحد من نحو عشرة جسور في مدينة الزرقاء، خمسة منها مقامة على طريق الأتوستراد الذي يربط المدينة مع العاصمة عمان.
وهناك أكثر من عشرين جسرا في المحافظة، تتراوح كلفة الواحد منها بين 40 و50 ألف دينار، وذلك اعتمادا على طول الجسر ونوعه سواء كان خرسانيا أم معدنيا.
ويؤكد العديد من الأهالي انهم يتجنبون الى حد بعيد استخدام هذه الجسور لأسباب؛ ليس أقلها انها مقامة في مواقع خطأ، فضلا عن المشقة التي يكابدونها جراء سلالمها المائلة بحدة، وأدراجها التي قد يصل عددها أحيانا الى 100 درجة صعودا ونزولا.
ويقع أحد طرفي الجسر على بعد امتار من بوابة المدرسة، اما طرفه الثاني فينتهي مباشرة امام مدخل مركز تجاري كبير(مول).
وقبل بضع سنوات، تبرع صاحب المول بإقامة سياج حديدي بطول مئة متر على الجزيرة الوسطية أسفل الجسر من أجل إجبار المشاة على استخدامه، وذلك بحسب ما يخبرنا مدير البلدية ماجد الحباشنة.
ولكن محمد يقول لـ "مضمون جديد" إنه بعدما أصبح الجسر مهجورا، اكتشف اصحاب المحال التجارية ان السياج بات يشكل عائقا، فلجأ بعضهم الى قصه وإحداث فتحات فيه لتسهيل عبور الزبائن من الجهة المقابلة.
وتتسبب هذه الفتحات باختناقات وفوضى مرورية في الشارع الذي يعد أحد اكثر الشوارع حيوية في الزرقاء، وذلك نتيجة لتداخل المشاة والسيارات.
وهناك فتحات مماثلة جرى إحداثها سواء من قبل مواطنين او تجار في السياجات تحت معظم جسور المشاة، وبخاصة على طريق الاتوستراد، وهو ما يشجع المشاة على عبور الشوارع من خلالها بدلا من استخدام الجسور.
وقد تعهد مسؤول البلدية الذي نفى علمه بأمر الفتحات التي جرى قصها في سياج الجسر أمام مدرسة سكينة، بإيفاد فريق للكشف على الموقع وإعادة سدها.
غير أن جميل عبدالسلام وهو ولي أمر طالبة في مدرسة سكينة يعرب عن اعتقاده ان سد الفتحات لن يعيد المشاة الى الجسر، حيث إن هناك أسبابا جوهرية اخرى تجعلهم يحجمون عن استخدامه.
ومن هذه الاسباب كما يقول ان "الجسر تحول الى مكرهة صحية؛ حيث تتراكم النفايات باستمرار على ممشاه، وكذلك على أدراجه الحادة الارتفاع، وايضا هو بلا سقف يقي المشاة المطر في الشتاء".
وقال جميل وهو يشير بيده الى عجوز كانت تحاول عبور الشارع ومعالم الارتباك والخوف بادية عليها، "انها مضطرة لأن تجازف بحياتها لعبور الشارع لانها ببساطة لا تستطيع صعود أدراج الجسر".
وتحتل الزرقاء كمحافظة، المرتبة الثانية بعد العاصمة عمان في أعداد حوادث الدهس، وكذلك اعداد الوفيات الناجمة عن حوادث السير عموما.
وبحسب احصاءات دائرة السير المركزية، فقد سجل 12190 حادث سير في المحافظة خلال عام 2011، من بينها 676 حادث دهس. ونجم عن هذه الحوادث 102 وفاة و1491 إصابة.
وعلى بعد نحو أربعمئة متر في شارع 36 يقع جسر مشاة آخر يفضي أحد طرفيه الى ساحة ارض كبيرة خالية من اي عمران.
ويقول احد المجاورين للجسر الذي يشبه وضعه الجسر الاول، ان احدا لا يستخدمه ايضا، وان الفائدة الوحيدة منه هو وجوده كمنصة لتعليق اللافتات الاعلانية.
ويضيف متسائلا "هناك مناطق اخرى بامس الحاجة الى هذا الجسر، وهو مقام هنا منذ سنوات طويلة دون ان يخدم احدا، أليس هذا دليل اعتباطية من قبل البلدية في تحديد اماكن اقامة جسور المشاة؟".
لكن مدير البلدية ماجد الحباشنة يؤكد لـ "مضمون جديد" ان مواقع الجسور يجري تحديدها وفق دراسات علمية وموضوعية.
وقال ان مديرية الدراسات في البلدية تحدد مواقع هذه الجسور بناء على اولويات تراعي اعداد الحوادث، وحجم حركة السير والكثافة السكانية وأعداد المشاة وغيرها.
