"تسليف" الخادمات..شكل آخر لامتهانهن في الاردن!

عمّان - جمانة سليم - مضمون جديد

كشفت الخادمة الفليبينية الشابة عن ذراعها لترينا اثار التعذيب الذي قالت انها كانت تلقاه على يد مخدومتها كلما حاولت الاعتراض على اجبارها لها على العمل في منازل قريباتها على سبيل "التسليف".

"سيريلا"- وهذا ليس اسمها الحقيقي- فرت مؤخرا من منزل مخدومتها التي كانت قد استقدمتها الى الاردن قبل ثلاث سنوات. وهي تعمل الان بشكل غير قانوني في صالون للتجميل.

وداخل الصالون الذي وافق على تشغيلها بعدما تفهم وضعها الانساني، استمعنا من سيريلا الى فصول من العذاب الذي قالت انها وجدته في انتظارها منذ اليوم الاول لوصولها الى الاردن.

تقول الخادمة الشابة انها فوجئت بان المنزل الذي قدمت للعمل فيه، كان في حقيقة الامر بناية تضم اربعة شقق تقيم فيها عائلات مخدومتها واربع من قريباتها.

وتضيف انها حاولت الاعتراض على ما اعتبرته خديعة، فكانت الصدمة بان قوبل اعتراضها بوابل من الضرب والاهانات التي اجبرتها على الخضوع.

وهكذا، وكما تروي سيريلا، فقد اصبحت تبدأ نهارها في الخدمة في شقة عائلة مخدومتها، ثم تنتقل الى الشقة المقابلة حيث عائلة سلفتها، وبعدها تتوجه الى الشقتين في الطابق الثاني حيث عائلتا حماتها وسلفتها الثانية.

وكان العمل يتضمن الكنس والجلي والغسل والطبخ وخدمة الضيوف، وتحمل الاهانات والضرب من الجميع، صغارا وكبارا، بحسب تعبير الخادمة التي تقول انها كانت في كثير من الايام تفقد الوعي من شدة التعب والارهاق، ودون ان يحرك ذلك رحمة في قلب احد ممن تخدمهم.

وبحسب احدث تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش فان هناك سبعين الف عاملة منزل، من سريلانكا واندونيسيا والفيليبين، يعشن في الاردن حاليا ويواجه كثير منهن انتهاكات متنوعة لحقوقهن.

وقال التقرير ان"الانتهاكات تشمل اعمال ضرب ومصادرة جوازات سفر وتحديد الاقامة في المنزل واهانات وعدم الحصول على الأجور المستحقة وساعات عمل مطولة دون الحصول على ايام عطلة اسبوعية".
تمرد وفرار

بعد ان فاض بها الكيل ولم تعد تتحمل هذه الحياة، قررت سيريلا التمرد ورفض العمل في بيوت قريبات مخدومتها مهما كانت النتائج.

كانت النتائج في بدايتها متوقعة، كما تقول، فقد انهالت عليها مخدومتها بالصفع والضرب، وان كان ذلك بشدة لم تعهدها من قبل.

وتضيف ان تمسكها بقرارها رغم الضرب كان كفيلا على ما يبدو باطارة صواب مخدومتها التي تملكتها سورة غضب شيطانية قامت معها بكي ذراعها بمغرفة معدنية احمتها على النار، ثم حبستها في احدى الغرف وحرمتها الماء والطعام.

وبعد يومين امضتهما في تلك الغرفة، كانت سيريلا قد عقدت العزم على الفرار، فاوهمت مخدومتها بانها تراجعت عن موقفها، وتعهدت باطاعة اوامرها وتنفيذ كافة رغباتها.

ويبدو ان ذلك انطلى على المرأة، ففتحت لها الباب، وما هي سوى ساعات حتى كانت الخادمة الشابة التي اوهنها التعذيب وقلة الطعام تقفز من احدى النوافذ وتطلق ساقيها للريح.