ويشارك في قرار تحديد أماكن الجسور لجنة تضم ممثلين لعدة دوائر حكومية في المحافظة، ومنها الدفاع المدني والسير وغيرها.
واكد الحباشنة ان جسور المشاة هي من مسؤولية البلدية بشكل كامل، من حيث اقامتها ومتابعة صيانتها ونظافتها.
ولكنه قال ان استخدام المشاة لها من عدمه هو امر يعود لهم انفسهم، حيث ان البلدية تضعها في مكانها المناسب وتقيم سياجا فاصلا بين الجزر الوسطية، ثم تترك لهم الخيار في ان يستخدموها كبديل آمن.
كما اكد ان الجسور تقام وفق مواصفات قياسية اردنية تراعي السهولة والأمان في الاستخدام من قبل المشاة.
على ان العديد من المختصين يجادلون بان تصاميم عدد كبير من جسور المشاة في الزرقاء يفتقر لاعتبارات ضرورية لتشجيع استخدامها، سواء من ناحية الموقع او الهيكلية.
ويضرب البعض مثالا على سوء اختيار الموقع جسر المشاة الضخم الذي كان مقاما على دوار الجيش المحاذي لمجمع السفريات، والذي استمر معلقا اكثر من عشر سنوات دون ان يستخدمه سوى قلة من المشاة.
وعندما صدر قرار بازالة الجسر الذي كان ممشاه يتفرع في ثلاثة مسارات واتجاهات، لجأت البلدية الى قصه من المنتصف، ثم سدته عند نهايته بحاجز حديدي خشية سقوط اي شخص قد يحاول الصعود اليه، حيث ان سلالمه كانت قد ظلت في مكانها دون إزالة.
وظل الحال هكذا مدة تزيد على أربع سنوات قبل ان يتم تفكيك الجسور والسلالم، ولكن الأعمد التي كانت تنتصب عليها ظلت في مكانها قائمة في الجزيرة الوسطية وعلى الارصفة.
ويؤكد المهندس المدني احمد ابو حمد في هذا الصدد ان سبب عزوف المشاة عن هذه الجسور يعود بالدرجة الاولى الى انها مقامة في غير مكانها الصحيح، فضلا عن انها غير ملائمة لكبار السن والمرضى بسبب ارتفاع سلالمها وادراجها.
وقال ان ارتفاع الدرجة في بعض هذه الجسور يصل الى 25 سنتيمترا، في حين انه يجب ان لا يزيد على 16 سنتيمترا، وعدد ادراج بعضها يتجاوز 15 في السلم الواحد مع انه ينبغي الا يزيد على عشر او إحدى عشرة درجة.
واضاف المهندس ابو حمد هناك بعض الجسور التي يضطر المشاة الى صعود اربعة سلالم قبل ان يصلوا الى ممشاها، ثم يعيدون الكرة ويهبطون أربعة سلالم اخرى حتى الوصول الى الشارع، كما هو الحال مع جسر المشاة الواقع قرب مبنى المحافظة على طريق الاوتوستراد.
وقال ان المواصفات الاساسية التي ينبغي توافرها في جسر المشاة هي ان يكون مغطى وبأرضية معزولة وثابتة، وأن يراعى فيه عدم كثرة الادراج والسلالم وان تكون زوايا ميلها أقل من 45 درجة.
واشار ابو حمد الى ان آخر مرة صعد فيها الى جسر مشاة في الزرقاء كانت قبل سنتين، وانه أحس بان ألواح أرضية الممشى لم تكن ثابتة وهو ما جعله يستشعر عدم الارتياح.
وحسب ما خلصت اليه دراسة للدكتور محمد ابو جرادة من كلية الهندسة في جامعة الزرقاء، فإن المشاة في الاردن يعزفون عن استخدام هذه الجسور لاسباب اهمها: أنها "غير مريحة وأدراجها عالية، وتضيع الوقت نتيجة المشي مسافات إضافية، فضلا عن أسباب تتعلق بوضعهم الصحي وخشيتهم على سلامتهم".
وكما يرى مختصون وخبراء فان الكثير من جسور المشاة في الزرقاء في واقعها الحالي غير مجدية بدليل قلة استخدامها، ويقترحون استبدالها بالأنفاق التي يؤكدون أنها أثبتت أنها أكثر جدوى.
ويوجد في الزرقاء نفقان للمشاة، أحدهما في نهاية شارع الملك حسين(السعادة) والثاني عند مدخل الحي التجاري امام مخيم العودة.
والى جانب خدمتهما للمشاة، فان هذين النفقين يشكلان مصدر دخل للبلدية من خلال إيجارات المحال التجارية التي أنشأتها داخلهما.
أعد التقرير لصالح مشروع مضمون جديد