وفي نهاية المطاف استقر بها الحال عند ابواب مؤسسة خيرية سهلت لها الحصول على العمل في صالون التجميل الذي قبل تشغيلها بدون تصريح او عقد بعدما تفهم وضعها الانساني.

وكما تخبرنا سيريلا، فكل ما تريده الان هو جمع ثمن تذكرة الطيران والعودة الى بلدها دون رجعة .
قصة مماثلة ترويها لنا "ريتا" وهي خادمة فليبينية اخرى فرت هي ايضا من منزل مخدومها، وتعمل حاليا باجر زهيد في احد المطاعم المتخصصة باطعمة بلادها.

تقول ريتا انها جاءت الى الاردن لتعمل خادمة في احد المنازل، لكنها ومنذ الاسبوع الاول لاقامتها اكتشفت انها مجبرة على خدمة بناية مؤلفة من خمس شقق تقيم فيها عائلات كبيرة.

وتضيف انها عندما اعترضت امام مخدومها على العمل الذي يزيد عن طاقتها البشرية، قام بصفعها واوقعها عن درج البناية، الامر الذي تسبب باصابتها بتمزق في اوتار كاحلها لا تزال تعاني منه حتى الان.

وتتابع قائلة انها اصرت رغم ذلك على ان يعيدها مخدومها الى المكتب الذي جرى استقدامها من خلاله، حتى يقوم بتسفيرها الى بلادها.

ولكنه رفض كما تقول، بل وامعن في ضربها ثم حبسها في غرفة معتمة تملؤها الحشرات.
وكما تخبرنا، فقد تمكنت من الفرار بعدما خلعت قفل الغرفة المرعبة التي امضت فيها يومين كاملين.
اتجار بالبشر
شكل اخر من اشكال استغلال الخادمات تخبرنا عنه الموظفة الحكومية نادية نعيمات من واقع تجربتها الشخصية.

تقول نادية ان احدى جاراتها عرضت عليها قبل اشهر ان تعيرها خادمتها لتنظيف منزلها بشكل كامل مقابل 30 دينارا، وانها وافقت على ذلك اعتقادا منها ان هذا المبلغ ستأخذه الخادمة.
ولكنها فوجئت بعد انتهاء العمل بان جارتها هي من تطلب قبض الاجرة بحجة انها ستدخرها للخادمة.

وتقول نادية ان المفاجأة كانت عندما علمت من الجارات ان هذه المراة تقوم بتأجير خادمتها لهن وتستولي على اجرها، فضلا عن انها لا تتوانى عن تعذيبها كلما حاولت الرفض او المطالبة باجورها.

وتضيف ان نهاية معاناة هذه الخادمة كانت على يد جارة لها قامت بتقديم شكوى باسمها لدى وزارة العمل التي تابعت بدورها الشكوى وشكلت لجنة تحقيق اوصت في المحصلة باحالة مخدومتها الى القضاء بتهمة الاتجار بالبشر.

وينص قانون منع الاتجار بالبشر الذي اقره الاردن عام 2009 على تجريم "استقطاب اشخاص او نقلهم او ايوائهم او استقبالهم بغرض استغلالهم عن طريق التهديد بالقوة او استعمالها او غير ذلك من اشكال القسر او الاختطاف او الاحتيال او الخداع او استغلال السلطة او استغلال حالة ضعف..".

ويعرف القانون الاستغلال بانه "استغلال الاشخاص في العمل بالسخرة او العمل قسرا او الاسترقاق او الاستعباد او نزع الاعضاء او في الدعارة او اي شكل من اشكال الاستغلال الجنسي".

وبحسب القانون، فان عقوبة هذه الجريمة هي "الحبس مدة لا تقل عن ستة اشهر او بغرامة لا تقل عن الف دينار ولا تزيد على خمسة الاف دينار او بكلتا هاتين العقوبتين".

وقد اصدر الاردن عام 2008 مجموعة قوانين وانظمة تمنح عاملات المنازل الحق في ساعات عمل محددة وايام عطلة اسبوعية، وتجرم الاتجار بالبشر، الا ان منظمة هيومان رايتس ووتش تؤكد ان تطبيق هذه التشريعات "ما زال مهملا".

كما يجدر بالذكر ان الاردن صوت لصالح اتفاقية منظمة العمل الدولية الخاصة بعاملات المنازل لكنه لم يصادق عليها وهي تلزم الحكومات بضمان ظروف عمل ملائمة لعاملات المنازل وحمايتهن من العنف وتقضي بان تتناسق القوانين الوطنية مع الاتفاقية..
انتهاكات وحقوق

وفقا لما تقوله ليندا الكلش مديرة مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الانسان، فان 63 حالة من اصل نحو 500 شكوى تلقاها المركز منذ مطلع العام، كانت لخادمات تم اجبارهن على العمل في اكثر من منزل مثل منازل الاقارب في نفس البيت او منازل الجيران.

واضافت الكلش ان الخادمات "في معظم الحالات كن يرفضن العمل في اكثر من منزل لان هذا الامر يتنافي مع قدراتهن الجسدية حيث يضطررن للعمل اكثر من 18 ساعة في اليوم، كما انه يتنافي مع قانون العمل".
وقالت ان نسبة كبيرة من شكاوى هؤلاء الخادمات تتعلق باجبارهن على العمل في بيوت تزيد عن الثلاثة طوابق.

واشارت الى شكويين لخادمتين "اجبرتا على العمل بالعنف والضرب المبرح وكانت علامات الضرب على جسديهما واضحة عند قدومهما الى المركز الذي اتخذ الاجراءات اللازمة برفع دعوى ايذاء" ضد مخدوميهما.
ومن جانبه ايضا، فقد تلقى المركز الوطني لحقوق الانسان العديد من الشكاوى بهذا الخصوص خلال العام الماضي كما يؤكد الناطق الاعلامي للمركز محمد الحلو.

وقال الحلو ان الشكاوى كانت تتعلق باستغلال الخادمات عبر تشغيلهن في اكثر من منزل دون مقابل واجبارهن على ذلك بالضرب وباستخدام العنف والتوبيخ.

واشار الى ان هناك حالات اخرى استقبلها المركز ويمكن تصنيفها كاحد اشكال الاتجار بالبشر، وتتلخص في استغلال ربة الاسرة للخادمة عبر تاجيرها للعمل في المنازل دون موافقتها او اعطائها مقابل هذا العمل.

وقال الحلو ان معظم القضايا التى وردتهم من هذا النوع تم حلها بشكل ودى مع الخادمة ومستقدميها سواء بتسفيرها واعطائها كافة حقوقها او باعادتها الى العمل مع تعهد صاحب العمل بالالتزام بشروط العمل وعدم استغلالها مرة اخرى.

وعلى صعيده، فقد اكد نقيب اصحاب مكاتب العاملات في المنازل خالد الحسنات ان ظاهرة "تسليف" الخادمات منتشرة بشكل كبير الا انها غير بادية للعيان بسبب ان النسبة الكبيرة من الخادمات لا يتمكن من الاتصال او التواصل مع الجهات المعنية للشكوى ولتحصيل حقوقهن.

وقال ان النقابة قامت وبالاتفاق مع ادارة البحث الجنائي في مديرية الامن العام بطباعة كتيبات ارشادية خاصة بالخادمات يتم توزيعها عليهن في المطار.

واوضح ان هذه الكتيبتات التي تمت ترجمتها الى لغات بلدان الخادمات تتضمن تعريفهن بحقوقهن العمالية، الى جانب تزويدهن بارقام هواتف مديريات العمل.

واضاف ان الاختام الخاصة على جوازات سفرهن تتضمن هي ايضا اهم الارقام الهاتفية للمراكز الامنية ووزارة ومديريات العمل وذلك من اجل تسهيل الاتصال في حال تعرضن لاي انتهاك او اي ضرر في عملهن .

أضف تعليقك